|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  13  / 11 / 2015                                أ.د. سيار الجميل                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

حقيبة ذكريات

عزيز أفندي خياط 1893-1973م
فنان عراقي رائع صاحب صوت شجي

أ. د. سيّار الجَميل *
(موقع الناس)

الحلقة الاولى : سيرته وشخصيته وابداعه

مقدمة
لقد آليت على نفسي ان انشر مقالتي هذه بحلقتين اثنتين عن احد الشخصيات الموصلية الرائعة من المبدعين العراقيين المغمورين ، وكان الرجل قد عاش في النصف الاول من القرن العشرين وجمع الثقافة والطرب والفن وقراءة القرآن وقراءة المقام والانشودات والتنزيلات الموصلية مع الموشحات .. بالرغم من كونه تربويا ومعلم اجيال ومدير مدرسة مشهورة ومفتشاً تربوياً ومدير معارف لسنوات طويلة ، وكان قد تنقل في مدن عراقية عديدة شمالا وجنوبا ، وعاش في العاصمة بغداد ردحا من الزمن ثم زاول عدة وظائف بصفة " مدير " .. ولما كنت قد عرفته معرفة قريبة ومنذ زمن طويل ، فلابد من احياء ذكراه احتفاء بكل المبدعين العراقيين الافذاذ الذين انقرضوا هذه الايام ، وطويت ذكراهم ، ونسيت جهودهم ، وامحّت قيمهم واخلاقياتهم ولم يعد يذكرهم احد .. وكانوا قد ولدوا وعاشوا وماتوا في العراق وقد خدموا مجتمعهم ودولتهم على احسن ما يكون .. وهذا عزيز افندي خياط احد اولئك المبدعين العراقيين الافذاذ .

هذا الرجل .. من يكون ؟
هو عزيز افندي خياط ، كما جرت تسميته عند اهل الموصل ، او عبد العزيز خياط بن السيد يحيى بن قاسم بن أحمد، من بيت خياط ، وهناك في الموصل اكثر من عائلة تتسمّى بآل الخياط ، اذ هناك آل خياط من المسيحيين السريان الذين ينتمي اليهم الدكتور حنا خياط وزير الصحة الاسبق ابان العشرينيات ، وهناك ال احمد افندي بن الخياط وهو من علماء الموصل ، وهناك عائلة المرحوم ايوب صبري الخياط ، وهناك آل عزيز افندي خياط ، وهناك آل محمد سعيد الخياط وهناك اسرة قديمة منها احمد افندي بن محمد افندي بن طه الخياط .

يقال ان آل عزيز افندي ينتمون في الأصل الى بيت المصلي ، وكانوا قد استوطنوا الموصل قبل اكثر من 350 سنة ، اذ كانوا قد قدموا من عنه بعد ان هاجر جدهم الأعلى إلى الموصل، واستقر في محلة الامام ابراهيم المتاخمة لمحلة النبي جرجيس في قلب الموصل ، وقد درس جدهم على يد إمام مدرسة آل الخياط قرب الإمام إبراهيم ، فتكنوا بكنيته، وكان بيت جدهم يقع عند رأس المحلة المقابل للزقاق المؤدي إلى محلة (الكوازين) .

يقول المؤرخ ابراهيم العلاف : ” انه الاستاذ عبد العزيز يحيى السيد الملا احمد الواعظ الشهير بـ”عبد العزيز الخياط ” .ولد في الموصل وفي محلة الامام ابراهيم يوم 23-6-1893 م وأصل عائلته من لواء الدليم ، اي محافظة الانبار حاليا وهم (ال الواعظ) المعروفين في عانة ..جده عندما قدم الموصل اقصد الملا احمد افندي الواعظ انشأ مدرسة ومسجد الامام ابراهيم القريب من محلة رأس الكور . والامام ابراهيم هو ابن الامام جعفر الصادق عليهما السلام ، وعندما توفي دفن بجانب الشباك المطل على مرقد الامام ابراهيم ، وكان واعظا في جامع النبي جرجيس ، وخطيب جامع الامينية .وقد الف كتابا عن “رجالات الدين والشريعة والاعلام ” طبعه الاستاذ سعيد الديوه جي “(1).

اعماله ومواهبه وشخصيته
لقد اشتهر عزيز افندي خياط في النصف الاول من القرن العشرين ، وعاش ثماننن سنة ، اي بين 1893- 1973 وعمل معلما ومربيا ومدير مدرسة ومفتشا للمعارف ومديرا للمعارف .. وكان يعشق هواياته في قراءة القرآن وتجويده على الطرق السبع ، وعشق المقام الموصلي وغنى القصائد واجاد في الانشاد وقراءة الموالد النبوية والتنزيلات .. درس عزيز خياط في بداياته بدار العرفان ، وانخرط ليدرس في “دار المعلمين ” العثمانية في مدينة الموصل ، وتخرج فيها ليعمل في التعليم منذ سنة 1911 وكان ابن الثامنة عشرة من العمر ، وكان ذكيا جدا ، اذ تثقف بثقافة قوية في اللغة العربية والادب العربي ولازم منذ شبابه المبكر الموسيقار الفنان الكبير الملا عثمان الموصلي ودرس على يديه واخذ عنه الكثير ، فضلا عن استاذه الفنان الشهير السيد احمد (ابن الكفر) الذي تعلم منه طريقة الاداء للمقامات الموصلية وقراءة التنزيلة الموصلية ، وهي فن خاص بموشحات الموصل التي تقرأ في الموالد الدينية ، كما تعلم الموسيقى على يد الموسيقار الارمني الشهير نوبار في العراق ، وكان من اشهر معلمي الموسيقى العراقيين عام 1919 وبقي عزيز افندي يزاول التعليم والفن معا . وغدا لوحده في ما بعد مدرسة قائمة بذاتها ، اذ لم يكن تابعا لأحد ، بل كان قد فرض شخصيته القوية ، وغدا معلما ، لكنه للاسف الشديد لم يترك من بعده نخبة من التابعين الذين يمارسون نهجه وطريقته في التجويد والترتيل والقراءات والغناء الجميل .

لقد جاء عنه جريدة الرأي الجديد “الموصلية ” في عددها الصادر يوم 24 -5-2012 اذ كتبت تقول : ان عزيز خياط عين بعد تخرجه معلما ، ثم مديرا لمدرسة كويسنجق الابتدائية ، وقد نقل الى الموصل ليصبح مديرا لدار العرفان الابتدائية ثم معلما في مدرسة تطبيقات دار المعلمين سنة 1932 . وفي سنة 1938 صار مديرا للمدرسة الخضرية ، اذ قدم للعمل كي يدرس درس الفن والنشيد في المدرسة الخضرية ويعلم الصبيان الأصول الموسيقية ، وكان قد عمل معه كل من الاساتذة المثقفين الاوائل : المؤرخ أحمد الصوفي والمثقف الماركسي الاول في العراق يحيى قاف العبد الواحد والاستاذ يوسف كنعان وغيرهم . بقي عزيز افندي في وظيفته معلما ناجحا ، وكوّن له شخصية محبوبة حتى نصّب مديرا للمدرسة الخضرية (وكانت تسمى بالخضرية لقربها من جامع الامام الخضر المطل على دجلة خارج ســــور الموصل (2) ويقال انه دمّر هذا اليوم بفــــــــــعل داعش) .. كانت شخصيته واقعية جدا ، وكان سريع البديهة وطليق النكتة وحسن المعشر .. وكان فكها يرد على السخرية بأجمل منها ويتمتع بمحبة الجميع في المجتمع ، فهو يعلّم ويدير مدرسة وينشد الاناشيد الوطنية لتلاميذه بصوته في ساحة المدرسة في كل صباح ، وله مكانته في مجالس المثقفين الكبار ، ويقرأ القرآن الكريم في الجوامع والمساجد ، ويرافق القراء والمنشدين في الموالد ليشاركهم قراءاتهم للتنزيلات الموصلية بصوته الرخيم .. وفي الليل يحضر حفلات الطرب ، ويقرأ المقامات الموصلية بكل انواعها التي كان قد ضبط انظمتها سواء على الطريقة الموصلية او البغدادية بصوته العذب ، وكان يحضر ويغني في حفلات الأنْس في المناسبات التي كان يقيمها العديد من اصدقائه في دورهم او في سفراتهم الربيعية . اجاد العربية والتركية والكردية والفارسية وغنى في هذه اللغات كلها ، وكان على صلة بوجهاء مدينة الموصل منذ العشرينيات امثال الاساتذة : علي الجميل ، و د. فاروق الدملوجي ، و د. داود الجلبي ، واسعد العمري واخوه الاصغر خير الدين العمري ، وتوفيق الدملوجي ، ويونس بحري وفريد الجادر وغيرهم ، .. وكان يضبط كل المقامات العراقية ويجيد كل انواع الغناء العراقي وبعدة لغات كالعربية والتركية والكردية .. وبإجادة كبيرة. وقد شهدت حفلة قال عنها بنفسه انه سيرسم فيها خارطة عراقية ، فاذا به يغني كل الوان الغناء العراقي بدءا بالكردية والتركمانية والبدوية والحضرية والريفية ثم الجنوبية والمقام البغدادي والموصلي والكركوكي وصولا الى الخشابة بالبصرة .. وكان الرجل يوثق علاقته بالجميع ، وخصوصا من اصحاب النفوذ والجاه في كل مدينة يقيم فيها ،وكان على اتصال بالمسؤولين الكبار في كل مكان يذهب إليه، بسبب ما يمتلكه من مواهب وإجادته للغناء والطرب وبما يختزنه من ثقافة واسعة وحبه للمجالس وأماكن الغناء والطرب .

تنقلاته الوظيفية
انتقل الاستاذ عزيز خياط إلى العاصمة بغداد للتدريس ثم انتقل إلى مدينة السليمانية في أوائل عقد الثلاثينات وأصبح مديراً لمدرسة في كويسنجق ، ثم عاد إلى بغداد ، وقد حدثنا قائلا (اذ سمعت منه المعلومة التالية عدة مرات) انه قد استدعى من قبل المسؤولين الكبار في بغداد ليكون اول من يفتتح دار الاذاعة العراقية في بغداد ابان الثلاثينات من القرن الماضي بتلاوة القران الكريم وكان انئذ معاونا لمدير معارف (تربية) بغداد .. وكانت الاذاعة عبارة عن غرفتين من الجينكو وتقوم المرسلات الى جانبها .. كما سمعت منه قوله انه كان قد درب على يديه بعض المقرئين البغداديين الذين اشتهروا لاحقا في دار الاذاعة العراقية ومنهم المقرئ محمود عبد الوهاب وغيره . وانتقل ليعمل في الجنوب ثم ارتقى ابان الثلاثينيات حتى أصبح مديراً لمعارف بغداد (مديرا للتربية والتعليم) ، ثم نصّب مفتشاً في العديد من ألوية العراق ، اي مفتشا لمدارس البصرة والمنتفك والعمارة والديوانية ثم مديرا لمعارف -تربية الدليم وبعدها مفتشا لمعارف المنطقة الشمالية - الموصل واربيل سنة 1941 . ومن ثمّ أحيل على التقاعد عام 1941 بعد فشل حركة مايس / أيار التي قادها الضباط الأربعة برئاسة رشيد عالي الكيلاني. وكان وقت ذاك مديراً لمعارف تربية لواء الرمادي. وكان يمتلك نزعة وطنية عميقة ، وينشد الاناشيد الحماسية ويعزو الدكتور العلاف قائلا : ” ترك التعليم بعد ثورة مايس 1941 المعروفة بحركة رشيد عالي الكيلاني والحقيقة ان الانكليز عدوا ساطع الحصري مدير المعارف العام مسؤولا عن شيوع التوجه القومي العربي في التعليم فأقصوا معلمين ومدرسين كثيرين عن التعليم وجاؤوا بمشرفين انكليز على التعليم ” “(3) وعاد الى الموصل ، ورجع الى حياته الاجتماعية الاولى وبقي 6 سنوات ، ثم حاول عزيز خياط أن يجد عملاً له في بغداد ، متذرعا بأصدقائه القدماء ، فكان ان عاد إلى الوظيفة عام 1947 واضحى مفتشاً ، ولكن أحيل على التقاعد ثانية عام 1950. فعاد إلى الموصل ، ومكث فيها اربع سنوات وكانت صعبة جدا ، وعاد الى بغداد عام 1954 لعله يجد عملاً، لقد كان عزيز خياط قد عمل في الادارة ، فأصبح مديرا لإدارة بلدية الموصل وبعدها مفتشا لمديرية الري والاشغال العامة ، ثم مفتشا عاما للمصايف الشمالية ، ومديرا لإدارة حلج الاقطان في كركوك ..احيل على التقاعد وتفرغ لنشاطاته الخاصة ..

وكانت الدنيا قد تغيرت بظهور جيل جديد ، وقد رحل او تقاعد معظم ابناء جيله ، وقد سكن في بغداد الجديدة ، إلا أنه لـم يوفق فعاد إلى الموصل بعد سنة من فراقها !

بيته وبستانه قرب غابات الموصل
عاد عزيز افندي إلى مدينته الموصل برفقة عائلته التي كانت قد كبرت ، وقد ضاقت الدنيا عليه خصوصا عندما وجد أن تقاعده لا يكفيه او يسد رمقه ابدا ، خصوصا وانه لم يدخّر له مالا ، وكان سخيا ومضيافا . وعليه ، فقد اشترى له قطعة ارض في قرية القاضية القريبة من الموصل والواقعة خارج مدينة الموصل على طريق الموصل تلكيف دهوك ، وهي تقع على الشارع العام ومكانها اليوم مقابل الطريق الي يوصل الطريق العام بمنطقة الغابات مقابل فندق اوبروي نينوى ، وبنى له بيتا فيها ومعه بستان يزرعها بعد ان حفر له بثرا فيها ، وعاش هو وأولاده من غلة البستان وذلك منذ بداية عقد الخمسينات وكانت داره أول دار تقام في تلك القرية التي كانت في ذلك الوقت نائية ، واذا كانت اكواخ القرية مبنية على التلول ، فان بيت عزيز خياط كان يقع على الشارع العام الذي يربط الموصل بدهوك ، وتقع القرية بين المجموعة الثقافية التي لم تبن في لك الوقت بعد وبين كل من مار كوركيس وقرية الرشيدية وكان بيتا متواضعا جدا وقد بناه من الحجر . لقد غدا بيته وبستانه محل سهر وطرب ، اذ اخذ يسهر عنده وجهاء المدينة وكبار اعيانها ليستمعوا إلى غنائه ويطربوا لشدوه ، وتوثقت علاقته بأبناء اصدقائه القدامى . وكان من اصدقائه القدامى متصرف الموصل الاستاذ سعيد قزاز ابان الخمسينيات ، وكثيرا ما كان يحي الحفلات ، وكان من اخص اصدقائه كل من الاساتذة : والدي القاضي كوكب علي الجميل ، والمتصرف صبحي علي آل عبيد اغا الجليلي ، والوجيه حسن خير الدين العمري ، والسياسي الشهير سامي باشعالم ، والمؤرخ المعروف سعيد الديوه جي ، والقاضي عبد الهادي الجوادي ، والوجيه سالم نامق ، والرحالة الشهير يونس بحري ، والقاضي عبد الله الشبخون ، والقاضي اسماعيل العمري ، والوجيه صالح حديد ، والوجيه نوح الجلبي ، وقارئ المقام الشهير سيد اسماعيل الفحام وغيرهم. وكلهم من أصحاب المجالس العامرة ومن المحبين للطرب والغناء ، وكان عزيز افندي خياط يحي حفلاتهم بغنائه وبصوته العذب .. وكان من قبلهم الاساتذة : متصرف الموصل سعيد قزاز ، والاديب المصلح علي الجميل ، والقاضي ابراهيم الواعظ ، وتوفيق الدملوجي والاخوة الاعيان الثلاثة مدير الاوقاف أسعد ورئيس الوزارة المهندس ارشد ورئيس البلدية خير الدين العمري ، ومؤسس المكتبة العامة جميل الجميل ، والوجيه حمدي جلميران ، والتربوي الشهير يحي قاف العبد الواحد ، والوجيه نجيب الجادر ، والوجيه عبد الله نشأت وغيرهم رحمهم الله جميعا .

 

* مؤرخ عراقي
 


 


 





 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter