|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  17  / 5 / 2015                                 د. صادق أطيمش                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

مآل الطائفية والطائفيين

د. صادق أطيمش

يجر الحديث عن مرض الطائفية الخبيث، الذي اصاب الساحة السياسية العراقية بشكل مخيف خاصة بعد سقوط البعثفاشية المقيتة وحتى يومنا هذا، إلى استعمال بعض المفردات اللغوية التي لا يؤمن بها كل من يجدها نقيضاً، بل وعدواً لمفردات اخرى مثل الوطن والمواطنة وكل ما يتعلق بهما من إنتماء وشعور ومرجعية لا بديل لها كبلسم شافي من مرض الطائفية الخبيث هذا. ولا يقتصر هذا البلسم على الخلاص من المرض نفسه، بل ومن كل ادواته ومسبباته ايضاً وفي مقدمتها الطائفيون الذين لا مناص من تشبيههم بالجراثيم التي تعيش على وجود المرض وانتشاره وان موتها المحقق سيكون بموته وانتهاءه. فالطائفيون إذن، تلك الجراثيم الإجتماعية التي لا يمكنها مواصلة الحياة خارج اجواء الحالة المرضية هذه،الطائفية، يسعون بكل ما لديهم من همجية ووحشية بعيدة عن الخلق والمبادئ الإنسانية إلى تقوية مناعتهم ضد كل ما يمكن ان يكون سبباً في القضاء على الوسط الموبوء الذي يعيشون فيه وعليه. ومن ابشع واخبث هذه المحاولات هي سعيهم إلى ديمومة الوسط الجرثومي الذي يتغذون عليه من خلال التكاثر الإنشطاري، وهذا هو حال اكثر الجراثيم، حيث يعملون على جعله ظاهرة تصبح وكأنها امر طبيعي، خاصة بين تلك الجماهير البائسة التي جعلوها تعيش على الغيب وتنتظر الحياة الثانية بعد ان يئست من حياتها الأولى هذه.

المفردات الممقوتة، التي يجري فيها تصنيف مواطني البلد الواحد، بعد سحق وإتلاف هوية الإنتساب الوطني الجامعة، تنطلق من جعل الدين هو المحور الأساسي الذي تدور حوله التسميات والإنتماءات الجديدة. وهذا ما حققته احزاب الإسلام السياسي في وطننا العراق بعد ان قذف بها الإحتلال الأمريكي إلى واجهة العملية السياسية حينما قضى هذا الإحتلال على دكتاتورية حليفه بالأمس، البعثفاشية، التي وفر لها كل امكانات البقاء جاثمة على صدور اهل العراق، منذ ان جاء بها في قطاره الموبوء بالجرائم البشعة في الثامن من شباط الأسود عام 1963 . ولا غرابة في تبني احزاب الإسلام السياسي عموماً وفي وطننا العراق بشكل خاص لهذا النوع من المفردات في خطابها، وذلك لفقدان هذه الأحزاب للأرضية السياسية العلمية المُلمة باصول علم السياسة ومنطلقات هذا العلم الذي لا يختلف عن العلوم الأخرى في تبنيه لقواعد واسس تنطلق من الواقع المُعاش وليس من التنميات او التأمل الغيبي البعيد عما يجري حول الفرد في مجتمعه الذي يتواجد فيه. وعلى اساس هذا الفقر العلمي باصول السياسة، داخلية كانت ام خارجية، نعيش ما حققته وتحققه هذه الأحزاب في وطننا يومياً ، كنتيجة منطقية لجهلها الذي ينعكس على شكل منافع ذاتية لها ولكل من يدور في فلكها، تقابله مآسي وويلات على كل مستويات الحياة لكل من لا ينضوي تحت لواءها ويتصرف بما تمليه عليه قادتها وذوي الأمر فيها. وما ينعكس على الساحة السياسية العراقية اليوم لا يصب إلا في هذا المنحدر الخطير الذي تقود احزاب الإسلام السياسي وطننا إليه. إنه المنحدر المجهول المعالم، إلا تلك التي تجعل من هذا البلد مرتعاً للصراعات الطائفية التي لا هم لمؤججيها سوى الإثراء الفاحش على حساب قوت الجماهير وترك البلد وراءهم في اللحظة المناسبة حيث جمع المبسملون المحوقلون كل ما وقع تحت ايديهم من قذارات اللصوصية لمال الرعية كحسابات مصرفية وعقارات خارج الوطن. وهذا ليس بتهمة عابرة او تجني لا اساس له. والدليل على ذلك هو الحالة التي يعيشها القادة والمتنفذون في احزاب الإسلام السياسي، الذين لا يمكن لأي احد منهم ان ينجو من طائلة الحساب فيما لو تم تطبيق قانون من اين لك هذا ؟ بحق كل واحد منهم.

منذ ان افرز الصراع حول السلطة السياسية في العراق تجمعات واحزاب إتخذت من الدين الإسلامي بمذهبيه الرئيسيين السني والشيعي واجهات لنشاطها وتغلغلها بين الجماهير، خاصة الفقيرة منها، رافق هذه الظاهرة الجديدة على الساحة السياسية العراقية تبلور النهج الطائفي لهذه الأحزاب جميعاً والذي ظل يتخذ طابع الشدة يوماً بعد يوم استناداً إلى ما ذكرناه اعلاه حول ضرورة إيجاد الطائفيين اجواءً صالحة لنشر منهجهم ومن ثم الحفاظ على وجودهم من خلال توفر هذه الأجواء. إلا ان هذه الأجواء الجديدة لم تقتصر على المتاجرين الأساسيين بالدين فقط، بل انها ضمت تلك الزمر التي كانت حتى الأمس القريب ترتدي الزي العسكري الزيتوني السيئ الصيت لتلاحق اهل العراق شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، مع مختلف الاجهزة الأمنية التي سلطتها دكتاتورية البعث على رقاب الناس لكسب الولاء لسيدهم الجرذ المقبور ونظام حكمه المتهور. ومن خلال هذه الأحزاب الدينية وتجمعاتها المختلفة بشكلها الإسلاموي البعثي الجديد تبلورت العملية السياسية الجديدة عن مناخات جرى التأكيد فيها على النهج الديني الطائفي اكثر بكثير من التأكيد على النهج السياسي الذي ينبغي له ان يأخذ بوجهة البلد نحو تحقيق ما يصبو إليه الشعب من حياة تتسم بسمات المدنية والحضارة التي تعيشها المجتمعات المتقدمة في عالم اليوم في القرن الحادي والعشرين. واتسمت المرحلة الأولى من هذا النهج الطائفي البغيض ومرضه الخطير بالصراع المذهبي بين انصار الفئتين المتاجرتين بمذهبيهما والمتقاتلتين على السلطة السياسية، بحيث رافق هذا الصراع إختلاط الديني بالسياسي الذي افرز فئتين اساسيتين على الساحة السياسية العراقية. الفئة الأولى التي ركب فيها بعض ادعياء هذا المذهب او ذاك موجة الطائفية البحتة غير المقنعة باي قناع آخر، حتى اصبح الكثير من الأغبياء الذين لا علم لهم لا بالدين ولا بالسياسة قادة وخطباء وزعماء باسم الطائفة التي ينتمون اليها، مؤكدين على اهمية الإنحياز الطائفي وتبنيه . ونشروا مفاهيمهم الضالة هذه بشكل استطاعوا به كسب حتى بعض الفئات التي كانت حتى الأمس القريب تتبنى افكاراً نضالية وطنية وثقافة إنتماء عراقية غير مشوبة بادران التعصب مهما كان نوعه. اما الفئة الثانية فهي تلك التي لم تجد مجالاً لها في العملية السياسية من خلال افكار البعث السوداء وتاريخه المخزي في العراق والتي تعلقت باذيال الأحزاب الدينية التي فتحت لها ابواب المذهبين السني والشيعي، فانتجت توجهاً اسلاموياً بعثياً اخذ على عاتقه نشر الطائفية الدينية المشوبة بخلفية سياسية عبرت عنها هذه الفئة بنشاطات جماهيرية إختلط فيها الديني بالسياسي والسياسي بالديني حتى اصبح الإنسان البسيط لا يفرق بين الخطيب البعثي المعمم ونظيره في الزي الديني. واستمر هذا الصراع ليفرز كل سيئات العملية السياسية في المحاصصات والمساومات وتنظيم السرقات بين رواد هذه العملية وقادتها من الأحزاب الدينية واختلاس اموال الدولة وتقاسم الغنائم وبرمجة اللصوصية والفساد الإداري، حتى اصبح العراق الغني بكل شيئ فقيراً بكل شيئ فعلاً، متبوءً، وبجدارة تامة، المرتبة الثالثة في التخلف حسب جدولة المنظمات الدولية المحايدة لمواقع الدول في سلم الحضارة العالمية. والشيئ الملفت للنظر هو ان هذه الأحزاب الدينية وروادها، وخاصة قادتها، لم تظهر عليهم اي علامة من علامات الإكتفاء بما سرقوه من اموال وما صادروه من عقارات كل في منطقته التي افرزها على نفس الاسس والمبادئ التي تفرز بها المافيات اللصوصية والإجرامية مناطق سيطرتها وتحكمها فيها الذي لا يسمح لمنظمة لصوصية اخرى العمل فيها او بسط نفوذها عليها. فهم ينهبون العراق وكل ما فيه منذ إثني عشر عاماً ولسان حالهم يقول هل من مزيد؟ ولا اعتقد بأن تشبيههم هذا بجهنم يظيرهم شيئاً، فالذي فقد الحياء والخوف من عواقب سيئاته في هذه الدنيا لا شأن له بما ينتظره في الآخرة، حتى وإن ادعى ذلك كذباً وبهتاناً.

لقد إشتد الصراع الطائفي هذا وتبلور بشكل اوضح بعد ان اصبحت هذه الأحزاب والتجمعات الطائفية الإسلامو ـ بعثية تنحى نحو منهج آخر يضمن لها البقاء الأطول بعد ان شعرت بما خلفته سياستها الرعناء وتصرفاتها الجوفاء من ردود فعل سلبية على الشارع العراقي. فلجأت إلى توسيع حلقة الصراع وتأجيجه في مؤسساتها هي بالذات بعد ان عمدت كل فئة فيها بالنمو والتكاثر الجرثومي على حساب الفئة الأخرى. فنشأ الصراع الشيعي الشيعي والصراع السني السني بحيث اصبح الإدعاء بالإنفراد بتمثيل الطائفة ومن ثم التصرف مع الآخرين من هذا المنطلق يشكل حجر الأساس في توسع وانتشار هذه الفئات. لقد اختلفت حدة هذا الصراع الذي تنوعت فيه ادواته والتي لم تكن تخلو من العنف واستعمال السلاح من خلال المليشيات التي سبق وإن تكونت من قبل هذه الفئة الطائفية او تلك. وقد استمر هذا الصراع حتى يومنا هذا مما جعل الوضع الأمني العام في الوطن يتعرض لأخطار يومية منشأها الصراع القائم بين هذه الفئات والذي لا يُبتلى بنتائجه الكارثية غير المواطن البريئ الذي لا حول له ولا قوة تجاه المهرجين باسم الدين والطائفة والذين يرسمون سياسة هذا البلد الجريح منذ اكثر من إثنتي عشر سنة. ولكي يستمر هذا الصراع على اشد وتيرة يلجأ فرسانه إلى ابتكار كل ما يساعد على ذلك، حتى وإن تطلب الأمر التضحية ببعض ما يخص الذات. وما جرائم الإرهاب التي يعيشها اهلنا كل يوم إلا دليلاً على ما تفعله هذه الجراثيم اللعينة في وطننا.

قد لا يخرج العمل الإجرامي الذي جرى مؤخراً في الأعظمية عن هذا السياق الذي اراد من خلاله الطائفيون هؤلاء تحقيق بعض الإنتصار على غيرهم سواءً من طائفتهم بالذات او من الطوائف الأخرى. وقد يتزامن ذلك مع بعض الإنجازات الإيجابية التي تحققت في الفترة الأخيرة ضد إرهابيي الدولة الإسلامية . إلا ان المؤكد في الأمر هو ان هذا العمل الجبان لا يخرج عن كونه سعياً واضحاً لخلق ازمة أُريد لها ان تكون الشرارة الأولى لنار حرب اهلية سواءً كان المدبرون من طائفة الحكومة العراقية الرافضين لمسيرتها الإنبطاحية، كما يصفونها، او من تلك الفئات البعثفاشية التي سمحت لها سياسة الإملاءات الطائفية والمحاصصات السياسية ان تلبس الجبة والعمامة لتنافس بها اولئك الذين تاجروا بهذا الزي ولم يزالوا يتاجرون به من احزاب الإسلام السياسي. وما يقودنا إلى هذا الظن هو الخبر الذي تبنته المصادر الإعلامية البعثفاشية حول قيام عصابات العدوان على الأعظمية بحرق القرآن الكريم. لقد نقلني سماع هذا الخبر إلى نفس الأسلوب الإجرامي الذي اتخذه حزب البعث في ستينات القرن الماضي بإشاعة خبر حرق القرآن من قبل الشيوعيين.

"" " وتبع ذلك نشر أكذوبة حرق القرآن وإتهام الشيوعيين العراقيين بذلك، والتي كذبها بعد عقود السيد حسن العلوي، وهو الكادر الحزبي البعثي آنذاك، وأشار إلى أن من نفذ هذه الجرائم هم فرق من البعثيين كجزء من سعيهم لإلصاق التهمة بالشيوعيين ولزعزعة الإستقرار وإثارة الفتن وتهيئة الأجواء لتنفيذ مجازرهم في 8 شباط لاحقاً. ولجأ المفبركون إلى نشر صور تعود لضحايا مواطنين جزائريين قتلوا على يد المستعمرين الفرنسيين، ليعلنوا أنها من ضحايا النزاع العرقي في كركوك في تموز عام 1959، ويلصوقونها بالحزب الشيوعي العراقي بهدف دق إسفين بين عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي، وترويج الإتهامات ضده كجزء من التحضير لمأساة شباط عام 1963. والقائمة قد تطول لو إستعرضنا كل تلك الفبركات الطويلة والعريضة في تلك الأيام المضطربة. " (
عادل حبه : عباس بيزه وحسنة ملص وضحايا عائلة الكواز ، في الحوار المتمدن العدد 2117 بتاريخ 02.12.2007) ""
فهل يعيد التاريخ نفسه اليوم مع البعث الإسلاموي؟

هذه الجراثيم الطائفية بكل انشطاراتها وتكاثرها وبجميع احزابها وتجمعاتها لابد لها من الزوال طال الزمن بها ام قصُر. هذه هي الحقيقة العلمية التي لابد لها وان تتحقق. فكما توصل العلم الحديث ويستمر في التوصل إلى اكتشاف مضادات وعقاقير ضد مختلف الجراثيم المسببة لأخطر الأمراض، ويظل يطورها بما يتناسب ومكافحة هذه الجراثيم حتى في اعلى مراحل تطورها، سيتوصل ايضاً إلى انجع الطرق في مكافحة الجراثيم الطائفية التي تعشعش الآن في زوايا احزاب الإسلام السياسي بكل اشكاله القديمة والجديدة وبكل توجهاته السياسية الدينية (السيادينية). ولقد اثبتت لنا تجارب وحياة الكثير من الشعوب كيف انها نجحت قبلنا بالقضاء على هذه الجراثيم عبر العلم والحضارة والدولة المدنية الديمقراطية، فهل لنا ان نقتدي بهذه الشعوب ونسير على نهجها الحضاري هذا؟

 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter