|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  25  / 6 / 2016                                 د. صادق أطيمش                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

لصوص ونصوص ...

د. صادق أطيمش
(موقع الناس)

وضعت النصوص القرآنية عقوبات مختلفة سمتها الحدود لتنال مختلف الممارسات ومن ضمنها ممارسة السرقة. وحينما نناقش هذه الحدود او العقوبات لا يمكننا تجاهل الفترة الزمنية التي جاءت بها او الحياة الإجتماعية السائدة آنذاك. ولا بأس ايضاً من مناقشة هذه الحدود ومدى فاعليتها بعد فترة نشوءها في مراحل زمنية متعددة ومنها مرحلتنا الحالية في القرن الحادي والعشرين هذا.

لقد شرَّع الإسلام حدوداً للسرقات التي كانت تُمارس آنذاك وجعلها على نوعين. النوع الأول الذي يتعامل مع السرقة المتعَمَدة الغير مرتبطة بعنف، دون التطرق إلى اسباب هذه السرقة، حيث وصفتها الآية 38 من سورة المائدة بالنص القائل:

" وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "

ونلاحظ هنا بان النص لم يفرق بين الذكر والإنثى في العقاب، كما نه لم يتطرق إلى الأسباب التي دعت السارق او السارقة للقيام بهذا العمل المرفوض اجتماعياً بكل تأكيد. وعدم التطرق إلى اسباب السرقة دفع فقهاء ذلك العصر الإسلامي للتفكير بكيفية انسجام هذه العقوبة مع بعض المراحل الزمنية التي تجعل البعض مضطراً إلى السرقة، كالمجاعة مثلاً. ويقال في هذا الصدد ان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب سبق واوقف العمل بهذا الحد في الوقت الذي تعرضت فيه المدينة المنورة إلى المجاعة. إلا ان هذا التوقف كان لظرف آني وكإجراء من الخليفة الثاني نفسه، بالرغم من عدم وجود إلى اقل ما يمكن من الإشارة في هذا النص على اعتبار الفقر والحاجة إلى المادة المسروقة، كمادة غذائية مثلاً، سبباً للسرقة.

ومع التغيير الذي جرى على الحياة الإجتماعية ونشوء الدولة الحديثة، تجاهلت اغلب المجتمعات الإسلامية التعامل مع هذا النص وعملت على تطبيق قوانين الدولة الحديثة، اي ما يسميها فقهاء السلاطين القوانين الوضعية، على السراق. ولم يأت هذا التجاهل عن عبث، إذ ان مقومات المجتمع قد تغيرت بالشكل الذي لم يعد فيه تطبيق هذا الحد، كما منصوص عليه في القرآن، يتماشى والحياة الإجتماعية التي ستجعل من مقطوعي الأيدي عالة على مجتمع يتطلب العمل للإستمرار في الحياة. ومن الناحية الأخرى اصبح تطبيق عقوبة قطع اليد امراً لا تقره القوانين والأنظمة التي اعطت إنسان المجتمعات الحديثة حقوقاً وواجبات تتماشى مع صيرورته الإنسانية الغير قابلة للتشويه او الإحتقار او الإنتقاص، بغض النظر عمن يحترم او لا يحترم هذه القوانين. وهذا هو في الواقع ما تسعى إليه جميع الأديان التي تنظر للإنسان نظرة احترام واهتمام باعتباره من يسعى للدعوة للمبادئ الدينية التي يرى فيها صلاحاً وحكمة للمجتمع.

وما ينطبق على الحالة الأولى في السرقة المتعمَدَة الخالية من العنف، ينطبق ايضاً على الحالة الثانية في السرقة المرتبطة بالعنف واستعمال القوة لتنفيذها. لقد جاء في نص الآية 33 من سورة المائدة ما يلي:

" إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ "

وعقوبة السرقة الواردة في هذا النص تم تجاهلها ايضاً، ولأسباب اجتماعية وإنسانية كذلك، في اغلب المجتمعات الإسلامية حيث انها اصبحت كسابقتها لا تتماشى وما وصلت إليه هذه المجتمعات من تقدم في سن القوانين الرادعة لمثل هذا العمل. هذا بالإضافة إلى ان السرقة بحد ذاتها، حتى وإن ارتبطت بالعنف، فإنها لا ترقى إلى مستوى الجريمة التي يُعاقب عليها السارق بالإعدام، الذي اخذ اشكالاً متعددة لا تعتمد فقط على الصلب الشائع آنذاك. اما ان ترتبط بالعنف والقتل، فإنها تبلغ في هذه الحالة، مستوى آخر من الجريمة التي وضعت لها القوانين الحديثة عقوبات تتناسب وشدتها.

والملاحظ هنا ان هذه النصوص لم يجر التنكر لها او حذفها، بل جرى التوقف عن العمل بها استناداً إلى القاعدة الفقهية القائلة بنسخ الفعل مع بقاء النص. وللفقه الإسلامي باع طويل في مثل هذه التفسيرات والتأويلات التي تناولتها ايضاً نظرية نسخ الفعل مع بقاء النص كما جرى لنص المؤلفة قلوبهم الذي لا يعرف الكثير من المسلمين اليوم ماذا يعني ذلك حقاً. او نص المتعة الذي تنكر التعامل به الغالبية العظمى من المسلمين بالرغم من وجوده. او نص إقتناء الإماء الذي لم يعد له وجود علني لزوال اسواق بيع العبيد التي كانت سائدة في مجتمعات مختلفة. او نص الجزية لغير المسلمين في المجتمعات الإسلامية، وغير ذلك من النصوص التي لم تزل موجودة حرفاً وغير مطبقة فعلاً.

ما احوجنا اليوم لمراجعة نصوص اخرى كانت لها اسبابها الإجتماعية والموضوعية التي لم تعد موجودة في مجتمعاتنا اليوم، إلا ان مفعول هذه النصوص لم يزل يشكل ممارسة واقعية لدى الكثيرين من ذوي العقول الصدءة في تجمعات الإسلام السياسي التي لا تزال تدعوا إلى العنف والقتل والذبح والسبي وغير ذلك من الجرائم التي يمارسها بعض المسلمين تجاه مَن يختلفون معهم، حتى من تابعي نفس دينهم، بحجة ان مثل هذه الجرائم مسموح بها حسب النصوص القرآنية التي يرون ان تطبيقها اليوم لا يختلف عن تطبيقها قبل اكثر من اربعة عشر قرناً من الزمن. وما داعش وجرائمها إلا مثالاً واحداً على هذا الإرهاب الذي يستند على هذه النصوص.

لنعد إلى موضوعنا اليوم حول السرقة ونشير إلى ان النصوص الإسلامية تطرقت إلى انواع السرقات اعلاه، ولم تتطرق بتاتاً إلى سرقة المال العام. وحينما نتحدث هنا عن عدم ذكر سرقة المال العام في النصوص القرآنية، فإن ذلك لا يعني عدم تصرف بعض ذوي الأمر في المجتمعات الإسلامية المختلفة تصرفاً ذاتياً تجاه هذا الموضوع. وحول ذلك، سرقة المال العام وعدم وجود نص قرآني يعالجه، كتب الدكتور كامل النجار في كتابه " الدولة الإسلامية بين النظرية والتطبيق " على الصفحة 71 ما يلي:

" اما سرقة المال العام فلا عقاب له في الإسلام. فقد رأينا في الماضي كيف اخذ الخليفة عثمان من اموال بيت المال دون حق، وكيف انه اعطى اقاربه جمال الصدقة، ولم يُعاقَب. وكذلك رأينا كيف سرق ابن عباس المال من بيت مال البصرة وهرب به إلى مكة، وهدد الخليفة علي بن ابي طالب بانه سوف يأخذ المال الى معاوية ليحارب به علياً. وكذلك ابو هريرة إختلس مالاً من البحرين عندما كان والياً عليها من قِبَل عمر بن الخطاب. وفي العهدين الأموي والعباسي لم يكن هناك خليفة واحد لم يعيث في الأرض فساداً بمال المسلمين غير الخليفة عمر بن عبد العزيز. ولم نسمع عن خليفة واحد سألوه: من اين لك هذا "

واللصوص الذين لدينا اليوم في وطننا العراق والمتربعون على مصادر المال العام هم خير خَلَف لأتعس وانجس سَلَف. لصوص احزاب وتجمعات الإسلام السياسي في العراق لهم كل " الحق " فيما يقومون به من سرقات للمال العام، حتى انهم اوصلوا العراق الغني جداً إلى هاوية الإفلاس، فيا له من إبداع في اللصوصية وتفنن في السرقة. نقول لهم كل " الحق " في ذلك لأنهم يستندون على القوانين الدينية التي لم تضع امامهم من الموانع ما يردعهم عن سرقة المال العام. وحينما يمارس لصوص الإسلام السياسي لصوصيتهم هذه في كل مرافق الدولة العراقية، فإنهم يمارسونها عن طيب خاطر ورضى ضمير، إن بقي لهم حثالة من ضمير. اي انهم لصوص بلا نصوص دينية رادعة، فهم طالما يتبجحون بتمسكهم بالدين وبتعاليمه. وبما ان تعاليم دينهم لا تتطرق إلى منع سرقة المال العام، ناهيك عن معاقبة السارق، فإن منطقهم يقول: إذن يصبح المال العام ملك الحاكم يتصرف به كيفما يشاء. وامام هذا المنطق المفلوج يتحتم على الدولة العراقية الحديثة ان تلجأ إلى القوانين التي تطال هؤلاء اللصوص والتي يسمونها القوانين الوضعية. قد يقول قائل ان مثل هذه القوانين موجودة في الدولة العراقية منذ تأسيسها على الشكل الذي هي عليه الآن بعد الحرب العالمية الاولى. إلا اننا نعتقد بأن هذا الوجود قد تَحَوَل إلى وجود هامشي لا روح فيه منذ ان مارست عصابات البعثفاشية المقيتة تسلطها على المال العام في الدولة العراقية، لتتبعها عصابات لصوص الإسلام السياسي في هذا التسلط المقيت وكأن هؤلاء اللصوص استلموا رايات السلفين الإسلامي والبعثي مرة واحدة.

الشارع العراقي يصرخ اليوم بملئ الفم ويصرح بلا تردد بلصوصية الأحزاب الحاكمة. ونتائج هذه اللصوصية لا تخفى حتى على الطفل العراقي الذي يفتش عن قوت يومه في مزابل القصور التي يمارس فيها لصوص الإسلام السياسي كل موبقاتهم. وكثير من المؤسسات نشرت واعلنت في مختلف وسائل الإعلام عن كثير من الأموال المسروقة من قبل القائمين على الحفاظ على هذه الأموال في الأحزاب الحاكمة. وليس الوثائق التي اعلنها المرحوم احمد الجلبي هي الوحيدة في هذا المجال. والكثير الذي يعاني منه المجتمع العراقي في مجالات الخدمات العامة والتعليم والركود الإقتصادي والتدهور الإجتماعي وسيادة القوانين العشائرية وكل سياسة المحاصصات الطائفية المقيتة والكثير الكثير من المساوئ التي يعاني منها الفرد العراقي اصبحت وكأنها ممارسات طبيعية وذلك لعدم وجود الرادع. اي ان فقهاء اللصوص في احزاب الإسلام السياسي انطلقوا من ذلك المفهوم القائل بوجود النص ونسخ الفعل فيما يخص التعامل مع القوانين المدنية التي يمكن تفعيلها لمحاسبة هؤلاء على جرائمهم بحق المال العام. ولكن ليس هناك من يستجيب إلى نداء الإنسانية الذي لابد وان يصرخ يوماما بوجوه هؤلاء اللصوص ليقول لهم: من اين لكم هذا؟

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter