|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  2 / 3 / 2018                                 د. رابحة مجيد الناشئ                                   كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 
 

 

لقاء مع الفنان الفوتوغرافي العراقي كريم ابراهيم
Rencontre avec le photographe IraKien
Karim Ibrahim

د. رابحة مجيد الناشئ
(موقع الناس)

التقينا بالفنان الفوتوغرافي العراقي كريم إبراهيم في خيمة طريق الشعب المحتفِلَة بعيد الإنسانية، عيد جريدة اللومانتيه (الجريدة المركزية للحزب الشيوعي الفرنسي) في ﭙﺎريس، أواسط سبتمبر 2011 . ومثل كل عام يكون اللقاء حميميا بين المُلتقين تحتَ هذه الخيمة.

كانت الخيمة مزدانة بالأعمال الفنية ، معارض جميلة تطرز جدران الخيمة... صورٌ فوتوغرافية معلقة على الجدار الأيمن للخيمة استفزتني بجمالها ، تمثل الصابئة المندائيين وهم يقومون بطقوسهم الدينية وبلباسهم الديني (الرستة) وهي الملابس الطقسية للصابئة والتي يجب أن تكون باللون الأبيض، رمزاً للنور والنقاء والطهارة والسلام، وأمامهم (الدرفش) وهو راية الحُب والسلام ورمز الفلسفة الصابئية. هذه الصور الفوتوغرافية هزت مشاعري بجمالها ورمزيتها فاردت التعرف على الفنان الصابئي الذي أنجزَ هذا المعرض .... وكانت المفاجئة الجميلة حين قال لي مُنظمو الاحتفال، إنَ الفنان الذي تفتشين عنه ليس صابئياً، بل مسلماً، و هو الفنان الفوتوغرافي كريم إبراهيم. وهكذا التقيت بالفنان كريم ابراهيم الذي كان متواجداً تحت سقف هذهِ الخيمة ، وأردت معرفة المزيد عن هذا المعرض وعن تجربته الإبداعية في ميدان التصوير الفوتوغرافي.

ولد المصور كريم إبراهيم في عام 1952 في مدينة العمارة جنوب العراق، وهو خريج جامعة بغداد – علوم سياسية وقانون. في بداية عام 1980 ترك العراق (مضطراً) إلى بلجيكا، وتحديداً إلى بروكسل التي يُقيم فيها لحد الآن. في بلجيكا حصل أولاً على ماجستير في مجال العالم الثالث (تنمية وتعاون)، ثم اتجه في سنة 2000 لدراسة فن التصوير الفوتوغرافي ولمدة خمسة أعوام ، وأنهى هذه الدراسة في عام 2005.

عاد كريم إبراهيم إلى بلده العراق عام 2004، بعد غيبة دامت 24 سنة، ثم كرر زيارته لبلدهِ في عام2005، وتمكن من التقاط الكثير من الصور... وتنوعت المواضيع التي طرحها في معارضه الفنية، إلا أن اهتمامه كان منصباً في الأساس على الإنسان ومفردات حياته اليومية. كما اهتم بالهجرة والاديان والتعدد الثقافي. وقد نشر في عام 2006 كتاباً بعنوان (العراق اليوم)، وأقام عدة معارض فوتوغرافية :

- العراق اليوم
- القاهرة القديمة
- عمال المعادن في مدينة (بيزﻨﮕﻳن)
- بروكسل روح المدينة

عن بدايات تعلقه بالتصوير الفوتوغرافي يحدثنا كريم بحبٍ ودفءٍ عن مدينته العمارة، وكيف كان منظر الكاميرات المعلقة في المحلات يستهويه... إلا أن الطفل المُحب لم يحاول آنذاك كشف سر ذلك الإعجاب وذلك الحُب. في بلجيكا وتحديداً في عام 2000 وحين كان كريم يعاني من البطالة، عاد بذكرياته إلى العمارة وكاميراتها التي كانت تغازله وهو صغير.... فقرر دراسة فن التصوير، وهكذا بدأت رحلته الفنية بتسجيله في أكاديمية الفنون الجميلة في (أندر ليخت)، وبدأت علاقَته مع التصوير تترسخ وتحولت هواية الأمس إلى حبٍ وشغفٍ والتحام، بتشجيع من الأهل والأصدقاء..

تأثَر كريم إبراهيم بالمدرسة الإنسانية الفرنسية وبأعمال الفوتوغرافيين الفرنسيين، هنري كارتيه بروسون، روبرت دانو و ويلي رونيس، وتأثر كذلك بالفنان البرازيلي سالكادو، الذي يرى بان الصور يجب أن تُعنى بالإنسان الذي يُقاوِم مِن أجل حُريته، ويجب ان تكون هذه الصور قادرة على مَنح فرصة الرؤية لِمن لا يستطيع السفر.

وعن كتابه الذي صدر في عام 2006 يقول كريم: ‹‹ عندما زرت بلدي بعد غيبة طويلة في عام 2004، كنت آنذاك طالباً في سنتي الأخيرة في الأكاديمية وكان عليَّ أن أقدم عملاً فوتوغرافياً لأداء الامتحان أمام لجنة من الأساتذة المختصين، وهكذا وفر لي وجودي في العراق فرصة ذهبية، فقمت بتصوير العراقيين ضمن أطيافهم المتنوعة وكانت صوراً واقعية تظهر العراقيين وهم يعيشون حياتهم اليومية رغم ظروفهم الاستثنائية، مما أثار اهتمام، وربما إعجاب أساتذتي في الأكاديمية لذلك شجعوني على طبع صوري في كتاب أسميته (العراق اليوم) .

سألنا كريم إبراهيم عن السبب الذي دفعه لتصوير طقوس الصابئة المندائيين، إستغرق فناننا في الصمت ثم قال:

‹‹ من الصعب أن أفهم ما يحصل ببلادي، أُمور سيئة غريبة لا تُطاق... فكل يوم نسمع عن اضطهاد الأقليات وتهميشهم ودفعهم للهجرة والتغرُب، وكنت أسأل نفسي عن كيفية الوقوف ضد هذا الظلم والاضطهاد.. وكيف يمكنني الاحتجاج ؟... وهكذا وضعت مشروعي الفوتوغرافي لتصوير هذا المكوِّن العراقي الأصيل.... هذا المشروع جلب لي الراحة، لأنَني به أُسجلُ احتجاجي على ما يجري في بلدي الحبيب العراق ››. ثمَ استطردَ قائلاً :
‹‹ عندما كنتُ في هولندا لأُصور مشاهد الطقوس المندائية ، كنت فرحاً بهذا اللقاء واعٍ لخصوصيته ويمكن أن ألخصَه بكلمتين: توثيق هذا الوجود الإنساني وهذه المعاناة لهذِه الطائفة، وتصوير جمالية هذِه العبادات العريقة وقدسيتها. ومشروعي القادم هو تصوير المكوّنات الأخرى للشعب العراقي كالمسيحيين واليهود والأزيديين ››.

لم يُصوِّر الفنان الفوتوغرافي كريم إبراهيم، الطقوس المندائية لأجل توثيقها تاريخياً فحسب، بل كان ذلك لجمالية هذه الطقوس ولمضامينها الروحية ورموزها الداعية للسلام والمحبة.

تأثر الفنان بحسهِ المرهف الصادق بما يحدث للأقليات في بلده الذي يحبه والذي إعتاد على طيبة أبنائه، فانفعل بهذِه الأحداث مسجلاً احتجاجه على الظلم بصورٍ فوتوغرافية تكشف بدورها عن قيمهِ الإنسانية وميراثه الفكري والاجتماعي.

تحدَثَ لنا الفوتوغراف كريم ابراهيم كثيرا عن مشاريعه المستقبلية وعن احلامه في أن يسود التآخي، وَأن تَعُم المحبة بين أبناء شعبه ،وأن يَحلَ السلام في ربوعه ،وتَتَحَقَق العدالة الاجتماعية و يكون التسامح هو الشعار السائد....الفنان الفوتوغرافي كريم إبراهيم ، مسلمٌ حقيقي، بروحية وفلسفة صابئية.

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter