| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأثنين 15 / 7 / 2024 صائب خليل كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
حكومة السوداني تخفي حسابات وارادات النفط
ليسطو الفدرالي الأمريكي على مليار دولار منها شهريا!صائب خليل
(موقع الناس)
كشف الأستاذ أحمد موسى جياد فضيحة جديدة لحكومة السوداني، باختفاء اكثر من 4 مليارات دولار، بعد حجب مفاجئ، للمعلومات الخاصة بالعائدات النفطية منذ بداية هذا العام. وكان جياد قد كتب قبل فترة مستغربا قيام وزارة النفط، و"لأول مرة" منذ الاحتلال، بحجب معلومات كميات النفط المصدرة وأسعار بيعها، والتي كانت حتى مجيء هذه الوزارة، تنشر تباعا في صفحة وزارة النفط، وطالب في وقتها الوزارة والمسؤولين بالتصدي لهذا السقوط الكبير في الشفافية، وابدى استغرابه من هذا القرار "غير المفهوم"!
ويبدو ان القصد من إخفاء المعلومات صار اليوم مفهوما. فقد ادعت وزارة المالية أن عائدات النفط العراقي لتلك الأشهر قد بلغت 38,027 مليار دينار فقط، مما يتسبب بعجز في الموازنة قدره 6.017 ترليون دينار (او 4.629 مليار دولار) خلال الأربعة أشهر الأولى فقط من هذا العام!
لكن كيف نتأكد أن هذا الرقم صحيح؟
بعد حجب وزارة النفط للحسابات، وعدم استلام البنك المركزي العراقي عوائد النفط مباشرة، فأن وزارة المالية تستطيع ان تعطي أي رقم تريد لعوائد النفط دون ان يكون هناك طريقة للتأكد منه، الا من خلال الفدرالي الأمريكي الذي استلم المبلغ الفعلي للواردات! فإذا كان هناك ترتيب مع الفدرالي الأمريكي، أو ان كان الفدرالي الأمريكي هو من أمر وزارة النفط بحجب معلومات مبيعات النفط في بداية العام، وأعطى التعليمات لوزارة المالية بالمبلغ الذي يتوجب إعلانه الآن، فلن يستطيع أحد ان يراجع الحسابات ليتأكد من صحتها أو وجود نقص فيها!
كيف عرف جياد إذن الخلل؟ لحسن الحظ، توفر المعلومات العالمية التي تقدم عن أسعار البرميل الواحد من النفط وكميات النفط المسوقة، فرصة لتقدير جيد الدقة لحقيقة المعلومات التي اخفتها وزارة النفط، وإن كان "تقديرا" فقط وليس حسابا فعليا لمجريات البيع والشراء. وتمكننا هذه التقديرات من حساب الواردات المتوقعة بشكل جيد، كما فعل الأستاذ جياد اعتمادا على مصدرين موثوقين الى درجة عالية.
من المقارنة مع حسابات المصدرين، يمكننا ان نقدر اختفاء ما يزيد عن 4 مليارات دولار من واردات النفط للأشهر الأربعة الأولى من عام 2024. المقارنة مع تقديرات المصدر الأول ("تقرير نفط العراق") تشير الى اختفاء 4 مليارات و 135 مليون دولار، بينما تشير ارقام المصدر الثاني ("أسعار نفوط الإشارة") إلى اختفاء 4 مليارات و 347 مليون دولار.
أي ان ما اختفى من واردات النفط العراقية بين وزارات النفط والمالية والفدرالي الأمريكي يقدر بين مليار و35 مليون دولار، و مليار و90 مليون دولار - كل شهر!! ومازال النهب مستمراً!
إلى أين ستذهب هذه المليارات؟
الفدرالي الأمريكي طبعا غير ملزم بدفع مبلغ اكبر من المبلغ الذي تدعيه وزارة المالية، لذلك يمكنه الاحتفاظ بالفرق، وهو يقرر إن كان سيعطي حصة لوزيري النفط والمالية وبقية المسؤولين في الوزارتين مقابل "اتعابهم" في عملية السطو، وكم يعطي لكل واحد وكم يحتفظ لنفسه!
بعض ما ورد أعلاه من أرقام هي حساباتي التي استندت الى مقالة الأستاذ جياد "تباين كبير ومؤثر في تقدير أسعار وعوائد صادرات النفط"، التي ركزت على حسابات نسبة العجز في الموازنة بحسابات مختلفة.
كذلك أشار جياد الى ان العراق مهدد بحجم في "العجز المالي" اكبر مما هو متوقع، ليس فقط بسبب هذا الفرق الغريب في الحسابات، إنما ايضا بسبب تعمد الحكومة اعتماد سعر تقديري مبالغ به للنفط المصدر عند وضع الموازنة.
لا يوجد تفسير مقنع بالنسبة لي لما كشفه الأستاذ جياد سوى أنها مؤامرة أمريكية لسرقة ما يزيد عن مليار دولار من عائدات النفط شهريا، بتواطؤ وزارة المالية التي غطت السرقة بتقديم ارقام غير معقولة عن الواردات، وأنها تمت مع سبق التخطيط بتعليمات استباقية وجهت إلى وزارة النفط بحجب ارقام كميات النفط المصدر وأسعار بيعه، ولأول مرة في تاريخها.
هذه الفضيحة تفسر لنا ليس فقط التصرف "الغريب" لوزارة النفط بحجب المعلومات لأول مرة منذ أربعة اشهر، بل أيضا إصرار الأمريكان والسوداني والوزارات المعنية على عدم طرح استعادة العراق حقه في استلام موارده النفطية مباشرة بدون "وساطة" الفدرالي الأمريكي بعد اختفاء كل الأسباب المعقولة لبقاء هذه "الوساطة" المشبوهة.
وهي تكشف لنا أيضا، ان الخضوع للفاسدين والعملاء لن يجعلهم يكتفون بما سرقوه بل يهبون فورا لتوسيع النهب والسيطرة. فلم يكتف الأمريكان وعملائهم في البلد بسكوت الشعب عن انتهاك سيادته الاقتصادية ومنح الفدرالي السلطة على أمواله، وحرمانه من التصرف بها، بل سارعوا فورا الى توسيع استفادتهم من ذلك الخلل بسرقة ما يستطيعون. وسوف يستمرون وتستمر محاولاتهم لزيادة سرقاتهم وامتصاص البلد.
وتكشف الفضيحة لنا أيضا سبب الهجمة الحكومية على الشفافية، مثل القانون الغريب الذي أصدره "مجلس إدارة الدولة" بمنع النواب من الحصول على الوثائق الرسمية من الحكومة، بخلاف الدستور وبخلاف كل قوانين دول العالم التي تمتلك برلمانات، وتعطيل للمهمة الأولى لمجلس النواب كرقيب على الحكومة، وبحجج بائسة. أضافة الى الهجوم الذي شنته سلطة السوداني على النواب المتصدين للفساد الحكومي مؤخرا.
أخيرا نذكركم بأن إخفاء وزارة النفط لمعلومات وحسابات واردات النفط مازال ساريا، وبالتالي ما زالت "السرقة قائمة وتتمدد". بغياب الشفافية يتكاثر الفساد، تماما كما تتكاثر الجراثيم في الغرفة التي لا تدخلها الشمس.