| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

الجمعة 5/10/ 2007

 




وا حرّ قلباه......يا وطني
2

د. صادق إطيمش

العلم في سوق العرض والطلب في العراق الجديد.......
قيل سابقآ بأن العلم رأس مال المعدمين في الدنيا, وسعى العالَم في معظم مفاصل تاريخه إلى تمجيد العلم والعلماء والأخذ بأيديهم نحو الرقي والإبداع , ووَضَع الدين ألإسلامي العلماء وعلومهم في منزلة مُمَيزة حينما لم يساو بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون . أمام هذا الزخم والكم في تعظيم العلم والعلماء وما يراه إنسان القرن الحادي والعشرين الذي جعل العلم والعلماء ونتاجاتهم جزءً لا يتجزأ من مسيرته , خاصة بين تلك الشعوب التي يقترن فيها مفهوم الحياة ألإنسانية الحقة بمدى إرتباطها وتقييمها وتوظيفها للعلم وبمدى تعاملها مع ذوي العلم والمعرفة. أمام هذا كله لا يجد المرء ما يُصنِف به دور القائمين على العلم والعلماء في العراق الجريح وموقفهم من نتاجاتهم في مجالات الثقافة والفن والأدب وكل ما يمكن أن يتمخض عنه فكر الإنسان في هذا العصر السريع الحركة والتطور. هل هناك بين من يدّعون القيمومة على العراق الذي أثخنوه جراحآ مَن يعي ماهية العلم والثقافة في تقدم ألأمم ورقيها ؟ وهل هناك بين هؤلاء من يسعى لطلب العلم حقآ أو يساعد الناس على السعي لطلبه عملآ بالنص القرآني ألذي يتبجحون بالإلتزام به , وهذا أضعف ألإيمان ؟ إن كل من يراقب الوضع التعليمي والثقافي في وطننا العراق , في وطننا المُبتلى بالجهل والجهلة في معظم مواقع قياداته , لا يخرج إلا بصورة قاتمة عن الوضع المأساوي للعلم والعلماء وللثقافة والمثقفين والذي يسببه التسلط الطائفي والتمحور المذهبي والتقاتل الحزبي على السلب والنهب والتوجه البدائي العشائري والتعصب الشوفيني القومي , هذه الظواهر التي أصبحت تشكل السمات الرئيسية على الواقع السياسي لعراق ما بعد البعثفاشية الذي تَصوره الإنسان العراقي بأنه سيكون العراق الذي ينعم بالعدل والرفاه والعلم والأمان بعد أن أثقلته أربعة عقود من تاريخه بكل أنواع الظلم والجور والجهل والحرمان .
العلم في عراق اليوم , عراق المحاصصات المقيتة , يبدأ كسيحآ منذ نشأته ألأولى التي يُفترض فيها أن تكون أساسآ صلدآ لما يُبنى عليه في مراحله اللاحقة . فالتعليم الإبتدائي , هذا ألأساس الذي لا غنى عنه لأي شعب يروم الرقي يعيش مآسي السلب والنهب للقليل مما يُخصص له لتوفير المستلزمات الضرورية جدآ للنهوض به حتى على أبسط المستويات . المدارس البائسة بكل شيئ والفقيرة إلى كل شيئ لا يمكنها أن تكون القاعدة الصالحة للنشئ الجديد في بلد يدّعي القائمون عليه سعيهم إلى إنتشاله من براثن الجهل وظلامه . وحينما يكون ألأساس بهذه النوعية الهزيلة فماذا يُرتجى من البناء ككل غير سرعة ألإنهيار...؟ ويبدأ ألإنهيار فعلآ حين وصول المراحل ألأولى من التعليم المتوسط والثانوي . ألسيدات والسادة ألمكلفون برعاية العملية التعليمية في وطننا المُبتلى بهم عكسوا بدائية محاصصاتهم وعنجهية أحزابهم وتخلف أفكارهم على سير التعليم ومسيرة المعلم حيث يخضع ألإثنان إلى كل ما لا علاقة له بالفكر التربوي والمستوى العلمي والإحترام لدور وعمل المعلم الذي قيل عنه كاد أن يكون رسولا . لقد أصبح طلب العلم واكتساب المعرفة في دولة المحاصصات الهزيلة بكل شيئ إلا بأساليب الفساد بكل وجوهه , منوطآ بنوعية طالب العلم ومدى إستعداده للسعي الجدي إنطلاقآ من مبدأ من جدّ وجد , وهذا الصنف من طلبة العلم أصبح اليوم موضع إستهزاء البعض الذي يرى إكتساب العلم بقوة سلاحه وسلاح حزبه الطريق ألأفضل في دولة لا يجيد بعض كبار مسؤوليها سواءً في المجلس النيابي أو في دواوين الوزارات أو في قيادات الجيش العراقي الجديد ووحدات شرطته المليشياتية ألأصول ألأولية للقراءة والكتابة . التهديد بالقتل للمعلم أو المدرس الذي لا يسمح له شرف مهنته العظيمة هذه أن يمرر بعض الغوغاء عبر مراحل دراسية لا يستحقون عشر معشارها لأنهم لا يفقهون شيئآ من العلم ولم يكتسبوا من المعرفة ما يؤهلهم لمثل هذه المراحل الدراسية المتقدمة , إلا أن سلاحهم وسلاح طائفيتهم جعلهم يفرضون ما يريدون أمام بصر وسمع قادتهم في الحكومة الذين لم يقفوا يومآ بوجه هذه الحثالات الدخيلة على العلم والعملية التعليمية برمتها . إن ما يهم قادة ألأحزاب الدينية التي تتقاسم السلطة فيما بينها إنطلاقآ من تفكيرها الطائفي هو مقدار الولاء الذي يقدمه لها الدخلاء على العلم ليحصلوا على الدرجات العلمية والشهادات الثانوية والجامعية , إنطلاقآ من المبدأ الشائع بينهم على أن ألأجر على قدر المشقة , وليس المقصود هنا طبعآ المشقة في طلب العلم, بل المشقة في الولاء للطائفية والعشائرية والشوفينية التي يمارسها قادة عراق ما بعد البعثفاشية وبنجاح باهر والحق يقال . أما البعض الذي لم يملك من مقومات العلم شيئآ ولم يملك من السلاح والإنتماء المليشياتي ما يعينه على الحصول على الشهادات العلمية , إلا أنه يملك المال الموصل إلى ذلك , فإنه لا يتوانى في توظيف هذا المال من أجل نيل الشهادات العلمية المختلفة , ولا عجب من ذلك في بلد وصل مستوى الفساد فيه إلى الدرجة 178 من أل 180 درجة من التسلسل العالمي للفساد وذلك حسب تقرير الإتحاد العالمي لمكافحة الفساد لسنة 2007 والذي يشير إلى التناسب الطردي بين زيادة العدد إلى زيادة الفساد, حيث لم يسبق عراق دولة المحاصصات الدينية في سرقة المال العام , او ما يسمونه هم في خطابهم الديني بيت مال ألأمة الموكلين هم على حراسته , سوى دولتي ميانمار والصومال .أما الطرق التي تسلكها هذه الشريحة للوصول إلى مراكزها العلمية هذه فهي متعددة أيضآ . فمنها من يبذل ألأموال الطائلة لشراء ألأسئلة ألإمتحانية وطبعآ فإن السعر يختلف هنا حسب نوعية البضاعة إن كانت هذه ألأسئلة مع الحلول النموذجية المرتبطة بها أم لا , حيث على أساس هذه الحلول يرتفع رصيد معدل الدرجات , هذا الرصيد الذي يتبلور عنه المعدل العام الذي يلعب دورآ بارزآ في المنافسة على المقاعد الدراسية , خاصة في تلك الكليات التي تضع رسميآ سقفآ من المعدلات لدخولها , أما كيف يجري التعامل مع هذا السقف فلذلك حسابات مصرفية أخرى . أو أن تُقدَم ألأموال للمعلمين والمدرسين المشاركين في المراقبات ألإمتحانية كي يغضوا الطرف عما يجري داخل القاعة ألإمتحانية من إتصالات الهواتف النقالة بين القاعة ألإمتحانية وخارجها , أو ليتجاهلوا نشاط السعاة المتنقلين بين القاعة ألإمتحانية وخارجها ممن يزودون الممتحنين بالماء أو ما أشبه وهم ينقلون حلول ألأسئلة إلى زبائنهم داخل القاعة ألإمتحانية . لقد عمّت هذه الظاهرة بحيث أصبح سوق بيع وشراء المراقبات ألإمتحانية يدر أرباحآ خيالية على الذين يتعاطون مصدر الرزق الجديد هذا. تجري كل هذه الصفقات بشكل علني بين معلمين ومدرسين تنكروا لرسالتهم بعد أن تنكرت لهم دولة المحاصصات الطائفية تاركة إياهم عرضة للإبتزاز والتهديد , وطبعآ مع وجود الإستعداد الذاتي لبعض من هؤلاء الذين تجردوا من قيم الرسالة التعليمية وشرفها .
ماذا يتوقع المرء إذن من مسيرة تعليمية تتبلور طبقآ لهذه المفاهيم وانطلاقآ من هذه الأسس...؟ هل هناك من يعتقد جادآ بتطور بلد لا يمتلك قادة مستقبله أبسط ألأسس العلمية والوعي المعرفي للنهوض به من كبواته المتعددة التي أوقعها فيه فرسان الطائفية والعشائرية والعنصرية بكل ألوانهم وبمختلف أجناسهم وهم يواصلون الطعنات في جسد هذا الوطن ليجعلوا منه الطريق المؤدي بهم إلى الغوص في أعماق أوحال الفساد والسرقات والتسلط والظلم والقهر والمحسوبية والعشائرية التي يحاولون صبغها بمقولات يسمونها تعاليم دينية وتوجهات فقهية لا زالوا يعتقدون بأنها تنطلي على الناس الذين بدأوا يكتشفون حقيقتهم ويعون معدنهم الذي تتزايد طبقات صدأه يومأ بعد يوم , وعندئذ سيكون حلول يوم مآلهم إلى مزبلة التاريخ غير بعيد .

¤ وا حرّ قلباه......يا وطني  1