د. صدام فهد الأسدي

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الخميس 6/3/ 2008



قراءة في توهجات الانساق
في قصيدة الدكتور قصي الشيخ عسكر
(ترنيمة من زمن التكوين)
(1)

الشاعر والناقد د. صدام فهد الاسدي

هل ابدأ بقول سقراط (افرحوا انكم توارون في التراب جسدي فقط)
وهل انصف الشاعر منطلقا من رؤيا محمود درويش(انا من الشعراء الذين لايحتاجون الى نقاد ليدمروهم انا كفيل بتدمير نفسي)
من هذين المفتاحين اقترب معتذرا من لحظاته الشعرية المتدفقة كالمطر وخوفي ان يحسبها القراء مغازلة بيني وبينه لما كتبه عني لا والله ليس النقد هكذا انما الناقد من ينزع جلده عاريا ليصرخ أمام الحقيقة في غيمة النسيان وهو كفيل بتدمير نفسه فماذا تريد النقاد من شاعر لبس ثوب الحرمان أربعين عاما مغتربا عن وطنه وأرضه ؟ وماذا تريد من شاعر يأكل أعماق نفسه بالكتمان ولا أقول العزلة فهو مغترب تماما إلا مع وحشته ووحدته منفردا بالشجون تلو الشجون
وهل أقول ان الشعرية عند قصي تلج طريقا مسدودا في المغارة بعيش معقد وبعد مفترض وسماء مكتضة بالألم والخوف كل الخوف من المجهول.أنها قصيدة واحدة أسفر بها متلقيا ولا اسمي نفسي ناقدا فمن أنا إلا تلميذ في درس النقد ويبقى ثوب النقد بعيدا عن تفجرات معرفتي المتواضعة وعلى حد علمي ان العنوان ترنيمة يسير بنا إلى تساؤلات كثر وهذا هو الشاعر المبدع الذي لا يعطيك نفسه بسهولة
الترنيمة نكرة تأتي من زمن غامض زمن التكوين ولكن الانفجار والقدحة والمستهل يعلن (قيل لكل الأشياء نهاية)وهو يقدم فكره عسرا (وأنا مازلت أواري) هنا عملية دفن حالكة مصحوبة بالظلمة والتوهيم والتناقض والتوازي يعود ثانية((أواري زمنا تبدأ فيه الأشياء) لقد رد الاحتمال وضيق مساحة الفكر دون جهد
وتترصف التقابلات الثنائية على مدارات القصيدة بمرجعيات مختلفة منها(أبصرت المرآة فكانت قلبي) البصر والقلب
ثم ( ليس هو البحر /ليست تلك النار الماء يتلا قح مع ما يطفئه النار بثنائية رائعة حقا –ثم أسطورة الموت هي الحياة وهذه جدلية آكل الزمن فراغها
ثم (عن سر يدعى عينيك وعن نهر يدعى قلبي) وهذا تبادل حواس وثنائي لا يرد إلا من شاعر مقتدر في رسم التقابلات مع سعة العمق الدلالي في توهج الأنساق ثيمة بحثي هذا
ثم التركيز على لغة العيون (مفردة الدنيا أنت/فانكشفت عن لغة يفهمها الكون ولا ينطقها) العين تعشق قبل الإذن وقوله( في خاصرة الشارع نبصر أنفسنا صبح مساء بتقبل ثنائي زمني الصبح ونقيضه المساء تنطلق شرارة قصي الشعرية (كنت اسميها مقبرة القرية) هنا موقع دفن الفكر الضائع في سراب الخيبة والهروب من محطات الاسىوحجة الشاعر النقيض للإنسان من يكشف عيوبه المرآة (المرآة على الأعين تخلع بسمتها أو دمعتها)لا يعنيها ان كنا نرغب أم لا--كيف يكون البناء وكيف تتجلى البنى الجمالية عند الشعراء بهذا الر صف المقنع حد التأثير في المتلقي وأنا واحد من المتلقين والشاعر أفارقه منذ عام 1969م ولكن القصيدة ملك الجميع بعد ان أطلقت عنانها من قلب الشاعر وأقول وانا اجري مقاربات تمهيدية لفهم تناسقا ته الرائعة تلك اللوحات المتجزئة هنا وهناك منها
1- سر ما ( في عمق الأشياء نبحث عن مجهول ما يتحقق فينا) هذه نظرة سقراطية كما بدأت
2- حديث النجمة (البركة مرآتي كيف اسرح شعري حين يجف الماء) أقولها معترفا بحق الشاعر ان هذه صورة عباسية لو لم تكن مخلوقة من قصي الفنان واحسده على تلك الصورة بالرغم من قصرها ولكنها شعر شعر شعر وليقرا الناس فنية الكتابة
3- رماد (وفجأة كصخرة راسخة السكون تلعقنا بصمتها الثقيل) جاء التناسق الدلالي بين مفترقين لعق الصخرة وماذا يريد من جهد وبين الصمت المخزون القاتل
4- ذاكرة (أدرك ان المرآة كباقي المخلوقات تفقد يوما ذاكرة الأشياء) وهذا تناسق وتلاقح دلالي لخزين موروث وتعقيد شائك بتصليب الصورة والتناقض حد الغلو في مسح ذاكرة المرايا بعد عجز عين الإنسان من رؤية الأشياء واختراق تناقضها
5- متاهة (العيون الصدئة كالسكاكين تسلخ البحر لمحتها ذات يوم تذبح النخيل) هذا شعر كبير وتناسق اكبر بين مرتفعين(القمر والمنخفض النخلة) وهذا دلالة تقابلية ترسم رسما في الفرشاة وما أروع الشاعر بتغيير الدلالة الجبرية في السلخ بشدة وقوة للقمر والرحمة قليلا لامنا النخلةفالذبح قداسة إلهية للقرابين وقد نزل الشاعر إلى معترك الرحمة بالذبح الجائز والشرعي غير السلخ المصر على تقطيع القمر فمن أين لنا ان نرى الظلام بعد ذلك؟؟؟اذا أجرى الشاعر الدكتور سلخا كاملا من مفارقات الزمن العجيب!!
6- قوقع (تلتم في قشرتها القوقع العجوز) اقتطع من النص القصير هذه وأتوقف عندها باحثا عن الرؤى فالفكرة هربت بعد حلم مريض والصورة بعدت عن لونها المحتقن وبعد ضياع وترسب الحقيقة في قمقم مخفي ماظل الا القوقعة العجوز المنهكة ان تقص للقادمين الحكايا وهي مختنقة في أعماق البحر فمتى يصل لنا الخبر من تلك العجوز- الله يعلم
7- وحمة (الغرفة الصغيرة المنحورة الضياء توحمت قوس قزح) هذه المرآة تلعب لعبتها ولكن بمجاز نسقي مهذب لماذا تتوحم المرآة كي تدخل في عالم الأمل الولادة في غرفة نحرت أضواؤها وتصلب جدارها وهي الأرض غرفته التي أغلقت عليه أبواب الحرية ووعدته بالقيصرية المنتظرة بعد مخاض عسير
8- ذكرى (سكينتي التي شحذتها تلكأت على أوردة الزمان) وان لبست الصورة المجازية ثوب البلاغة والشاعر نهم بالبلاغة جدا لكن النسق التصويري الذي يهمني كيف يتم القتل وكيف يتم شحذ الهمة ليذبح الزمن من الوريد إلى الوريد ولا أظن الشاعر فاعلا فهو يخشى ان يسحق نملة ولكن الغضب والهزيمة والفوران والانزلاق في دائرة الوحشة كلها تداعيات تجبر الشاعر على شحذ السكين الشعرية وليست الحقيقية فكفانا ذبح الناس إلا بالكلمات لشحذ الهمم وانفجار الثورة
ومثلها صورة مجازية أخرى( مخلب العاصفة) وأقول اعرف أسلوب الشاعر حتى لو لم أقرا اسمه لان ذوق قصي تسرب في أعماقي واحببت شعره حد الإفراط في محبته
9- القصيدة (تجلس عارية تتأمل بعض مفاتنها فترى إلا أحدا يمكن ان يقطفها) هذا توازي رائع في نسقية البديل الناطق عن الصامت الناطق الورق فالمرآة هي القصيدة عارية دون أثواب والورقة عارية دون حقيقة فهنا تتمركز قدحته في فضاء رائع
10- فضاءات اكبر من النسق (ليس للنور وطن وطني أنت فقط)
(تعانق الشوك عيني تراه وهما جميلا)(لو طيرا كنت لضاق الفضاء بجنحي الصغير( على سفح قلبي تحط طيور السماء تلوذ وتنقر حب الفناء)بهذه المفاتيح يعجز الشاعر الناقد ان يفرش يده إلا مرحبا محييا الشاعر المبدع
عندها أتوقف عن هذا النبش النقدي في غيومه الماطرة

وارد عليه رامزا لأجوبة يضعها في مدار فكره الخصب من قصيدة اغرف بها بحار أحزاني واضعها في قدح ثلجي
                 تريد ذئبك ان يغتال سيده           فهل تشك بذئب يزدري أسدا
                 فان أخرف ما في الأرض من وطن     فلن يهم بما ذا شعبه جلدا
 

 


 

Counters