صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com
الخميس 30/12/ 2010
لا أخلاق في السياسة، أم في السياسيين؟
(3)صائب خليل
المجلس الأعلى
في الحلقتين الأولى (1) والثانية (2) من هذه المقالة قارنا في الأولى بين انقلابات السياسيين ا لعراقيين في عام 2006 إثر الحملة الأمريكية (الناجحة) لإزاحة رئيس الوزراء العراقي المنتخب، إبراهيم الجعفري، وبين الإنقلابات لحملة أمريكية مماثلة (ولكن فاشلة هذه المرة) في أواخر هذا العام، لفرض المرشح الأمريكي، أياد علاوي،(أو احتياطه عادل عبد المهدي) لرئاسة الحكومة، وكيف ان الحملات تبدأ دائماً بمرحلة تليين تحضيرية، يليها وبشكل مفاجئ وحاسم، قرار معاكس ووقح لتوجيه الضربة الأخيرة. وفي الحلقة الثانية ركزت على انقلاب اعضاء العراقية من خلال مقارنة مقولاتهم في الحملة الأخيرة، أما في هذه الحلقة فسنركز على شريكهم "المجلس الأعلى" الذي راهن بكل ما بقي له من أوراق على المشروع الأمريكي، لسبب مازال خاضعاً للإفتراضات، خاصة المشبوهة منها!
***
حركات مشبوهة: دعم المجلس للعراقية ودعم العراقية لعادل.
نسمي الحركات "مشبوهة" عندما يصعب تفسيرها على الأسس المعروفة، وعندما لا تكون التبريرات المقدمة من قبل المعنيين، مقنعة.
ورغم أنه ليس هناك شيء غريب بشكل عام من دعم جهة سياسية لأخرى والحصول بالمقابل على الدعم من الأخيرة، فأن حالة الدعم المتبادل بين المجلس والعراقية تبقى غريبة للغاية، من الناحية الموضوعية، ومن ناحية الطريقة التي جاءت بها وسرعتها.
فقد فاجأ عمار الحكيم العراقيين بالوقوف موقف حاسم في جانب القائمة العراقية في الصراعة على السلطة الذي جرى إثر الإنتخابات الأخيرة. وسبب المفاجأة هو أن المجلس الأعلى، كجزء من الإئتلاف الوطني، الذي تغلب على مكوناته الصبغة الشيعية، يعتبر بشكل أو بآخر أقرب كثيراً إلى قائمة "دولة القانون"، وكان، ضمن الإتلاف الوطني مدعواً أصلاً إلى التفاوض من أجل المشاركة في الحكومة، وكان بإمكان المجلس أن يطالب بأكثر مما يستحق إنتخابياً، في عملية إبتزاز سياسية معروفة وشبه مقبولة في مثل تلك الحالات.
أما السبب الثاني فهو الصيغة الشديدة الحدة في ذلك الدعم الذي يتجاوز أي شيء معروف في عالم السياسة، العراقية منها والأجنبية. فقد ألقى الحكيم بكل ثقله وراء قائمة العراقية مصرحاً بأنه لن يدخل حكومة لا تكون العراقية جزءاً منها. وهي صيغة غريبة حتى بين الأحزاب شديدة القرب من بعضها أيديولوجياً وتاريخياً، فكيف بقائمتين لا يجمعهما أية أيديولوجيا وأي تاريخ؟
ولم يكتف قياديو المجلس بهذا الدعم المخالف لرغبات وعواطف ناخبيهم بل ذهبوا أبعد من ذلك فاعترضوا على عدم السماح للمتهمين بالتعاطف والإنتماء للبعث منهم بالمشاركة في الحكومة، رغم أن المجلس يبني "مظلوميته" بشكل رئيس على جرائم البعث بحق أعضائه وعوائله والطائفة التي ينتمي إليها. فقال القيادي في المجلس جمعة العطواني في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "هناك خطأ كبير في قضية اجتثاث أعضاء القائمة العراقية وإبعادهم عن العملية السياسية". (3)
ما هو "الخطأ الكبير" في مجرد إبعاد بضعة مناصرين صريحين للبعث الذي يراه المجلس كمنظمة إجرامية شوفينية، عن ممارسة القيادة السياسية في العراق، لا أكثر؟
هذه التصريحات وهذا الدعم الغريب وغير المحدود بحاجة إلى تفسير، يطالب به المجلس من قبل ناخبيه، فجاء تفسير عمار لذلك بقوله: "انتصارنا لـ (العراقية) تأكيد لمفهوم الشراكة الحقيقية في بناء العراق" (4)
لا يستطيع أن يقنع أحداً، فالعراقية التي يتحدث عنها لم تكن جزءاً صغيراً مظلوماً يخشى التهميش، بل مصارعاً في الخط الأول. كذلك فأن "دولة القانون" لم تكن في تلك اللحظة تصرح باستبعاد العراقية، بل العكس، لذا فأن من يريد أن يدعم "الشراكة الحقيقية" ان يستعمل أوراقه للضغط من أجل تحقيقها، من خلال شروط متوازنة على الأطراف المعنية، لا أن يلقي بها في حضن أحد الأطراف بلا شروط وبدون أية مفاوضات أو حتى محادثات.
إذن فالسبب الذي قدمه عمار لدعم العراقية المفاجئ وغير المحدود،غير مقنع، فما هو التفسير الحقيقي؟ يبدو أنه سبب يفضل عمار الإحتفاظ به لنفسه، سبب مخجل على الأغلب! لقد توقعت في مقالة سابقة أن الأمريكان قد تمكنوا من ابتزاز عمار الحكيم لكي يقدم على موقف مدمر لحزبه كهذا، ومازال مثل هذا الإحتمال وارد جداً، لكني أضيف إليه احتمال وعد الأمريكان للمجلس بأن يكون رئيس الوزراء منه (عادل عبد المهدي) بالرغم من أن المجلس لم يحصل إلا على بضعة مقاعد في الإنتخابات الأخيرة!
العراقية تدعم عادل عبد المهدي
من جهتها فأن العراقية كانت تواجه مشكلة أيضاً في تفسير دعمها للمجلس، إلى درجة أنها حسب تصريح قيادييها "تنازلت عن حقها في تشكيل الحكومة" لتقبل بتسليمها إلى عادل عبد المهدي!
والمشكلة التي تواجهها العراقية في تفسير ذلك التصرف هي أنها تستند في الكثير من إعلامها على أساس التصدي لـ "الخطر الإيراني" ورفضه واتهام دولة القانون والإئتلاف الوطني بالعلاقة التبعية معها، وبدعمها الشديد لعادل عبد المهدي والمجلس الأعلى فأنها تدعم أقرب الجهات العراقية إلى إيران! لنأخذ هذا الخبر عن البطيخ:
جدد القيادي في القائمة العراقية النائب جمال البطيخ التأكيد على استعداد كتلته لدعم عادل عبد المهدي مرشح الائتلاف الوطني لرئاسة الوزراء في الحكومة المقبلة. وقال البطيخ خلال تصريح اعلامي اننا في القائمة العراقية وخلال الاربع سنوات الماضية لمسنا مرارة من ادارة المالكي للسلطة وحتى في علاقتنا معه على العكس من الفترة الذي شغل عبد المهدي نائبا لرئيس الجمهورية ناهيك عن انه يمتلك خبرة اقتصادية وهذا ما تحتاجه البلاد في المرحلة المقبلة. واضاف ان العراقية عندما ستتنازل عن رئاسة الوزراء لعبد المهدي فان ذلك يأتي من باب النظر الى المصلحة العليا للبلاد. (5)
لا أتصور أن احداً يأخذ عبارات البطيخ عن عبقرية عادل عبد المهدي الإقتصادية بشكل جاد، أو أن ذلك يمثل "المصلحة العليا للبلاد"، فما هو ا لسبب إذن؟
يبدو أن العراقية تريد أن تحتفظ بالسبب الحقيقي لنفسها، فهو إذن سبب مخجل على الأغلب.
المجلس ينضم إلى المقاطعة الصريحة للمالكي
لم يتأخر المجلس الأعلى عن الحملة التي انطلقت في لحظة واحدة لمقاطعة المالكي، فشملت جميع اعضاء العراقية بلا استثناء، وهو ما حاولت العراقية تصويره على أنه "إنسجام" في المواقف، بينما إن دل هذا على شيء فإنه يدل على تبعية شديدة لجهة مركزية ما، داخل العراقية أو خارجها، فلا يعقل أن لا يختلف أي سياسي في قائمة كبيرة كتجمع العراقية المختلف بل المتناقض، عن الخط العام، حين يتحول بشكل كبير وهام من الدعوة إلى الشراكة والمشاركة وإلغاء الخطوط الحمر، إلى موقف عدائي صريح وغير مبرر تجاه شخص واحد هو المالكي. فحتى لو افترضنا أن جميع أعضاء القائمة يعتبرون المالكي شخصياً العدو الأكبر لهم (وهو ما لم تدل عليه الأحداث التالية إطلاقاً) فيفترض أن هناك من قد يخطر بباله الإعتراض على أسلوب العمل ضده. لكن "العراقية" كانت "منسجمة" تماماً !
هل أتى هذا الإنسجام من داخل العراقية؟ من الصعب تخيل ذلك، فالشخصية المركزية الوحيدة في العراقية التي يمكن أن تدير مثل هذا الأمر هو أياد علاوي، وهذا الأخير لا يتمتع بثقة الأعضاء، الذين عبروا أكثر من مرة عن الإعتراض علي قراراته وفرديته في اتخاذها. لذلك لا يبقى سوى أن يكون مركز القرار خارجي، يمكن لأعضاء العراقية المختلفين أن يثقون بقدرته على تنسيق مثل ذلك القرار الخطير وحصاد النتائج الإيجابية منه. أترك تقديره لكم.
لم يكن هذا التنسيق "إنسجاماً" في مواقف الأعضاء، كما حاول الملا وغيره أن يفهموا الناس، فقد تم حسب تصريحات هؤلاء الحصول على تواقيع جميع قادة العراقية على القرار، وهو ما يذكرنا بالتواقيع التي تفرضها الأنظمة الدكتاتورية على توابعها الذين لا تطمئن إليهم، وهو في كل الأحوال دليل قاطع على عدم الثقة بهؤلاء الأعضاء وعدم الإكتفاء بوعدهم الشفوي بالإلتزام، فلا مفر من استخدام تواقيعهم ضد كل من تسول له نفسه الخروج عن القرار المركزي لاحقاً.
أنضم المجلس الاعلى إلى الجوقة بدون تردد، مستخدماً أشد الألفاظ في رفض المالكي، وهو ما يبدو جزءاً من الإتفاق المركزي لمنع من يفكر من المجموعة في إبقاء خطوط رجعة له مع "دولة القانون". فأعلن المجلس:"لن نصوت للمالكي في مجلس النواب" (6)
وأعلن النائب عن القائمة العراقية احمد المساري عن هذا الإتفاق بين قيادة قائمتة وقيادات المجلس الاعلى والذي ينص على عدم مشاركتهما في حكومة يرأسها زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وأنهم قرروا تشكيل قاعدة ثلاثية تضم العراقيية والمجلس الاعلى والاكراد لتشكيل الحكومة". (7)
وقال القيادي في المجلس عزيز العكيلي ان "المجلس الاعلي لديه تحفظ عن المالكي، ولن يوافق علي ترشيحه لرئاسة الوزراء". واضاف العيكلي: ان "عدم تأييدنا للمالكي رسالة واضحة للشعب العراقي"، قائلاً: ان "حكومته فاشلة ولا نريد دفع ثمنها مرة اخري". (8)
قال النائب عن المجلس الاعلى عزيز كاظم علوان العكيلي " ان المجلس الاعلى لن يعطي صوته لشخص قاد حكومة فاشلة وغير مقبول وطنيا ". (9) وهي عبارات تتطابق تماماً مع مثيلاتها من العراقية والتي تؤشر ثانية بأنها جمعت من مركز واحد قام بتوزيع ليس الأدوار فقط بل وحتى التصريحات، ليوزع خشونتها بالتساوي على المجموعة.
المجلس يشارك مع المالكي مثل الباقين
لكن، وكما حدث للقائمة ا لعراقية تماماً، تراجع المجلس وأعضائه عن كلامهم الذي كاد يصل حد الشتائم للمالكي، وأعلن موافقته على المشاركة في "حكومة يرأسها المالكي". فجاء في أحد الأخبار مثلاً:
أعلن المجلس الأعلى الإسلامي الذي يتزعمه عمار الحكيم، الخميس، موافقته على المشاركة في حكومة يرئسها نوري المالكي والتصويت له في جلسة البرلمان بعد أن "تحققت الشراكة الوطنية"،
وقال القيادي في المجلس الأعلى جمعة العطواني إن "المجلس الأعلى الإسلامي سيشارك في حكومة يرئسها نوري المالكي إذا تحققت الشراكة الحقيقية من جميع الاطراف" (10)
وسنكتفي بهذا المثال فالكثرة لا تعني شيئاً..
كان المقرر أن تنتهي سلسلة فضائح تصريحات الساسة العراقيون وتناقضاتها الخاصة بفترة الإنتخابات هنا في نهاية هذه الحلقة، وحرصنا على إنهائها وإرسالها قبل نهاية العام، لنبدأ عاماً جديداً نظيفاً، لكن ضرورة الإنسجام في المقالة وعدم خلط مواضيع مختلفة معاً، من ناحية، ولضرورة إكمال الموضوع بتفصيلاته من الناحية الأخرى، وجدت من المناسب إضافة حلقة أخيرة ملحقة ستكون بعنوان "أكاذيب متفرقة"، وهي أكاذيب "مهمة" من ناحية معرفتنا لسياسيينا، لكنها لا تقع ضمن إطار أي من الحلقات الأخرى. وبذلك سوف ننهي هذه المقالة بـ "أكاذيب متفرقة"، ولكن في العام القادم بعد أيام، فإلى ذلك الحين أتمنى لكم عاماً جديداً سعيداً، وخال من أكاذيب السياسيين أو على الأقل، اقل من العام الحالي الذي كان غنياً بها بحق.
(1) http://qanon302.net/news.php?action=view&id=4271
(2) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=41928
(3) http://www.iraq-ina.com/showthis.php?tnid=53938
(4) http://www.nahrainnet.net/news/52/ARTICLE/16193/2010-11-16.html
(5) http://www.aliraq-online.com/7837.html
(6) http://youssef19.yoo7.com/t44621-topic
(7) http://www.ikhnews.com/news.php?action=view&id=2531
(8) http://www.azzaman.com/indexq.asp?fname=2010\10\10-01\99.htm&storytitle
(9) http://www.qanon302.net/news.php?action=view&id=2066
(10) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=20809
30 كانون الأول 2010
لا أخلاق في السياسة، أم في السياسيين؟ العراقية (2)
لا أخلاق في السياسة، أم في السياسيين؟ مقارنة تصريحات معارك الإنتخابات (1)