|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  15 / 3 / 2016                                 د. رابحة مجيد الناشئ                                   كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 
 

 

احتفاء بالشاعر الفرنسي
أَلَن بورن

Hommage au poète français
Alain BORNE

د. رابحة مجيد الناشئ
(موقع الناس)

بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد الشاعر الفرنسي ألن بورن - Alain BORNE ، خصصَ بيت الشعر لمدينة ﭘواتيه الفرنسية –
La Maison de la poésie de Poitiers أُمسية شعرية – موسيقية للاحتفاء بهذا الشاعر، احد كبار شعراء القرن العشرين في فرنسا والذي تركَ بصماته الأدبية في المجتمع الفرنسي .

وقد ساهمَ في احياء هذه الأُمسية الكاتب والشاعر الفرنسي ﭘﯿَر ﭬﯿﻨود -  Pierre VIGNAUD الذي تحدَثَ عن حياة الشاعر ألَن بورن وعرضَ مؤَلفاته كما قرأَ بعضاً من قصائدهِ.

واشترَكَت الشاعرة اليزابيث ﭘَﻠوكا -  Elisabeth PELLOQUIN بعمل مونتاج مُصوَّر عن بعض مراحِل حياة هذا الشاعر وقرأت العديد من قصائدهِ.

أما الموسيقي ﻓﯿﻠﯿﭗ مونيَّة -  Philippe MEUNIER فقد صاحبَ القراءات الشعرية بعزفهِ الرائِع، وَأحياناً كان الثلاثة يشتركونَ في قراءةِ قصيدة واحدة او في قصائدَ متنوعة في آنٍ واحد وَ بانسجامٍ وتناسقٍ تام... عن هذهِ الأمسية، ارتأيتُ أن أترجمَ للقراء الأعزاء شيئاً عن حياة هذا الشاعر والبعض من قصائده التي استمعَ اليها جمهور هذه الأمسية الجميلة.

ولدَ الشاعر ألن بورن عام 1915 ، وبعد الحرب العالمية، استقرَت عائلته في مدينة مونتَليمار الفرنسية، وكان عمره آنَذاك 7 أعوام، وفي هذه المدينة اكملَ دراسته ليصبحَ محامياً ولم يغادر هذه المدينة أبداً، وقد نالَ اعتزاز اهاليها حتى انَ ثانوية مونتَليمار التي درسَ فيها تحملُ اسمه الآن تكريماً لذكراه.

كانَ الشاعِر الن بورن يكتبُ كثيراً ولا ينشر، لِدرجةِ أنَ نصفَ انتاجه الأدبي ظهرَ بعدَ وَفاته عام 1962، في حادثِ مرور وهوَ في طريقه الى المرافعة في احدى القضايا، وكانَ عمره آنذاك 47 عاماً. ومنذ ظهور كتاباته، نالَ ألن بورن اعترافاً حقيقياً لمنزلتهِ الشعرية من لَدنِ كبار الشعراء بلغ ذروته في سنوات الأربعين وخلال سنوات الاحتلال، حيث كان آنَذاك يساهم مع آراﮔـون وَﭘول ايلوار وغيرهما من الشعراء في شبكة للمقاومة الأدبية -
 Réseau littéraire de résistants

لويس آراﮔـون الذي اكتشَفَ ديوان الشاعر الموسوم - ثلجٌ وَ 20 قصيدة
Neige et 20 poèmes، حَيّا غنائيته وأهدى لهُ قصيدة -
فيما يلي مقطع من هذه القصيدة :

ألَن أنتَ الماسكُ بالنسيم
ثلجٌ نراهُ في عِزِ شَهرِ آب
ثلجُ لا أعرِف مِن أينَ توَلَّد
كَمثلِ تَجعدِ صوف الأغنام
وَرشق الماءِ على الحوت

أما الشاعر ﭘﯿَر سيغيرس -
Pierre SEGHERS ، فقد كانت له علاقة حميمية معَ ألَن بورن، وهوَ يضعه شعرياً في مستوى الشاعر ﭘول ايلوار.

ولكِن مَن تحَدثَ بإسهابٍ عن جمالية وَ تأثير أشعاره، هوَ الشاعر الفرنسي رَينيه شار - 
René CHAR

الكتابة والحُب والشعر
الكتابة بالنسبةِ لهذا الشاعر، ترياقٌ ضد الموت ‹‹ أتَحاشى الموت مِن جديد بكتابتي لقصيدة ››، والحُب بالنسبةِ له شيء كالصاعقة، ويقول في احدى قصائده: ‹‹لو كنتُ أعرفُ ما هوَ الحُب، للزمتُ الصمتَ طويلاً ››، أما الشعر فهوَ الحياة : ‹‹ الشعر فقط هوَ الحياة، وكل ما عداه، هوَ قوتٌ ...وسائلَ للعيش ››.
وفي احدى قصائده بعنوان التفكير فيكِ - 
Penser à toi  يقول الشاعر:

التَفكيرُ فيكِ
يبقى أثمنَ صَمتٍ لي
الصمت الأطوَل والأكثرَ هَيجاناً
أنتِ دائماً فيَّ
مثلَ قلبي غيرَ مرئي
لكن كَقلبٍ يُحدِث الألم
كَجرحٍ يُنعِش الحياة

وفي قصيدةٍ أُخرى يقول :

La Nuit me parle de toi
الليل يُحدثني عنكِ

لا يُمكِن لِشفتيَّ أن تنفَتِح
إلّا لِتَنطقَ باسمكِ
لِتُقَبِلَ فمكِ
تَصبحُ أنتِ في البحثِ عنكِ
الليل لا يمنَحني أحلاماً
مَليئة بنساءٍ شفافات
بل يَحمل لي صورتكِ
حتى لا يخنقني غِيابكِ
بشكلٍ تام
أكيدٌ أنا جائعٌ ظمآن
مِنكِ أنتِ فقط
مثقَلٌ بسبِ غيابكِ
حيثُ يجبُ أن تأتي
حتى أخيراً أكونُ أنا
وَتكونينَ أنتِ ونَكونَ نَحنُ
سَنصبحُ اثنين أو واحِد، لا أدري
سنصبحُ مثل الصاعقة
أُحبُكِ وَلستُ موجوداً إلّا لحبكِ
فَحتى لو تَحدثتُ عن زهرةٍ
يتعلقُ الأمر بكِ
وَحتى عن الخبزِ والعسَل
أو الرملِ، أو حتى عنّي

المُرعِبُ آتٍ :
أن أحبكِ حَقاً،
لا أكونُ شيئاً إلّا أنتِ
لا أتنَفس إلّا إذا كُنتِ هنا،
لا أرى إلّا إذا كانَت عيوني عيونَكِ
أينما استقرَّت

المُرعبُ آتٍ :
حينَ أقولُ ‹‹ أنتِ حُبي ››
لا يتعلَق الأمر أبداً بكلمتين بَسيطتين
لكن بِكلمتين أًخريتين
مُفعمَتين بدمنا الممتَزِج.

وفي بعض قصائده تَكشفُ كَلِمات ألَن بورن عن هامش الحياة الأولية ‹‹الطفولة ››، حيثُ توفيَّت والدته وهوَ صغير جداً وقد تربى حَصراً من قِبَل النساء، وعندَ توديعه لزمن الطفولة ، اصبحَ شغوفاً، ثَمُلاً بكلِ ما يتعلَق بالنساء...ببشرَتهنَ، بقوامهنَ، بثيابهنَ، برائحتهُنَ...ولربما كانَ بذلكَ يبحثُ عن تلكَ الطراوة الأُولى لمرحلة الطفولة، وعلى كل حال فإنَ جوعه وتعطشهِ للنساء لم يكُن مُشبعاً أبداً والغياب دائماً هوَ المنتَصر:‹‹ الحب عندي ينتهي قبلَ أن يبدأ ››، وهوَ القائل أَيضاً :

Dis – moi que tout n’est pas fini de mon enfance
قُل لي بأنَ كُل شيء من طفولتي
لم ينتهِ بَعد
وَأنني لم استنفِد الألعاب،
وَبأنني سأضحكُ من جَديد
في مِئزَرٍ أبيض
قُل لي بأنَ روحي ستغدو فَتيَّة
وَبأنَ أيادٍ ناعمَةٍ مَجهولة
بِرفقٍ تُغَطيها بالزهور
وَبأنَ هُناكَ مَن سَيبحَثُ ثانيةً عن روحي
في عينيَّ المرفوعَتين نحوَ السماء.

مَن سيَكونُ هُنا قريباً جداً مني ؟
أي صوتٍ هادئ سوفَ
يُبقي الموسيقى في قلبي ؟

مُنعزلاً، مُنزوياً، ألَن بورن، هوَ كذلكَ حتى في الشعر، لم يأمَل إلّا في الصمت، وكانَ دائماً في الجانب الآخر مِنَ المَرايا والمظاهر :
‹‹ ليسَ هُنالِكَ من حاجَةٍ للصراخ، الفخُ عميقٌ وأهبطُ أنا فيهِ مُنشِداً، وعلى مَعرِفةٍ بِأنَه فخ، وَبأنَني لن أجِدَ الهواء الطلق، حيثُ ارتِعاش النجوم كَمثلِ العيون التي تَمسها الريح ››.

التشاؤم والخوف منَ الموت سادَ حياة الشاعر الن بورن حتى أصبحَ تشاؤمه أُغنية مُركَزة، وأصبحَ الفزع من الحفرة المفتوحة يجلِب له الرعب ويجعله يرى أَنَ الحياة تكونُ هكذا :
‹‹ إنَهُ العبور مِن أسوَدٍ الى أسوَد، مِن خِلال الضوء الذي أُغنيه، استَمعوا الى قِصتي الذاهبة مِن موتٍ الى موت، لكِنني عشتُ، وأنا مُدرِكٌ بأنَ كُل شيء هوَ عَدَم، لكنني أُحبُ العدَم وأُغني لَهُ ››.

الخوف من الاختفاء و الخوف من الموت الذي عاشهُ الشاعر، ينعَقِد برَقبةِ أشعارهِ وَيجعله في دَوار :

Je m’endors et je meurs
أَنامُ وأموت
وحينَ أكونُ ميتاً
لَن تُفكري أَبداً بيَّ
صمتٌ وَغياب
اسمٌ على زهرةٍ لؤلؤيَّة
حيثُ لن أكونَ هُنا لانتزاعِ بَتلاتها
أحبكِ بعمقٍ، بِشَغَفٍ
أنهِكي يديكِ الرقيقتين برفع شاهد القبر
ارفَعي البلاطة لأَنَني هُنا
لستُ بِصَددِ البحث عن الشفتين والعينين
بَل، حَفنة تُراب حيثُ ينبَجِس القمح
القمحُ هوَ نَظرَتي
القمحُ هوَ قُبلَتي
أقلَ من الخشخاشِ أنا

أقلَ مِن زَغب العندَليب
صانعُ فصلَ الصيف
الصيف هوَ موسمي الكبير،
وأنتِ الحلم الوحيد لإدامَتي مُستَيقظاً
وَ عندَما أموت لن تُفكري بيَّ أبداً
مَعي سَتموتُ موسيقاي
فإن غنتها من جَديدِ شِفاهٌ حيَّة
سَتكونُ هيَ التي مَن تُحبين.

ومِن كتابه : ‹‹ كانَ بالأمس وهوَ الغَد ››، اليكُم هذا المقتطَف :

أعلَم أنَكِ تُقَضِّينَ الليل ساهرَةً
في هذهِ الليلة البيضاء
التي تبدو وكأنها بستان
تَعصفُ بهِ الريح
رُبما أكونُ وَحيداً معَ جرحي
رُبما أكونُ بعيداً عَنكِ
عَن هذا الوجه الذي أعيشُ لأجله
وهذهِ الأيادي المفتونة برغوةِ النجوم
وهذا الجسد الطاهِر وبدونَ قُبلة
أحسِدُ أنا غُرفَتكِ
حيثُ تَراكِ هيَ كل يوم
هذه الطاوِلة، هذهِ الكُتب ولون الحائط
والنافذة حيثُ يَهرِسُ وَجه المَساء سَواده
والماء المُتَدَفِق بينَ أصابعكِ
تَصرَخُ وِحدَتي من خِلالِ هذهِ الوَرقة
كما هوَ الحالُ في القلعة
صَوت الأمير نَحوَ الجميلةِ النائمة
أُوه احبكِ....
وحدَتي تَصرَخ وَتَمدُ يديها البعيدَتين
مُتَلَمسةً الطريق نحوَ يديكِ
لا أُريدُ هذهِ القَصيدة
ولا أُريدُ حُلمي الكاذِب
بل خُبز شفَتيكِ
بَل خمرة عينيكِ
الهواء الذي تتنفَسين.

عاشَ ألَن بورن في منفى أبدي، شاعرٌ مُرتَعدٌ وَمُتَرنِح بينَ الرغبة العارمة في احتياز النساء، وَبينَ صِراخ الرعُب مِن الموت والاختفاء، وَشعرهُ كَثيف ، مُرَكَزٌ وَمُلَغَّز وَالغالبية منه تَدور في مِحوَرين : الحُب والموت.













 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter