|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  15 / 3 / 2013                                 سعيد غازي الأميري                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

 بنجة في أندونيسيا

سعيد غازي الأميري
(موقع الناس)

البنجة كلمة محوّره شعبيا كما يبدو(أو لربما فقط نحن المندائيون؟) من كلمة بنج الفارسية والتي تعني رقم خمسة وهي شائعة التدوال بالعراق كما أيران وربما دول أخرى، ،فهو جمع بالهجة الدارجه بعيداً عن متاعب النَحو، لما يوازيه عندنا من أيام مقدسة خارج حساب الزمن لأبهى حدث نحيِيه نحنُ المندائيون دونَ غيرنا من سائر البشر وهو النشوء والخلق .

البنجة أسم أرتبطَ بذاكرة المندائيين عبر تأريخهم الطويل، أمتزج به نبلُ الاحساس مع فيض الروح ،حينَ فاض النور ، فأنزوت تراتيب الظلمة ،فكُرست الشعائر الدينية الأكثر مهابة عند العامة ورجال الدين على حد سواء.ِ

ومع الاستعدادات المبكرة بفرح ومسرة بنشاطٍ أجتماعي ملموس للمجتع المندائي ، وعن دراية تامة لما لهذه الأيام من طقسية، فأضحت عيداً حقيقياً هزَّ الوجدان عبرِ الحقب والازمان ، هذا ما عشناهُ وتوارثناهُ من أهلنا ،وبرعاية العارف الحي ستدوم البنجة عيداً وألتزاماً دينياً رفيعُ المقام لأجيال أجيالنا.

هذا الشعور دفعني أن أكتب عن أول بنجة مرت عليّ وعائلتي خارج حدود أرض الرافدين ( غريبة بكل شيء )، حين دفعتني الأقدار بأن أهجر موطني كما الكثيرين من أبناء جلدتي ووطني .

عذرا للقراء الكرام ، ستقرأون بها ما يصلح ان يكون فلماً تراجيدياً ، وأنا لا أنوي أن أكدر أحد لكن لا حيلة لديّ فهي الحقيقة كما عشتها ، ما جرى لنا نحن مهاجري القوارب حين زُوِقَ لنا السفر باليخوت عبر المحيط الهندي الى أستراليا.

أحسُ بانها خواطر أو مذكرات تستحق التَدوين، بتجرد وصدق عن أول مجموعة مندائية كبيرة العدد نسبياً بالتاريخ الحديث زاد عددها على المائة وخمسين فرداً بعد ان وقعوا بالأسر فتوزعواً بمراكز أعتقال وحجز مختلفة ببلد واحد (أندونيسيا) وبزمن متقارب لا يتجاوز الشهر ، حينَ كانا نروم الخلاص من جحيم الطاغية المقبور، ما كتبته بهذه السطور فقط لتراص الفكرة عند القارىء الكريم.

أنوفكم جميلة
التاريخ : صباح اليوم المصادف 16\03\2000

في عرضِ البحر(المحيط الهندي) وقبالة سواحل أندونيسيا من جهةِ ماليزيا وقفَ زورقنا منتظراً (الزورق بحجم شختور شط العرب في البصرة تقريبا).

معَ خط الضياء ألاول حين لاحتْ لنا أشجار غابات أندونيسيا ، وحين بدا لون الظلمة ينجلي عن ماء البحر رويداً رويدا تقافزنا رعبناً حين رأينا ولأول مرة أسماك القرش تلهو حول زورقنا، فقلنا بئس الطالع ، أبدلونا بزورق أخر بعد ان حلَّ الصباح وانكشفَ المباح. وما أنْ سرنا بضع دقائق بإتجاه الساحل ، تقدم نحونا زورقاً للبوليس الأندونيسي، وبعد برهة قَدَم زورقان أخران، فتمت الزفه البحرية (زفة رسمية)..

أطلقت زوارق البوليس والتي نحن بمعيتها صفاراتها فرُدَ عليها بإشارة مقابلة من مخفر الساحل (لمدينة تانجم بالاي الصغيرة والواقعة شمال غرب سومطره)

الميناء ، سكراب من الخشب والدعائم المتناثرة بمياه البحر الضحلة منظرها يقبض النفس ، قوارب الصيد هي الاخرى متناثرة، متنافرة ، أقتربنا أكثر، أصابني ألهول ،اللون البُني بكل تخريجاته الداكنة منثور أمامنا بشكل يبعث على القرف ، انها مدينة من خشب!!، بيوت صغيرة متلاصقه بدون أنتظام مرتكزه على دعائم واهنة في ماء البحر ، كل شيء بالبحر!! مرازيب المياه ، نفاياتهم ، دورة المياه الى البحر مباشرة ، حتى شبابيكهم مطلة على البحر، ازقة وممرات بدون أسيجة ، مشهد كئيب عريضُ الطلة على عرض مرأى البصر.

ما السر أن يتركون اليابسة ويبنوّن البحر! ؟.
رسى زورقنا عند رصيف خشبي وأمرونا بالنزول تباعاً وبهدوء وأحترام مع أبتسامة مشوبة بالسخرية ، مجموعة من الشرطة مسلحين كانت تنتظرنا ، لكن سرعان ما دبت علينا جموع البشر فآختلطت مع الشرطه وكأنهم على معرفة بنوع صفارات الشرطة، عشرات ، مئات البشر، نساء ورجال ، أطفال وكهول ، تجمعوا حولنا اختلطوا بنا ، (فرجة ببلاش).

منظرنا المهين بائن ، ما فعله بنا محرك الكاز للزورق المستهلك الذي أقلنا وهو ينفث علينا سمومه ودخانه لأكثر من اربعة عشر ساعة (رحلتنا عبر البحر) يكفي دلالة لثبوت الجرم بورطة دخولنا حرمة دولة بدون تصريح رسمي . الوجوم والخوف والرعب من المجهول كان سيد الموقف ، خوف الأطفال وأرتعاد فرائصهم شلَ قدرتنا على التفكير. شريط الموت ووعيد أبن الطاغية المقبور ونَعتهِ المهاجرين العراقيين "بالكلاب السائبة" كان هو المهيمن على عقولنا جميعاً . بعد أن عرفنا بان الشرطة الماليزية تعيد المهاجرين من حيث أتوا.

ساعة أو أكثر من العرض المجاني لمسرح مفتوح على الهواء بدأنا نلتقط انفاسنا ونفيق من هول الصدمة مع تطمينات بعض رجال الشرطة ، من بين هذا كله برز نحونا بل شدنا كثيراً وهو التحديق وبغرابة وأبتسامة مع قهقهات النساء والصبيان وتعليقاتهم الساخره والمرحة في أغلبها ، لا نفهم لغتهم لكن نحس بانها لا تخلو من الغزل، فيهم كُثر يتكلمون العربية الفصحى (كتاتيب المساجد) ولكن ركيكة ، المهم عرفوا نحن من العراق و ......

جاءوا لنا بباصات صغيرة الحجم، كنا سبع وثلاثين فردا، حشرنا بتلك الباصات ، انطلق موكبنا ، أنطلقت الزفة البرية، (زفة شعبية) عشرات الاطفال يركضون مع السيارات بطريق غير معبد أبواب الباصات مفتوحة، صبية وشبان متعلقون بها ، فوق كل باص (عل السيباية) كراديس تصفق وتهلل . من وسط هذا المشهد العجيب أنبرى لنا مزهوا شاب عشريني تبرع أن يكون مترجما لفضول من حولنا، صمت برهة وهو يدقق بوجوهنا فصاح وبإعجاب شديد [ أنوفكم جميلةٍ].

بمركز الحجز (الكرنتينة) والتي تقع بزاوية من بناية واسعة ، أستهلتنا فرجة جديدة، أسميناها للسخرية (أسبوع العرس) ، بهذه الاجواء مرت علينا أيام البنجة ، مرت ونحن لم نفلح بمعرفة الشمال من الجنوب، فكان دعائنا بالخلاص بكل الاتجاهات حيثُ السماء.

تملكنا العجب الناس لا يخافون الشرطة مثلنا، يدخلون علينا ويخرجون قسم يسأل وقسم يطيبُ خاطرنا ونسوة كثيرات حملّنَ الحلوى للأطفال وبعض الطعام، والملفت هو قدوم كثير من النساء الحوامل؛ عندما تقترب أحداهن منا وبحركة هادئه مدعمة بدعاء على ما يبدو، وهي تلمس أنف من تختار ، تسبقها بابتسامة ، وبحركة جميلة تدور بذات اليد على بطنها.

أغلبهن ذَهبنَ نحو أصحاب الانوف الكبيرة، فهو اذن المعيار الاول للوسامة والجمال بدون منازع.

فهمَ الغرض ،أنه المراد المرتجى!!.
حتى بهذه كان الحظ بعيداً عني [كون أنفي من القطع الصغير]

ختاماً أقول :
بنجة العافية عليكم.

السويد\ كريستيان ستاد
17\03\2012


 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter