| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

الأحد 31/12/ 2006

 

 

حول الإسلام السياسي
(
2-3 )
 

د. صادق إطيمش

الطغاة طغاة أي لباس لبسوا وخلف أي شعارات إختفوا, حتى وإن إختلفت أُصولهم الإجتماعية وتباينت منطلقاتهم الفكرية . إنهاء الغير يجري في دماءهم وقمع الآخر وسيلتهم المثلى لتحقيق أهدافهم لأنهم لا يفقهون مقارعة الحجة بالحجة ومقابلة المنطق بالمنطق لأن هذا وذاك علم وهم جهلاء ولأن هذا وذاك مبدأ وهم متسيبون تتحكم في عقولهم وتُسِّير إرادتهم غرائز الذاتية والأنانية التي تقودهم دومآ نحو إنتهاك أي مبدأ وتجاوز أية فضيلة .

أهلنا في العراق عاشوا هذا الطغيان لعقود عديدة حيث سوُّق الطغاة فيها الهزائم المتوالية إنتصارات عظيمة , وقتِل الأبرياء إنقاذآ للوطن والعدوان على الآخرين دفاعآ عن ألأرض . ثم سقط الطاغية الأكبر وانتهى إلى بئس المصير في الثلاثين من شهر كانون الأول لعام 2006, وينتظر نفس المصير الطغاة الصغار الذين دأبوا على مواصلة مسيرة سيدهم الدامية بالقتل والإنهاء والتخريب سالكين نفس الطريق لتحقيق نفس الغايات التي يصبو إليها كل طاغية حتى وإن إختلفت شعاراتهم وتباينت طروحاتهم عن تلك التي نادى بها مَن سبقوهم من الطغاة . إلا أن أطروحة الدين ظلت قاسمهم المشترك وورقة التين التي يريدون ستر عوراتهم بها . لكن عوراتهم أقبح من أن تستطيع حجبها التبجحات بالدين والتمشدق بشعارات الجهاد إذ أن خطورتهم عظيمة وضررهم أعظم , وهذا ما سعى إلى تبيانه المؤلف حين مناقشته لموضوع ألحُكم حينما يجعل الطاغية الد ين وسيلة لتحقيق مآربه السوداء هذه :

" وإذا كان نهج الطاغية وأسلوبه ـ في المجال السياسي ـ شديد الخطر على الأمم , بالغ الضرر على الشعوب , لما يلحقه بها من تشويه مؤكد للشخصيات وتحريف شديد للقيم وتزييف واضح للمعاني وتدمير محتم للمصائر , فإنه أشد خطورة وأبلغ ضررآ عندما يحدث في نطاق الدين . فالطاغية ـ عندما يتمنطق بالدين أو يتمسح بالشريعة ـ يجعل من نفسه وكيلآ عن الذات الإلهية , ومتصرفآ باسم القوى الكونية , ومتحدثآ بلسان الوحي , ومتحكمآ في تفسير النصوص , ووصيآ على عقول الناس , ورقيبآ على جميع الإرادات ومتسلطآ على رقاب العباد . وفي مثل هذه الحال تصبح المصالح الشخصية أهدافآ للدين وتصير الأغراض الخاصة غاية للشريعة , ولا يعود من يعارض العبث بالدين خائنآ فحسب , بل كافرآ زنديقآ , ولا يكون من يكشف التلاعب بالشريعة عميلآ فقط , بل ملحدآ مرتدآ . وقد ظهر ذلك واضحآ جليآ في الإتجاهات المعاصرة التي تقوم على تسييس الدين بالعنف والإرهاب . والتي يتمخض اسلوبها في ان تكون السياسة بالدين , وكراسي الحكم بالشريعة , ومقاعد السلطة من المنابر. "

ثم يتطرق الكاتب إلى التعصب المقيت الذي يسيطر على عقول بعض المتشددين في تسييس الدين أو تديين السياسة ونشوء التيارات الإسلامية التي تفاعلت فيها " مركبات النقص ومشاعر ألإضطهاد " ويخلص إلى القول بان قادة هذه التيارات يتصرفون في نهاية المطاف تصرف الطغاة " فيقدمون فهمهم القلق وأسلوبهم المضطرب من منهج الدعاية لا العلم , وباسلوب الإلحاح لا الإقناع وبطريق التوكيد دونما تدليل او نقاش أو نقد . وهم لا يسمحون لأنفسهم ـ حتى لا يهتزوا , ولا لأتباعهم ـ حتى لا يهربوا , ولا لخصومهم ـ حتى لا ينتصروا , بان يناقشوا هذا الفهم بالعقل والمنطق , أو يقرأوا اي فهم غيره , او يطلعوا على أي فكر سواه , او يتّبعوا أي منهج خلافه , لأن ذلك ـ إن حدث ـ لابد ان يكشف ما في فهمهم من قصور وما في اسلوبهم من عوار , ومن ثم فهم يعادون أي فكر غير فكرهم ( الذي يسمى فكرآ من قبيل التجاوز ) , ويرفضون أي منطق سوى منطقهم ( الذي يُعَد منطقآ من حيث الجدل ) ويابون أي حجة ما لم تكن حجتهم . لذلك فهم لا يردّون بالمنطق العام بل بالشائعات , ولا يجادلون بالحسنى بل يرفعون على الدوام عصا التهديد وسلاح ألإغتيال , ولا يواجهون بالعفو والتسامح بل بالعنف والعدوان . وهم يكذبون ويتهمون غيرهم بالكذب , يُحرفون ويتهمون غيرهم بالتحريف , يُزيفون ويتهمون غيرهم بالتزييف , لسان حالهم العاثر يقول : من ليس معنا فهو علينا , ومن لم يتّبع منطقنا فلا منطق له , ومن لا يؤمن بأهدافنا فهو آثم باغ , ومن يقف في طريقنا فهو كافر مرتد . .....فالتيار الذي يتركب من كل هذه المخالطات والتداخلات والمغالطات , قد يكتسب من ضيق الأفق شدة , وقد يزداد من ضحالة الفهم صلابة , وقد ينال من كثرة المغالطات وهمآ بالصحة , وقد يستفيد من توالي التوكيد خيالآ بالسلامة , وقد يكسب من تكرار التلاعب بالألفاظ بريقآ كاذبآ , وقد يتصور من إستمرار رفع الشعارات تحقيقآ قريبآ للآمال والأحلام ."
هذه التيارات التي تتستر بستار الدين هدفها لا علاقة له بالدين , هدفها سياسي بحت , إنها منظمات سياسية تفتقد إلى البرنامج السياسي والحجة المٌقنعة , فتلجأ إلى لغة الثواب والعقاب والوعد والوعيد مستخدمة بعض النصوص الدينية التي تفسرها حسب هواها وإستنادآ إلى ما تريد تحقيقه بواسطتها غير آبهة بالنتائج التي يأتي بها مثل هذا الإستغلال للدين لتحقيق اهداف سياسية لا غير. يتطرق الكاتب في هذا المجال إلى مناقشة واحدآ من هذه النصوص التي جرى تحريفها وتشويهها واستغلالها من قِبَل هذه التيارات والمتعلق بمفهوم الحُكم ويقول:

" والمقولات الأساسية التي يرفعها بناء تسييس الدين ـ بالتطرف والعنف والإرهاب ـ تنادي فيما يلي : إن الحاكمية لله وحده ولا حكم لغيره , فله وحده حق التشريع والقضاء ومن يقل بغير ذلك او يفعل على خلافه فهو كافر." ثم يذكرالكاتب المسوغات الدينية التي يتمسك بها هؤلاء عن جهل والأساس التاريخي لهذه المقولة التي جاء بها الخوارج والتي وصفها الإمام علي بن أبي طالب (رض) بأنها " قولة حق يراد بها باطل" شارحآ بإسهاب ما معنى ذلك من وجهة النظر الإسلامية الحقة قائلآ: " فجملة , لاحكم إلا لله , او ان , الحاكمية لله , جملة براقة لا يستطيع احد ان يعارضها أو يناقضها , ومن الذي يستطيع ـ خاصة مع وجود خلاف سياسي او تيار متطرف أو إتجاه عنيف ـ أن يناقش مثل هذا القول أو أن يفند ما وراءه من مغالطات ؟ لقد قال علي بن أبي طالب إن هذا القول الحق لا يراد به إلا باطل , وصدق فيما قاله , لأن القول لم يُستعمل ولا يُستعمل إلا كشعار سياسي يُعِْرض عن الحق ويشيح عن المنطق ويجنح إلى التلاعب بالألفاظ ويرمي إلى التماحك بالكلمات, وهذا بعينه هو أسلوب الطغاة منذ فجر التاريخ وحتى أيامنا هذه . إن الحكم لله أبدآ , والحاكمية لله دومآ , ولكن ليس بالفهم الذي يدعيه الخوارج , ولا بالمنطق الذي يزعمونه , ولا بالأسلوب الذي يريدون فرضه , لأن مثل هذا الأسلوب وذلك المنطق وذاك الفهم يسقط التكليف الإلهي ويلغي الإرادة ألإنسانية , ويجعل من عقاب البغاة عبثآ , كما يجعل من حساب الآخرة لغوآ , وفيم يكون العقاب ولِمَ يكون الحساب , إذا كان ألإنسان سليب ألإرادة لا يفعل أو كان عديم الفعل لا يحكم ؟ "
رافعوا هذا الشعار بمناسبة وبدون مناسبة لا يستطيعون ألتستر على إنتهازيتهم وإستغلالهم لكل الظروف سعيآ وراء الحصول على موقع قدم على الواقع السياسي الذي لا يستوعبونه فكريآ ومبدئيآ وتنظيميآ فيلجأون إلى هذه الأساليب بترديد الشعارات التي لا يبتغون من وراءها إلا باطلآ والتاريخ على ذلك خير شهيد فلقد " رُفع شعار , إن الحكم إلا لله , في مجال خصومة سياسية وبنهج الساسة وأسلوب الطغاة . وهو إن يُرفع بعد ذلك , سواء بنفس صيغته القديمة ام بصيغة أخرى تُردد ان , الحاكمية لله , وحده , فهو يُرفع في ذات المجال وبنفس المنهج ونفس ألأسلوب , كجدل سياسي وشعار حزبي وأسلوب للمعارضة وطريق للوصول إلى الحكم ."
ويؤكد الكاتب من خلال بحثه عن تطور هذه المقولة تاريخيآ على عدم وجود أية علاقة فكرية بينها وبين الفكر الإسلامي ويقول: " وإن مقولة , إن الحكم إلا لله , او أن , الحاكمية لله , وحده , بالصورة السياسية التي تُرفع بها , وبالمنطق الأعوج الذي تُقال به , وبالفهم ألأعرج الذي تُشاع على أساسه , مقولة غير إسلامية , لا يعرفها القرآن الكريم ولا السنة النبوية , وهي فكرة نشأت اصلآ في مصر القديمة , ثم إنتشرت في مجتمعات مسيحية في القرون الوسطى ." وبعد أن يشرح الكاتب تبني فراعنة مصر القدماء لهذه الفكرة لإعطاء حكمهم صفة إلهية وبالتالي إستبدادهم بالحكم دون منازع , ثم نفاذ هذه النظرية بالحكم السياسي إلى أوربا لأول مرة عندما حضر يوليوس قيصر (120 ـ 44 ق.م ) إلى مصر وأعتنقها ليضفي هالة من القداسة على حكمه , حيث إنتقلت بعدئذ إلى بقية مناطق أوربا في العصور الوسطى . " لهذا فإنه لا القرآن الكريم ولا السنة النبوية تناولت بالتنظيم أية سلطة سياسية , فلم ترد آية واحدة ولم يرد حديث واحد صحيح , يرتب نظام الحكم في ألأمة الإسلامية أو يحدد حقوق الحكام (خلفاء كانوا أم أئمة أم رؤساء ) كما لم ترد أى آية اوحديث لوضع نظام للكهانة أوتحديد إختصاص لمن يُسمون رجال الدين . لأن ألإسلام ـ على بينة شديدة ـ من أن إستناد أي سلطة سياسية إلى زعم ديني وإرتكان اي عالم على حق ديني , لابد ان يؤدي ـ لزومآ ـ إلى نشوء إستبداد سياسي باسم الدين او ظهور إستعباد روحي بسلطان الشريعة , يخرج بالناس من عبادة الله الواحد ألأحد إلى عبادة الحاكم ـ أيآ من كان ـ والإستعباد لرجل الدين, تحت اي إسم يكون . ومن عجب أن دعاة تيار تسييس الدين ـ بالعنف والإرهاب ـ بفرقهم المختلفة ـ يُقرّون ذلك , ويعتبرونه مأثرة الإسلام الأولى (وهو قول حق) , لكنهم ينحرفون في الفهم وينحدرون بالأسلوب ليطلبوا من أتباعهم واشياعهم ـ ومن كل الناس تباعآ ـ أن يُسَلِّموا أمرهم لهم هم , وان يتبعوهم وحدهم , وان يأتمروا بامرهم دون امر غيرهم , وان يقبلوا تفسير مرشديهم وأمرائهم دون أي تفسير آخر, ( وهو ما يُراد به باطل ), لأنه ينحرف بالقول الحق وينحدر بالفهم المستقيم, ليجعل من الناس ـ بالفعل والواقع ـ عبيدآ لغير ألله , يستعبدهم فِهم خاطئ , وأمر فاسد , وتفسير مغالط , وعبد من عباد ألله يدعي أنه المرشد او الإمام أو ألأمير او ما إلى ذلك ."
تاريخ المسلمين مليئ بمثل هذه النماذج التي جعلت من الدين ُسلَّمآ للوصول إلى أهداف دنيوية , حتى وإن كان ذلك على حساب الحقيقة والمبادئ والأخلاق , إذ أن مثل هده ألأمور لا تعنيهم شيئآ قدر ما تعنيهم السلطة والتحكم في رقاب الآخرين مستغلين صفاء النية وطيبة السريرة والإخلاص للمبادئ الدينية الأصيلة لدى كثير من الناس الذين سيقفون على حقيقة مثل هؤلاء يومآ ما طال الزمن بالعروش ام قصر . " فإن المغتصبين للحكم من جانب والمتطلعين له من جانب آخر, فيما يزعمون أو يدعون من أنهم يعملون في سبيل حكم الله أو لتحقيق حاكمية الله أو بترتيب من العناية ألإلهية أو ما في ذلك المعنى على نحو آخر , إنما يفترون على الله الكذب ويخرجون على الإسلام بإسم الإسلام , فما يحْكُم إلا الناس , وما يعارض الحاكم إلا الناس كذلك , وهؤلاء وأولئك إنما يتمسحون بالشعارات ليوهموا بانهم يحققون او يسعون لتحقيق حكم الله , بينما هم يظلمون ويستبدون ويقتلون تمسكآ بالسلطان أو تطلعآ للسلطان , لا عملآ بحكم الله بل بحكمهم هم ومن يعمل معهم , ولا تنفيذآ لحاكمية ألله بل لحاكميتهم هم ومن يلوذ بهم . "
يحاول مستغلوا الدين لأغراضهم السياسية والحزبية أن يوهموا الناس بتفسيراتهم للنصوص القرآنية على أنها تعاليم ومبادئ الدين الحقيقية ويطالبون ألإلتزام بها ويجعلون من مخالفتها مخالفة للاحكام الدينية وخروجآ على التعاليم ألإلهية يتوعدون من يخالفهم الرأي بالويل والثبور لا يتورعون من الإقدام على الجريمة لإنهاء المعارضين لهم ولتأويلهم للنصوص القرآنية. وهكذا يتصرفون أيضآ بالنسبة لتفسيرهم لمفردة ألحكم الواردة في القرآن الكريم . وفيما يتعلق بهذا ألأمر فقد طرح الكاتب ما المقصود أساسآ بهذا اللفظ , إنطلاقآ من مسار التاريخ الإسلامي وإستنادآ إلى فهم الصحابة والمفسرين الثقاة قائلآ:
" ولفظ الحكم لا يعني في القرآن الكريم السلطة السياسية على المعنى الذي يٌقصد من اللفظ في لغة العصر الحالي . وإستعمال اللفظ في غير المعنى الذي ورد به في القرآن الكريم , وبعيدآ عن مفرداته , وخلافآ لوقائعه البيانية , هو إمالة لمعاني القرآن وتبديل لمقاصد الجلالة . إن لفظ " الحكم " يعني ـ في لغة القرآن ومفرداتها ووقائعها ـ ألقضاء بين ألناس , او الفصل في الخصومات , أو ألرشد والحكمة . فهو يعني القضاء بين الناس: { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } (ألنساء 4 : 58) . وهو يعني الفصل في الخلافات: { إن ألله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون }(الزمر 39 : 3) . وهو يعني ألرشد والحكمة , فقد جاء في القرآن عن يوسف عليه ألسلام : { ولما بلغ أشده آتيناه حكمآ وعلما }(يوسف 12 : 22). وجاء فيه على لسان موسى : { ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكمآ وجعلني من المرسلين }(ألشعراء 26 : 21). وفي القرآن عن بني إسرائيل: { ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكمة والنبوة }(الجاثية 45 : 16) أي وهبهم التوراة والحكمة وكان منهم انبياء . وكذلك جاء في القرآن عن ألأنبياء جميعآ : { أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكمة والنبوة} (الأنعام 6 : 89) وأغلب هؤلاء الأنبياء لم يحكم ـ بالمعنى السياسي ـ وإنما المقصود بالحكم أنهم أوتوا الحكمة . إن السلطة السياسية بالمعنى الذي يسمى في العصر الحالي : الحكومة , عبَّر عنها القرآن الكريم بلفظ ( ألامر) ومن هذا اللفظ جاء لفظ ألأمير , أي الشخص الذي يتولى الحكم والسلطة , ولذلك لقَّب عمر بن ألخطاب نفسه , ولُقِّب الخلفاء من بعده بلقب أمير المؤمنين لا حاكمهم . وفي القرآن الكريم : { وشاورهم في ألأمر }(آل عمران 3 : 159) . { وأمرهم شورى بينهم }(الشورى 42 : 38) . وفيه { حتى إذا فشلتم وتنازعتم في ألأمر }(آل عمران 3 : 152) . { يقولون هل لنا من الأمر من شيئ }(آل عمران 3 : 154). "

ثم يتطرق المؤلِف إلى نصوص أخرى في القرآن الكريم والتي ورد فيها لفظ الحكم حيث يستشهد الطغاة بها لتمرير مآربهم من وراء ذلك ولإعطاء توجهاتهم السياسية صبغة دينية , فيعري أباطيلهم ويفند مزاعمهم بحجج علمية وأدلة منطقية ويقول: " إن تيار تسييس الدين ـ بالعنف والتطرف ـ يستشهد دائمآ في هدا المجال بآيتين من القرآن الكريم { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجآ مما قضيت ويسلموا تسليما }(النساء 4 : 65) . { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله }(النساء 4 : 105) . وهذا الإستشهاد خطأ وخطر, فضلآ عن أنه يكشف عن طوية القادة وطبيعة عقليتهم ونفسيتهم . فهاتان الآيتان من الآيات التي تخاطب النبي (صلعم) وحده , وتختص به دون غيره. فاولاهما تنفي صفة الإيمان عمن لا يُحكّم النبي في اي شجار بينه وبين آخرثم يرتضي حكمه , وهذا أمر واجب بالنسبة للنبي نفسه حتى تستقر الأمور في مجتمع المؤمنين, ولما كان له من حفظ بالوحي , اما ان تنتفي صفة الإيمان عمن لا يلجأ إلى بشر ـ مهما كان وضعه ـ وكيفما كان علمه ـ ليُحكّمه في اموره ويرتضي حكمه طائعآ مختارآ , أي أن يلقي بين يديه ـ بخضوع شديد وتسليم كامل ـ كل اموره وشئونه وضميره ومصيره , فهو نفي للإيمان عمن لا يمكن ولا يجوز نفي الإيمان عنه , وهو تحكّم غريب في شئون الناس ومصائرهم , وربما كان ـ وفي الغالب ما يكون ـ ممن لا يفهم في شئون القضاء والحكم او يُدَرّب عليها , هذا فضلآ عن انه إستلاب لولاية خَصّ بها الله النبي وحده , بصريح نص الآية وبيان سبب نزولها. أما الآية الثانية فهي ـ كذلك ـ من الآيات التي تخاطب النبي (صلعم) وحده , وتختص به دون غيره , وهذا واضح أيضآ من الفاظ الآية ذاتها , فهي خطاب للنبي , فضلآ عن انها تفيد أن حكمه ـ أو قضاءه ـ هو بالرؤية التي وهبها الله له , والتي لا يمكن ان يدعي عاقل أن الرؤية الواردة في ألآية هي رؤيته كذلك, أو ان ألآية تخصه هو شخصيآ وتشير إليه صراحة . "
يحاول قادة وامراء ومرشدوا تيار الإسلام السياسي أن يفلسفوا توجههم العدائي الذي طالما يتخذ طابع العنف الحيواني ضد معارضيهم كأسلوب من أساليب الدفاع عن الدين وتحقيقآ لمبادئ العقيدة حيث يوظفون الدين كما يحلوا لهم أن يفهموه من خلال تأويلهم في تفسير النصوص الدينية . هذا ما سيناقشه المؤلِف , وما سنحاول عرضه بإيجاز في القسم ألثالث والأخير من هذا العرض .


يتبع

¤ الحلقة الأولى