| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

الخميس 28/12/ 2006

 

 

حول الإسلام السياسي
( 1-3 )
 

د. صادق إطيمش

مقدمة تحت هذا العنوان وحول هذا الموضوع كتب كثير من الكتاب والمفكرين العرب وغير العرب كتبآ ومقالات تناولوا فيها العلاقة بين الدين والسياسة خاصة فيما يتعلق بالدين الأسلامي والمحاولات التي جرت وتجري لتسييسه . من الكتب القَّيمة التي تناولت هذا الموضوع والذي لا يزال النقاش يدور حوله رغم مرور عشرات السنين على صدور طبعته الأولى التي صدرت سنة 1926 هو كتاب " الأسلام وأصول الحكم " للشيخ الأزهري علي عبد الرزاق الذي تصدى له شيخ الأزهر آنذاك محمد بخيت المطيعي بكتابه " حقيقة الأسلام واصول الحكم " إذ لم ينته الأمر بهذا الرد بل أخذ أبعادآ أخرى عانى منها الشيخ علي عبد الرزاق ما عانى ولفترة غير قصيرة , حيث لم ترق لفقهاء السلاطين الطروحات العلمية المُستنبطة من ألأصول الحقيقية للدين ألأسلامي الحنيف والتي توصل إليها الشيخ عبد ألرزاق من خلال دراساته وأبحاثه العلمية . يمكن القول أن هدا المؤلَف القيم فتح الباب أمام المؤلفات الأخرى حول هذا ألموضوع حيث سار على هذا النهج العلمي كُتّاب ومفكرون تناولوا هذا الموضوع الشديد الحساسية من جوانبه العلمية المختلفة وغرضهم من ذلك إعطاء صورة واضحة عن مفاهيم الدين تختلف عن تلك الصورة التي حاول ويحاول " وعاظ السلاطين " وفي هذه الأيام بالذات لصقها به . فأغنت المكتبة العربية مؤلفات صادق جلال العظم ونصر حامد أبو زيد وفرج فوده ومحمد شحرور وصادق النيهوم وحسين مروة وغيرهم من رواد المنهج العلمي الذين أرادوا إنقاذ الدين ألأسلامي من شوائب السياسة ونزواتها ودهاليزها وكواليسها التي لا تثبت على قرار والخاضعة للتغير والتحوير بين آونة وأخرى تطول أو تقصر حسب مقتضيات الوضع الآني , وهذا ما لا يمكن أن يتصف به الدين السوي القويم الثابت المبادئ التي لا تعرف أللف والدوران ولا تتعامل مع التحوير والتسويف.

المؤلَف الذي لا ينبغي أن يتجاوزه كل من يرغب ألأستزادة من نفحات هذا الحقل الواسع الرحيب هو موضوع نقاشنا هنا والمتعلق بكتاب " ألأسلام السياسي " للمستشار محمد سعيد العشماوي . وبالرغم من صدور الطبعة ألأولى من هذا الكتاب سنة 1987 إلا أن محتواه القيم وأفكاره الغزيرة النافعة لا تزال تحتفظ بحيويتها حتى الآن , وأرجو أن لا أجانب الواقع إذا قلت أنها تكتسب اليوم بالذات اهمية إستثنائية , خاصة فيما يتعلق بالوضع الحالي بالعراق وما يجري من إستنزاف للدين ألأسلامي الحنيف لتحقيق مآرب سياسية يُزَج فيها الدين زجآ لا يرضاه له كل من يرى هذا الدين بالمنظار السوي القويم . كما تاتي أهمية أطروحات هذا الكتاب القيم في المرحلة ألآنية من تاريخ الوطن حيث تتصارع قوى دينية مختلفة جعلت من الدين الواحد أحزابآ سياسية متناحرة تريد من خلالها تحقيق مكاسب سياسية لا غير, حتى وإن إدعت وبالغت بادعاءاتها الكاذبة بعملها في سبيل الدين وحده , إذ أن كافة تصرفاتها وسلوكياتها اليومية تدل على كذبها هذا .
بالنظر لكثرة المعلومات المهمة التي يتضمنها هذا المؤلَف إرتايت مناقشة موضوعين منه في حلقات يستطيع المُتتبع من خلالها الإلمام بإطروحة ألأسلام السياسي ومدى أبعادها وكيفية التعامل معها . أرجو أن أستطيع تحقيق ذلك .
أما موضوعَي المناقشة هنا فهما المقدمة التي يطرح فيها الكاتب عرضآ لفكرة الإسلام السياسي , ويتعلق الموضوع الثاني ببعض الطروحات التي يتبناها هذا التيارومحاولات الكاتب التصدي لها ومناقشتها من خلال منظور علمي لمبادئ الدين. وكما ذكرت أعلاه فإن العرض سيكون مقتضبآ لا يُغني عن قراءة هذا المؤلَف القيم الذي تتناول فصوله الأخرى مواضيع ذات صلة وثيقة بعملية إستغلال الدين للأغراض السياسية , خاصة على ساحة وطننا الذي يحاول تجار الدين إتخاذه مركزآ لنشاطاتهم المريبة .

القسم الأول

طبعة الكتاب موضوعة البحث هي الطبعة الرابعة من كتاب " ألإسلام السياسي " لمؤلفه المستشار محمد سعيد العشماوي والصادرة عن مكتبة مدبولي الصغيربالقاهرة سنة 1996 . صفحات هذا الكتاب 305 صفحة , تحتضن المقدمة الأولى المؤرخة في 15 أكتوبر 1986 ومقدمة الطبعة الثالثة المؤرخة في 15 فبراير 1992 ومقدمة الطبعة الرابعة موضوعة البحث هذا والمؤرخة في 15 يناير1996 , إضافة إلى 11 فصلآ .
في مقدمة الطبعة ألأولى يتطرق الكاتب صاحب الباع الطويل في علوم الدين التي عرض فيها أفكاره من خلال مؤلفاته باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية , إلى ما دفعه لجمع الدراسات والمقالات التي كتبها وألقاها في مناسبات ودول مختلفة في هذا المجال في كتاب سماه " الإسلام ألسياسي " فيقول: ( النصوص الماخوذة من الكتاب موضوعة بين " " )
" أراد ألله للإسلام ان يكون دينآ , وأراد به ألناس أن يكون سياسة , والدين عام إنساني شامل , أما ألسياسة فهي قاصرة محدودة قَبَلية محلية ومؤقتة . وقصر ألدين على ألسياسة قصر له على نطاق ضيق وإقليم خاص وجماعة معينة ووقت بذاته. ......وممارسة السياسة بإسم الدين أو مباشرة الدين بإسلوب ألسياسة يحوله إلى حروب لا تنتهي وتحزبات لا تتوقف وصراعات لا تخمد واتون لا يهمد. "

بهذه العبارات الواضحة يحذر الكاتب أولئك الذين يعملون على " تسييس ألدين أو تديين ألسياسة " من مغبة هذا التوجه الذي " يُضفي على ألإنحراف هالة من ألإيمان , ويجعل سفك الدماء ظلمآ وعدوانآ , عملآ من أعمال ألجهاد " . ويستشهد الكاتب ببعض مفاصل التاريخ ألإسلامي وما شهدته من جراء الخلط بين الديني والسياسي وتأثير ذلك على جملة المسيرة ألإجتماعية فيذكر في سياق هذه المقدمة:
" وفي حمى ألصراع السياسي الذي غلب على التاريخ ألإسلامي , والذي إتشح بالدين وتسربل بالشريعة , ذابت قيم ألإسلام السامية , وامّحت مُثُل ألقرآن العليا , وعاد المسلمون القهقرى إلى اخلاقيات الجاهلية وسلوكيات ما قبل ألإسلام , من إعتزاز بالعصبية , وتفاخر بالجاه والنسب , وتَقاتُل على عروض الدنيا , وتصارع من أجل تأويلات لفظية أو خلافات شخصية أو اشياء تافهة , وإشباع للشهوات وإغراق في الملذات, وحلِِّ للحرمات ـ حتى حرمات الموتى , وتمثيل بالجثث وعقاب للرفات ـ للتشفي وإذهاب ألغيض الدفين ." أما التاثيرات ألمباشرة لخلط الدين بالسياسة على ألوئام ألإجتماعي والعلاقات بين أفراد المجتمع الواحد فيلخصها ألكاتب بقوله: " أما على المستوى الشعبي , فإن الخلط بين الدين والسياسة , تسييس الدين وتديين السياسة , فرَّق المسلمين شيَعآ وفُرقآ , كل منها يعتصم بآيات من القرآن ويتحدى بأحاديث للنبي (صلعم) ويحتمي بآراء قادته ويتحامى بفتاوى فقهائه , فقامت خصومات شديدة بين هذه الشيع والفُرق , ظاهرها الد ين وباطنها السياسة , دعواها الشريعة وحقيقتها السلطان . وصار ألإتهام بالكفر والإلحاد والإفساد في الأرض إتهامآ شائعآ من كل فرقة للأخرى ومن كل شيعة للشيعة المخالفة . وفي ذلك أُبيح دم الجميع , وأُهدرت حرمات كثيرة ." ويضيف إلى ذلك قائلآ: " هذا هو الأثر الحتمي والنتيجة الطبيعية لأختزال الإسلام في ألسياسة , وإعتبار أن السياسة هي الركيزة الأولى للدين والصيغة الوحيدة لإقامته وسيادته وإستقراره وفعاليته "

من الطبيعي أن تتبلور عن مثل هذه الأفكار أطروحات وشعارات هدفها الأول والأساسي جذب ألإنسان المتعلق بدينه للعمل على تطبيقها وإخراجها إلى الميدان العملي ضنآ منه , وخاصة الإنسان البسيط وغير المتعلم , أنها الدين بذاته , وعلى الأخص إذا صدرت مثل هده الشعارات عن معممين طوال اللِحى , تتوسط جباههم بقع سوداء ليحققوا بها مضمون الآية الكريمة : سيماهم في وجوههم من أثر السجود , دون أن يخطر على بال هذا الإنسان البسيط أن يكون هناك من يستغل إسم الدين لمثل هذه الأغراض السياسية البحتة. لقد سجل الكاتب مثل هده الظواهر التي لا تعير إهتمامآ للقيم الرفيعة والأخلاق السامية وردّها إلى أصولها أللاعلمية وأللاعقلية وقال: " ولقد قامت شعارات السياسة الدينية على عدة صيغ : أن الحاكمية لله وحده ولا حاكمية لبشر, وإنه لابد من حكومة دينية لإقامة النظام ألإسلامي , وأن الجهاد فريضة غائبة يتعين إعادتها لمواجهة اعداء التيار من حكام او مفكرين , ولضم دار الحرب إلى دار السلام ( أو دار ألإسلام ) وإنه لابد من تطبيق الشريعة ألإسلامية وإلا تعين حرب المجتمع , وإنه لابد من فرض جزية على غير المسلمين وإلا كان المجتمع جاهليآ كافرآ بالله , وإنه لا يوجد إلا الحل ألإسلامي لمواجهة كل مشاكل المجتمع الوطني والدولي , وإن ألإسلام دين ودولة , وإنه لا ينبغي أن تكون للمسلم أية جنسية إلا ألإسلام , ويتعين ألا يكون له ولاء لوطنه بل لجماعة المسلمين. ونظرآ لأن هذه الشعارات العامة والصيغ الهلامية لا تُناقش بالعقل ولا تُقدم من خلال دراسات علمية جادة , بلا تحريف ولا تزييف , بل تتوالى وتلح بإسلوب الدعاية الذي يعتمد على التاثير من خلال التكرار وحده , وتمتد وتنتشر بنهج ألإعلان الذي يهدف إلى ألنجاح ـ ولو بأي ثمن ـ على أسس إقتصادية محضة , وبغير إعتبار للقيم الرفيعة والأخلاق السامية , لكل ذلك كان من المتعين أن يصدر هذا الكتاب ليناقش هذه الصيغ وتلك الشعارات بإسلوب علمي سديد , وليقدم الفارق الصحيح بين ألأصولية ألإسلامية السياسية ألحركية , والأصولية ألإسلامية العقلية الروحية."
ثم يعرج الكاتب في مقدمته الوافية هذه إلى تفنيد الإدعاءات الباطلة التي يكررها المُصِّرون على إستغلال الدين لأغراضهم السياسية ورمي المعارضين لهم بشتى التهم الزائفة موضحآ أن: " المقصود من التمييز بين السياسة والدين أن تُقَوَّم الأعمال السياسية بإعتبارها أعمال بشر ليسوا مقدسين ولا معصومين , وإن الحكام مختارون من الشعب وليسوا مُعينين من ألله . ووصفْ هذا التمييز الهام بين الدين والسياسة بأنه إتجاه علماني (أي ملحد) ـ إن حدث ـ لا يكون إلا عملآ من أعمال الحزبية والتعصب الذي يعمل على خلط الأوراق وتمييع الحدود وتزييف الضوابط وتحريف المعاني . ذلك أن هذا التمييز وحده هو الذي يخدم الإسلام ويعلي من شأن الدين ويقضي على أي إحتمال لإستغلالهما في أغراض سياسية واهداف حزبية , ويتلافى كل ألأخطاء التي حدثت على مدى التاريخ الإسلامي والتي إستطالت وأسرفت ."

إن الملاحظة الجديرة بالإهتمام والتي يسوقها الكاتب هنا كاحد الأسباب التي يلجأ إليها بعض رجال السياسة للتستر وراء الدين وإستغلاله لتحقيق أهدافهم السياسية هو عجزهم عن تقديم الحلول العلمية للمشاكل التي تعاني منها مجتمعاتهم وبذلك: " ينتهز تيار السياسة الدينية الأزمة ألإقتصادية وما يشعر به كلٌ من إحباط دائم , فلا يسعى لتقديم الحلول العلمية , وإنما يستغل الوضع لأغراضه واهدافه فيشيع أن تطبيق شرع الله ( الذي لا يقوم به أحد سوى قادته ) يؤدي إلى إنفراج كل أزمة وتحقيق أي أمل ورضاء كل فرد , هكذا دون إتباع سنن ألله في الحياة , من ان لكل عامل ما عمل , وكل وما كسبت يداه . وفي ألإدعاء السياسي يتمثلون بالآية القرآنية [ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ] (سورة ألأعراف 7 : 96 ) لكنهم لا يقولون ـ وربما لا يفهمون ـ أن بركة الله تجيئ مع العمل أو ضمن العمل أو بعد العمل, لكنها لا تغني عن العمل أبدآ ولا تكون بديلآ له . لقد رفع الأسلام من شأن العمل , فقرن ألإيمان ـ دائمآ ـ بعمل الصالحات, وليست الصالحات في الفهم السديد صلاة وزكاة وحجا وعمرة فقط , إنما هي إلى ذلك , بل وقبل ذلك , كل عمل نافع للإنسان مفيد للحياة خادم للبشرية . وقد روي عن عمر بن الخطاب (رض) ما يفيد أن السعي في طلب الرزق ( اي العمل ) أفضل من الجهاد , إذ قال: ’’ لأن أموت بين شعبتي رحْل اسعى في الأرض ابتغي من فضل الله كفاف وجهي أحب إلي من أن أموت غازيآ ’’ أي ان العمل أفضل من الجهاد . "

وفي نهاية المقدمة الأولى هذه يتوصل الكاتب إلى بعض النتائج المهمة التي تتمخض عنها عملية زج الدين بالسياسة ومدى تأثيرها السلبي وعملها على " تقويض المجتمع وتهديد الإسلام " ثم يتوجه بالنقد الحاد لدعوة " بعض فصائل تيار السياسة الدينية إلى عدم الولاء للوطن بدعوى ان هذا الولاء جاهلية , وإن الولاء الصحيح هو الذي يكون لجماعة المسلمين " واصفآ هذه الدعوة بأنها " عدمية فوضوية تهدم ولا تنشئ , تقوض ولا تبني , تخلع ولا ترفع . وإن نظرة واحدة إلى التاريخ الإسلامي تبين أنه حتى في العصور الزاهية كانت المحليات قائمة ومعتبرة , وكان للوطن قيمة وولاء , هذا فضلآ عن أن دولة ألإسلام كانت في الحقيقة تجميعآ لكيانات عديدة وأشتات متفرقة ودويلات متفاصلة وحكام شبه مستقلين ."

أما في مقدمتي الطبعتين الثالثة والرابعة فيتناول مؤلف الكتاب بشكل رئيسي ردود الفعل الموافقة والمعارضة لمواضيع البحث المطروحة في مؤلفه , إلا أنه يعطي إهتمامآ خاصآ لتلك المعاِرضة منها والتي صدرت عن أفراد وجماعات لم تستطع إستيعاب التحليل والتفنيد لشعارات الإسلام السياسي ولم تستطع مواجهتها بنفس الروحية العلمية والفكر المتنور فعمدت , كعادتها دومآ في مثل هذه الحالات , على توزيع التهم والإفتراءات إذ " كانت هذه الجماعات , والهيئات , تعتبر نفسها جماعة المسلمين , او تصف أعضاءها بالإسلاميين , وهو وصف مغالط وتعبير مخالط يقصد فرز غيرها عنها , وإعتبار أن هؤلاء الغيرخارجون عن الإسلام , أو ـ على اقل تقدير ـ ترى أن في إسلامهم شكآ أو ان في إيمانهم ثلمة."


يتبع