|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  19 / 12 / 2019                                 صائب خليل                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الرئيس برهم لم الدوران بدلا من حل البرلمان؟

صائب خليل
(موقع الناس)

الرئيس برهم صالح يرسل لمجلس النواب يطلب منه ان يخبره بالكتلة الأكبر لينتخب منها مرشحها، ومجلس النواب يجيب اننا ارسلنا لك الكتلة الأكبر لما كلفت عبد المهدي! المضحك في الامر ان الشعب كله يعلم ان برهم ومجلس النواب والمحكمة الاتحادية وكل الكتل المؤلفة للحكومة، ارتكبوا جريمة كبرى ومخلة بالشرف (شرف قسمهم على الأقل) حين تجاهلوا “الكتلة الأكبر” والدستور، واليوم يبدو أنهم كلهم يريدون يظهرون كشرفاء، ولا يكررون فعلتهم.

لا بأس بذلك مبدئيا، لكن المشكلة ان هذا كله لا مبرر له! وتسلسل الخطوات المتبعة يبدو غير منطقي ويثير بعض القلق والشكوك. فلماذا لم يطلب الرئيس برهم، وقبل استقالة عبد المهدي، بحل مجلس النواب؟ هذا هو الإجراء المنطقي الذي يناسب الهدف المعلن من قبل الرئيس والطيف السياسي في العراق. فوفقا للدستور فإن رئيس مجلس الوزراء البديل، ليس ملزما بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، وليس هناك إشارة في الدستور الى أنه يجب ان يكون "مؤقت" أو ان له فترة حكم مختلفة، إلا في حالة ان يشغر منصب رئيس الوزراء عن طريق حل مجلس النواب.

الاجراء المنطقي بالبدء بحل مجلس النواب، ويقيل الحكومة اوتوماتيكياً، ويشترط اجراء انتخابات جديدة وبالتالي مجلس نواب جديد وحكومة جديدة (المادة 64 من الدستور). ويبدو أن الرئيس برهم مجبر سيقوم بإجراءات طلب حل مجلس النواب في النهاية في كل الأحوال. يعني، اذا كان حل مجلس النواب ضروري وكافي، فلماذا لم يتم مباشرة وتنتهي كل المشاكل بدلا من هذا الدوران؟
حالة تشبه النكتة التي تقول ان شخصاً ساذجا، سؤال: أين اذنك؟ فلف يده اليمنى من خلف رأسه ليمسك أذنه اليسرى!

لكننا لا نصدق بالسذاجة في السياسة، فما هو تفسير هذه "اللوفة" الغريبة لبرهم صالح؟
تفسيري هو ان برهم صالح (أو من يوجهه) أراد استغلال جو التظاهرات والغضب الشعبي لتمرير قانون الانتخاب على أساس فردي، قبل الانتخابات التالية. فلو قام برهم بإجراءات حل مجلس النواب مباشرة كما يقتضي المنطق، لما تمكن المجلس من إقرار قانون الانتخاب على أساس فردي، قبل الانتخابات القادمة! ولتأجلت مناقشة القانون الى ما بعدها، وربما فاتت الفرصة لإقراره.

لماذا الإصرار والاستعجال على قانون التصويت الفردي؟ الرأي الشائع هو أن هذا القانون جاء استجابة لمطالب الجماهير من خلال التظاهرات. لكن في إحدى المقابلات لمناقشة هذا القانون كشف رئيس سابق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، د. حسين الهنداوي، ربما لقلة حذر منه، ان القانون لم يكتب استجابة لمطالب التظاهرات إنما هو من تدبيج المفوضية الفاسدة نفسها قبل سنتين وأن الرئيس معصوم تبناه وحاول تمريره في مجلس النواب، الذي لم يمرره لسبب لم يحدده، وربما كان السبب كثرة النقاط المخالفة للدستور فيه، والصعوبات الكبيرة في تطبيقه بل الاستحالة بدون وجود إحصاء سكاني.
(1)

عدا هذا فالقانون، كما هو متوقع من كل مبادرات المفوضية والطبقة السياسية المتحكمة، لا يقلل تسلط الأحزاب الكبيرة على الصغيرة كما اشيع بكثرة خاصة من قبل د. اثير ادريس، بل العكس تماما. فهو يعتبر اكثر قانون يضع العراقيل امام الأحزاب الصغيرة والجديدة ويعطي اكبر حزب سلطة مطلقة تقريبا، إضافة الى مخاطر اجتماعية وسياسية كثيرة جدا.
(2)
وأخيراً فهذا القانون يرضي الجهات الراغبة بتفتيت العراق اكثر واكثر على كل الأصعدة: السياسية والإدارية والعسكرية والتشريعية. ولنلاحظ انهم حين اقنعوا الشعب بأن تقسيم البلاد الى دوائر انتخابية على مستوى المحافظة، كانت الحجج نفسها بالضبط كما هي اليوم، وهي أولاً ان المواطن سوف يعرف نوابه ويصل اليهم بسهولة، وثانياً ان النائب لن يحتاج لأموال طائلة للدعاية لنفسه كما هو الحال حين يكون على مستوى القطر، وثالثاً ان أبناء المحافظة يعرفون بعضهم وسيختارون الأفضل وان هؤلاء سيكونون اكثر حرصا على محافظاتهم لأنهم ابناءها ولأن مقاعدهم تعتمد عليها.. الخ . واليوم حين صار الطموح اكبر واتيح تقسيم البلاد الى مئات الأقسام، اختفت كل تلك الميزات من نظام الدوائر الانتخابية على أساس المحافظات، وصار ضروريا جدا تقسيمها مرة ثانية!!

لقد تم الترويج لقانون الانتخاب الفردي بجهود كبيرة جدا ولأكثر من سنة، وتم ترسيخه في ذهن المواطن بأنه "الحل" الذي سيخصله من بعبع "الكتل الكبيرة" و الأحزاب الكبيرة وتسلطها وفسادها، وهذا كله أكاذيب لا أساس لها، بل ان تجربة العالم تقول ان مثل هذا القانون لا يزيد الوضع الا سوءاً ولا يقلل بل يزيد تسلط وصلاحيات وثبات الأحزاب الكبيرة واستقرارها في السلطة ووضع الف عقبة امام أي حزب جديد صغير لدخول البرلمان.

وهنا نفهم استعجال وخوف برهم ومن يحرك خيوط برهم وغيره من السياقات الطبيعية التي ستؤجل مناقشة وتطبيق القانون الى ما بعد الانتخابات التالية، لأن الناس حالياً مسيرين بدافع زخم الترويج الطويل والاماني التي علقوها كذباً بهذا القانون. فإن تفتت هذا الزخم العاطفي امام المناقشات والبراهين، فقد تفوت الفرصة لإقرار القانون!
(3)

اعترف أننا نطلب المستحيل من مواطن ينتظر سنتين قانون انتخاب أفهموه أنه سيخلصه من الفاسدين، ولما كاد حلمه يتحقق، نقول له: إنه مخدوع، وإننا نسير من قانون الى أسوأ منه في اتجاه واضح نحو تقسيم البلاد تشريعيا وسياسياً انسجاماً مع محاولات تقسيمها طائفيا وعسكريا واعلاميا، ونفسياً أيضا. وأن القانون الحالي افضل من كل النواحي وأكثر لحمة للعراق من القانون الفردي الجديد الموعود، وان قانونه الاقدم حين كان العراق دائرة واحدة، هو الأفضل لوحدة العراق من قانونه الحالي الذي دبجوه لنفس الأسباب وبنفس الحجج!

كل ما نعرفه عن قانون الانتخاب على أسس فردية، وكذلك من يقف وراء محاولة اقراره في العراق، وأخيراً كيف الصق عنوة بالتظاهرات، كلها تشي بالريبة الشديدة بالمشروع. فمن الواضح أن كل تلك الجهود لم تكن من أجل إرضاء الشعب او الحراك، بل من أجل استغلالها لتمرير هذا القانون الخطير الذي عجز معصوم عن تمريره.
 

18 ك1 2019


(1) فيديو قانون معصوم وليس قانون التظاهرات
https://www.facebook.com/saiebkhalil/videos/523556908555686 /
(2) صائب خليل - الانتخاب الفردي نظام الأحزاب العشائرية والكبيرة والتهميش والنزاعات – محاسن ومساوئ النظام الفردي
https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2760660717324313
موجز المقالة: https://www.facebook.com/Gov.Citizen/posts/2231747110263055
(3) للمطالعة الإضافية -صائب خليل - ردود على ترويج أثير الادريسي لنظام الانتخاب الفردي 1- اغلب دول العالم تتبعه؟
https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2767791003277951


 

 




 







 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter