| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

السبت 20/6/ 2009



مآزق منظري ولاية الفقيه
(2)

د. صادق إطيمش
 
شهداء الإنتفاضة يتساقطون يومياً على الساحة الإيرانية التي عبرت عن ذلك بارتداء السواد الذي أرادت به الجموع المتظاهرة التعبير عن الحزن والسخط في آن واحد . ألحزن على سقوط هؤلاء الشباب قتلى بسلاح عصابات ولاية الفقيه ، لا لذنب جناه هؤلاء ، وكعقاب لهم على رفع أصواتهم أعلى من صوت المرشد الأعلى لهذا النظام الدكتاتوري الذي بارك ما سماه بالإنتخابات الرئاسية التي جرت مؤخراً في إيران وبارك نتائجها التي جاءت بخادمه وتابعه في كل ما يأمر به هذا المرشد الأعلى ، أحمدي نجاد . في الوقت الذي رفض فيه هؤلاء القتلى والجماهير المتظاهرة معهم مجمل هذه المهزلة الإنتخابية ورفضوا نتائجها ويطالبون بإعادتها تحت إشراف دولي محايد . هذا ما أغاض القائمون على سياسة ولاية الفقيه الدكتاتورية وأغاض في نفس الوقت الطبول الجوفاء التي تردد أكاذيبهم التي لم يكن آخرها جعل المتظاهرين عملاء لأعداء الإسلام الذين يريدون الإطاحة بهذه الدولة القمعية التسلطية التي إعتبرها فقهاء السلاطين ومن ينحو نحوهم وكأنها تعكس تعاليم السماء لا تعاليم الفقهاء. هذا النغم النشاز الذي تتقيئه عصابات القتل والسلب والنهب والسرقات واللصوصية بين الآونة والأخرى ليس من قبل دكتاتورية ولاية الفقيه فحسب ، بل وحتى في وطننا العراق المبتلى بأحزاب الإسلام السياسي التي لم تكتف لحد الآن بما جنته من إثراء فاحش وسرقات للمال العام من خلال توليها زمام السلطة بعد سقوط البعثفاشية وحتى يومنا هذا ، بل انها تسعى لخلق ألأوضاع التي تعود بوطننا إلى ما عليه إيران اليوم ، إلى دكتاتورية اخرى دينية هذه المرة وهو لم يزل يئن تحت وطأة ضربات الدكتاتورية البعثفاشية التي عانى منها على إمتداد أربعة عقود من تاريخه الحديث .

لقد بارك المرشد ألأعلى علي خامنئي هذه الإنتخابات ونتائجها ووصفها بأنها تعبر عن ألإسناد الشعبي لنظام ولاية الفقيه . إلا أننا نرى وبشكل علني وصريح تراجع هذا المرشد بعد خمسة أيام فقط من مباركته هذه عن كل ما قاله وكأن ما نطق به هذا الرجل الأول والأخير في نظام ولاية الفقيه لا قيمة له وأنه أطلق كلامه الأول على عوانه دون أن يضع ما يتفوه به موضع الثقة التي لا تقبل هذا التراجع السريع الذي لا يمكن ان ينطبق عليه اي وصف غير التحايل على الجماهير واللعب بمشاعرها ، وهذا ما لا يمكن أن يصدر من إنسان كهذا يتبوأ مركزاً كالمركز الذي يتبوأه المرشد الأعلى لولاية الفقيه علي خامنئي . لقد شعر المرشد الأعلى هذا بالخطر الذي يتهدد نظام ولاية الفقيه من خلال الهبّة الجماهيرية التي إنطلقت على الشارع الإيراني . وبسبب شعوره هذا دعى إليه المرشحين الذي أعلن هو عن خسارتهم ليخبرهم بعكس ما نطق به بُعيد إعلان النتائج الرسمية للإنتخابات والتي عبر فيها عن فوز مرشحه أحمدي نجاد ، وليؤكد لهم عزمه على مراجعة هذه النتائج الذي لم يخف هو شكه فيها وتراجعه عما قاله بشأن صحتها وقبول نتائجها . إلا ان أبرز ما قاله علي خامنئي في هذا اللقاء هو الإيحاء إلى هؤلاء جميعاً بأن ينسوا هذه الخلافات وينظروا إلى توطيد النظام القائم حيث أنهم جميعا " يجلسون في قارب واحد " كما عبر لهم عن مخاوفه على مستقبل النظام الذين يشكلون هم جزءً منه . وهذا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في مقالنا السابق " ديمقراطية الإختيار بين الأرنب والغزال في ولاية الفقيه ". وهذا امر لا يقود إلى الشك ، إذ أن ما يسمى بالتيار الإصلاحي لا يضع النظام والأسس التي يقوم عليها موضع الشك ، بل يحاول تنحية بعض القائمين على أمور هذا النظام ليحل محلهم بنفس الممارسات الثيوقراطية التي قد تكون أقل تطرفاً ، إلا انها ليست ديمقراطية بالمعنى العلمي المفهوم للمارسة الديمقراطية الحقة . وإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن هو : هل تفكر هذه الجماهير الغاضبة على هذا النظام بهذا المستوى أيضاً....؟ إن الجواب على هذا السؤال يمكن إستنباطه من خلال الهتافات التي يرددها المتظاهرون والتي سمعها ويسمعها القاصي والداني ، المحافظون والإصلاحيون على السواء ، والتي تطالب بسقوط الدكتاتورية والكف عن ملاحقة الناس في كل تفاصيل حياتهم وإطلاق حرية الصحافة وحرية العمل السياسي على أسس تخالف التوجه الثيوقراطي القمعي المتسلط ، هذا التوجه الذي حرم المئات من المرشحين للإنتخابات البرلمانية أو الرئاسية من حق الترشيح لأنهم لا يؤمنون بمبادئ ولاية الفقيه . فحينما ينادي المتظاهرون بسقوط الدكتاتورية وأجهزتها القمعية فإن المعني الأول هنا هو الدكتاتور نفسه ومن جاء به مما يسمى بمجلس ألأمناء او الخبراء الذين يمثلون جميعاً وبدون إستثناء فكر ثيوقراطية القرون الوسطى ، هذا الفكر المتخلف الذي يعاني منه الشعب الإيراني منذ ثلاثين عاماً ، والذي جاء بانتخابهم إستناداً إلى نفس مبدأ ألأرنب والغزال ، هذا المبدأ الذي ينعكس على كل مفردات التبجح بالديمقراطية في نظام ولاية الفقيه .

من جهة اخرى فإن الصراع القائم بين أقطاب هذا النظام إنعكس على الشارع السياسي الإيراني الذي يريد أن يستثمر هذا الصراع لصالحه بوقوفه إلى من يشعر به أكثر مرونة ضمن هذه التشكيلة الدينية ، ليجعل من ذلك نقطة إنطلاق لتحقيق هدف إسقاط الدكتاتورية هذه . لقد تبلور هذا الصراع في عهد المرشد السابق الخميني حينما تبوأ موسوي مراكز قيادية في نظام ولاية الفقيه وعمل على تركيز أسس هذا النظام وحينما كان علي خامنئي آنذاك من المعارضين لوجود شخص كموسوي في مثل هذه المناصب الحساسة . لقد ظلت هذه العداوات الشخصية ولا زالت تنخر في عظام النظام ويشعر بها الكل سواءً من الإصلاحيين او المحافظين . وعلى هذا الأساس أسرع علي خامنئي إلى إعلان فوز أحمدي نجاد بعد فترة قصيرة جداً من إغلاق صناديق الإقتراع ، بل وبارك هذا الفوز الذي وصفه ساحقاً كتعبير عما يكنه المرشد الأول من فرحة بعدم فوز موسوي الذي له معه حسابات قديمة . إلا ان موسوي لم يستجب لما كان المرشد الأعلى يتوقعه منه ألا وهو الرضوخ لأقوال المرشد الأعلى ، صاحب الكلمة العليا والنهائية في تسيير أمور دولة ولاية الفقيه ، بل إعترض على ذلك ، وكأنه يريد أن يقول لهذا المرشد بأن الهالة التي وضعتها على نفسك والتي منحها لك مجلس الأمناء لا تساوي عندي شروى نقير . ومن جهة اخرى تبلور تيار جديد ضمن هذا الفكر الثيوقراطي القرووسطي والذي بدأ يشعر بمعاناة جيل الشباب الذي يشكل الآن ثلثي المجتمع الإيراني والذي يضخ الشارع اليوم بمئات الآلاف من المتظاهرين . لقد سمى هذا التيار نفسه والذي قاده خاتمي من خلال ترشيحه للإنتخابات الرئاسية بالتيار الإصلاحي لإمتصاص غضب الجماهير وبث بعض الأمل بالتغيير السطحي على الساحة السياسية الإيرانية . لقد إصطدم هذا التيار منذ نشأته , وبالرغم من عدم مناداته بالتغيير الجذري ، بمفكري تيار المحافظين الذين تصدوا لهذا التيار بكل الوسائل التي أتاحت لهم إبعاده عن مركز القرار وذلك من خلال المجيئ بأحمدي نجاد لينقاد بكل تصرفاته إلى ما يأمره به سيده ، زعيم المحافظين ، علي خامنئي . وبالرغم من عدم إمكانية وضع رفسنجاني في أي موقع من مواقع الإصلاحيين ، إلا انه شكل جبهة اخرى مناوئة لجبهة المحافظين التي يمثلها احمدي نجاد في سياسة الدولة وخامنئي في قيادتها بحيث وصل أمر التناحر بين هذين الجبهتين إلى إستقالة رفسنجاني من مجلس الأمناء، هذه الإستقالة التي أراد بها أن يصطف إلى جانب الحركة الإصلاحية ولا نقول إلى جانب التحرك الجماهيري المنادي بسقوط الدكتاتورية وكل مؤسساتها القمعية .

هذه الصراعات بين المحسوبين على نظام ولاية الفقيه والذين نظَّروا ولا زالوا يُنظِرون له تصب في صالح الإنتفاضة الجماهيرية على الساحة الإيرانية والتي يمكن أن تطورها هذه الإنتفاضة إلى ثورة شعبية عارمة تأتي على الدكتاتورية فعلاً فتحقق بذلك ما تنادي به جماهير الشعب الإيراني .

لقد جاء خطاب خامنئي الأخير ليتنكر به مجدداً لما قاله بعد مرور خمسة ايام على نتائج الإنتخابات الرئاسية والذي أيد فيه التشكيك الذي تقدمت به المعارضة لهذه النتائج ، حيث شملت الإعتراضات 646 إعتراضاً . إن تخبط المرشد الأعلى هذا والتهديدات التي وجهها في خطابه الأخير قد يستجيب لها موسوي ويكف عما بدأه إمتثالاً لرأي مرشده الأعلى . ولكن السؤال هنا هو : هل سترضخ الجموع الإيرانية التي تنشد الحرية والخلاص من الدكتاتورية إلى هذه التهديدات...؟ هذا ما سنحاول التطرق إليه في القسم الثالث والأخير من هذا الموضوع .

 

¤ مآزق منظري ولاية الفقيه (1)
 

 

free web counter