|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء   5  / 8 / 2020                                 سعيد غازي الأميري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

قبل نصف قرن... كنّا في العيد

سعيد غازي الأميري
(موقع الناس)

على ظهر الصورة، بقلم الحبر الازرق كتبت يومها التوثيق التالي: ــ ذكرى سعيد "واصدقائوه" عزيز وهاشم وسلام واخ عزيز الصغير حسن في يوم العيد. التاريخ 1/11/1970... وفي وسط ظهر الصورة ختم بثلاث سطور [ستوديو الافراح؛ مستعدون لتصوير الحفلات، حسين عبيد الداود]

ليست صورة ذكرى فحسب... فهي خمسة عقود عراقية الهوى، فيها تناقلنا مراتب العمر كلٌ بما أرشده ذهنه والظروف الصائغة لذلك الرشد.

أقرأ في الصورة اليوم نصاً عراقيا للتراجيديا اللاحقة والتي ازاحت عنا نحن الخمسة الكثير من تلك الابتسامة المبهجة بيوم العيد، بعد ان حطت على الراس سنين عجاف لا تريد ان تغادر العراق المعاند مع نفسه كي يبقى وطناً معافى، صاغ سليم.

كم كانت فرِحة مسكة حسن وهو يفرد حيزا بالصورة لساعته البلاستيكية، قبضة عزيز على كتف أخيه ويده الاخرى المتكئة بدلال على كتف هاشم سعدون، دشداشة هاشم سعدون" البازة" وهي تؤرشف بعفوية لروح الموروث العراقي الشعبي، حركتي المسرحية المرحة، ومن ثم عوينات سلام الضاجّة بالابتسامة.

هي صورة التنوع الاثني والمذهبي وكيفية انصهاره في بودقة العراق العتيقة جداً...

سلام جاسم الجميلي... أبن إمام جامع السنة بالمدينة... سكنوا قبلنا في العزيزية المتسامحة، الجاذبة بدلال لمن يحط الرحال فيها شاربا من منعطف ماء دجلتها. تربطني به ومنذ التقينا علاقة مودة واحترام لم تفك أصولها حلكة السياسة، ولا فطرة الدين.

هاشم سعدون شيعي المذهب والمعتقد والذي مَهدَ له دخول حيز السياسة المكتوبة على الورق... ذلك الوجه المزدحم بالجمال والهدوء والذكاء، تخرج مهندسا... أعدمه النظام الدكتاتوري بسبب انتمائه الفكري لحزب الدعوة... رفاقه الذين واصلوا المسير "لاحت لبعضهم "ملاقفة " كعكة الحكم عقب الاحتلال الأمريكي، لحظتِها، ركنوا كل ما تَيَقنَ منه هاشم سعدون مكتوبا الى أرشيف مخزون في بناية رطبة.

روح صديقي العطرة ذكرتني بقصيدة للشاعر السوري محمد الماغوط ، شاعر الحزن والسخرية وهو يناجي زميله الشاعر بدر شاكر السياب؛ ومنها...

تشبث بموتك أيها المغفل
فكتبك باتت تباع على الأرصفة
وعكازك أصبح بيد الوطن
يا من رسمت على علب التبغ الفارغة ظلالا واشجارا وقلت هذا وطني...
أي وطن هذا الذي يجرفه الكنّاسون مع القمامة اول الصباح.

اكتب لهاشم سعدون المغيب من ريعان شبابه ظلماً... ولا أدري كما يقول الماغوط في تلك القصيدة... في اية لحظة موشحا بكفني الأبيض كما النساء المغربيات، فالمهجر بكل مغرياته يطعن في لحظات العوز الوطني؛ مثل وخزة المسموم بأمعائه...

السياسة فن المعتقد، عيب ان أقيّم علاقتي بصديق طفولتي لسبب الدين او المعتقد، الكل يعرف كنت يساري الهوى، ولا زلت القريب البعيد من ذلك الفانوس السحري؛ مندفعا بعشق الناس الفقراء، العدل والمساواة المتجسدة بالاشتراكية... وقبل ان تمتلئ ذاكرتي بخطوب السياسة، دفعت كغيري ضريبة معتبرة من عمري مطارد هنا، ومتخفي هناك، وها أنا الملم تجربتي جامعاً أوراقها بكيس من الخيش. فالعراق نموذج لدول الشرق الملتبس العقائد، لا يحترم السياسة والعاملين فيها.

عزيز الشيخ مجيد محمد الحلي... لوالده من المحبة والاعتزاز مقام الاب.

فهو المعلم المعمم الأول مناصفة والذي وقعت عليه عيناي وانا طفلا في مدرسة الثورة الابتدائية في ناحية الزبيدية والمعلم المعمم الثاني كان الشيخ ناصر العقابي والد الشاعر والسياسي المنفعل "هذه الأيام" هاشم العقابي.

عزيز الشيخ كان صديقي في الزبيدية؛ أي قبل النصف قرن عمر الصورة، لكن انتقلت عائلتهم الى العزيزية بوقت مبكر بالنسبة لعائلتي، انتقلنا الى بغداد ونقلتنا الأقدار ثانية لنستقر في العزيزية! التقيته مجددا وبقينا بذات براءة الصورة نتبادل الابتسامات سلاماً ومعرفة. عزيز الشيخ رسام أكاديمي الشهادة، مثقف ذو حس مرهف، قارئ نهم وهذه ليست غرابة فهو ابن عائلة رفيعة العلم والمعرفة... لن ترهقه السياسة كثيراً بالرغم من بياض شعره المبكر "من الحب ربما".

لأخيه الأسمر الوسيم حسن وأتمنى حاله كذلك الى اليوم... كل التحية والبهجة.


المحب
سعيد غازي الاميري

4/08/2020
كريستيان ستاد / السويد

 



 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter