د. صدام فهد الأسدي

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

السبت 8/3/ 2008



قراءة في توهجات الانساق
في قصيدة الدكتور قصي الشيخ عسكر
(ترنيمة من زمن التكوين)
(2)

الشاعر والناقد د. صدام فهد الاسدي

لكل شاعر ولادة خاصة للقصيدة واول المخاض يبدأ بالايقاع الذي يقود الشاعر الى نضج القصيدة وظهورها الى عالم النور وحسب وجهة نظري المتواضعة ارى الشاعر الكبير محمود درويش رائدا لضبط الايقاع فهو القائل (يختارني الايقاع يشرق بي---اكتب اول سطر ثم تتدفق القصيدة والايقاع يقودني للكتابة) واجد الشاعر الدكتور قصي عسكر صاحب تقنية غريبة في صنع ايقاعه بين عناصر صوتية ومعجمية وتركيبية ومعنوية ضمانا لانسجام خطابه الشعري وهذه الثيمات لاتاتي من شاعر غير مدرك ومختص بالشعر اصلا وكلنا نعرف ان التوازي سمة ايقاعية رحبة يفرضها الوزن ضمن قدحات بنية التوازي والنغم والتكرار وكما قرأنا عند الدكتور محمد مفتاح(التوازي عنصر تاسيسي وتنظيمي في ان واحد)في تشكلات الايقاع وانا اكتب الشعر خمسين عاما ولا اعد الشاعر شاعرا دون ايقاع ولا ادرس شعر قصي كاملا بل لي وقفة مع قصيدته الرائعة ترنيمة من زمن التكوين معتذرا من سقطاتي وقلة اصابتي من المتلقي والشاعر ,,,فالنقد عملية كشف وتفسير وتحليل وتذوق ولعلي اجانب الصواب في طرف خفي  .

اولا---التوازنات الصوتية/// يحصل في تكرار الحرف في السطر الشعري مع علمي بان الكلمات في النص الشعري لاتقدم دلالتها في ذاتها بل ترتبط بسياق يتكيء على هرمية معجمية ورمزية نظير قوله:
الان كما ابصرت /ياتي النهر بالاف الغرقى منذ عهود/يدفنهم في بحر الاوهام بصمت) هذه لوحة النهر هل نحسب الراء ابصرت- والنهر- والغرقى- والبحر وهل نحسب الباء ابصرت بالاف -بحر -بصمت ) ونحن ندرك ان الشاعر مهندس اصوات ينظم قلقه تنظيما شعريا متدفقا فالهندسة لاتقوم الا على حروف متناغمة تتوزع على مفاتح النص وقوله((مادمنا نقرأ /نسمع اخبار المذياع/نتحدث في الهاتف/نجلس في المقهى/ نتكلم/ نصغي/نحن اذن اموات) هنا تقف النون بنغماتها كاشفة الصدى وفي مقطع جرم (كم قمرا تقترف الظلمة في الليل /اذ ندرك هذا اللغز/نعرف كم قلبا يلجمه الحب) فاللام تحتل حصة كبرى في تنغيمها وفي قوله(ينثر الضوء في العيون ويمضي -----عله لحظة يمر ببال-هنا الضاد والظاء تفلق راس الصوت وتشير بطرف مكشوف عن المستوى الصوتي المؤثر وقد يسأل المتلقي عن الاجواء النفسية واكاد اجزم ولعل الشاعر يتفق معي انها اجواء الحزن ودليلنا توكيد الشاعر على الافعال الماضية الدالة على الركود والصمت( مازلت ا-ابصرت-لمحت-لايتلفت- تلكأت-فارتحل –ولعل حرفي الياء والنون متكررتين دائما تمثلان حال الحزن والغربة مع تشخصات قلقه للقوافي الداخلية التي يصر الشاعر على تكرارها مثل(مواسم الهلاك-تخنقها المياه-حب الفناء-وحل الفجر-بصدري السكون(زد التجانسات الصوتية بين شراب - سراب -الضياء- وراء- خربا لزجا- وحيدا قتيلا- النجمة/البركة/قاسية/لاهية/)ولعلنا نكشف عن وحدات يجمعها السياق في توازن صرفي وعروضي (يخرج كون من منفى/ يدلف اخر في منفى)عن سر يدعى عينيك/ عن نهر يدعى قلبي)(الان ما ابصرت/بحر الاوهام بصمت)في عروقنا/ في عيوننا)الاقمار –الابصار)وكم حصل تجانس عفوي لايصنعه الشاعر المحترف (من بقايا البارحة-في قلوب جامحة)تكمن كالسكين-بعد سنين)مدائن مرت- واخرى تعرت)
وفي القصيدة رؤى صوتية متنوعة اتركها للقاريء

ثانيا/ التوازنات الصرفيةتتكرر عند الشاعر صيغ اشتقاقية تزيد البنى اللفظية قوة بخصائصها المتشابهة مثل قوله Lكفكرة تهرب من حلم بغيض-كصورة ناءت بلونها المريض)اذن يتوازى البناء الصرفي في لفظتي (بغيض/مريض) وقوله(خطرة ما من بقايا البارحة-في قلوب جامحة) ويظهر الوازي الصرفي واضحا في لفظتي(البارحة-جامحه) وفي مديات الافعال يظهر التوازي ايضا في قوله(كالسكاكين تسلخ القمر-تذبح النخيل)(تسيل الي جميع الطرق---بان احترق)ويظهر في الفعلين يسلخ يذبحبكلمتين تشطر الحياة/عاش ومات والاخيرتان ماجاء فيها التوازي الصرفي  .

ثالثا// التوازن النحوي تتكرر التراكيب بدلالة نحوية تخدم البعد الايقاعي(تلمنا مع البذور في الربيع/تنثرنا بصفرة الاوراق في الخريف)تقوم البنية التركيبية في الجملة الفعلية تلمنا تنثرنا باحداث التوازي في القولفالفعل تلمنا ياخذ النون والالف مفعولا به وفي الفعل تنثرنا مثله ومرة يتحقق التوازي بتغيير المستقبلية الفعلية كقوله(كلاهما ابصر فيه صورتي/ان ابصر وجهي في المرآة) فالفعل الاول مضارع حاضر والثاني ابصر مضاره الاستقبال المؤكد وكم نجد الموت يسلب الشاعر حركته (الموت ربيع مجهول) ثم تداعيات التلاشي(وتلاشي بقطرة من سراب)(مهللا ومتعبا يعود وحده الخريف)فارتحل العالم مدحورا في ذاكرتي) كل هذه النتائج التي رسمها الشاعر دالات على غربته ووحدته وانتكاسته بل واحباطه الذي رسم صورا خائبة للاشياء مثل(على وجع الفراغ تحط روحي-يفترش السراب قلبي-لضاق الفضاء بجنحي الصغير-راحة عالمنا الابدية في أي مكان تقبع)
ان هذه المتوازيات الخفية تنقلنا لعالم قصي المليء بالاشواك اولها بعده عن وطنه وثانيهما سبات شاعريته وان كتبنا عنها فهو شاعر كبير اضاع الزمن حقه وقد وعدته في هذا العام الدراسي بان يكتب عنه واحد من طلبتي في الماجستير دراسة في البنى الجمالية في ادب الدكتور قصي الشيخ عسكر
ترى هل ارد له جزءا من الوفاء لصداقتنا ومحبتنا وشاعريتنا وضياعنا المشترك فهو خارج العراق غريبا وانا داخل العراق اغرب منه
ان حدود البحث في الإيقاع كبيرة وقد مسكت الفرشاة وشخطت مرة واحدة على فضاءات نص شعري رائع وترنيمة عذبة تخرج من قلب قصي البعيد مكانا عنا والساكن في قلوبنا واقول في مسك الختام:
                  فلن نبالي وقد شاخت بنا محن          وانت تسكن تلك البيد مبتعدا
                  على الهوامش قد عشنا بلا امل         حتى ياسنا نسمي ارضنا بلدا


¤ الجزء الاول

 


 

Counters