| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رشيد كَرمة

rashid_karma hotmail .com

 

 

 

الأربعاء 11/3/ 2009



 متابعة أدبية
(2)

رشيد كَرمـــة

حملت العولمة لنا فيما حملت من سوء يطال الهاجس الوطني عند الشعوب آفاقا ًإيجابية حيث بات العالم على سعته صغيرا ً, على الأقل فـي جانب نشر المعلومات وهذا أمر حسن , وصار بالإمكان الإطلاع علـــى كمٍ غير قليل من البحوث والنظريات والأفكار والأخبار والأهم من ذلك كله ساهمت العولمة وآلياتها في كشف النقاب عن مصائرــ بشر ــ وأطلق سراح الكثيرمن الوثائق التي حرصت الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة العربية والإسلامية والعالمية على إعتقالها اسوة بالناس الذين ذادوا عــــن أفكارهم ومبادئهم , ويلاحظ أنه ومنذ هزيمة البعثيين المخزية فـــــي العراق أضحى تأريخ العراقيين بغض النظرعن قوميتهم ودينهم ومذهبهم وإنتمائهم الحزبي والفكري بشكل عام والشيوعيين العراقيين بشكل خاص مادة أدبية مهمة سواءعلــى مستوى المسلسلات التلفزيونية أو مجمل الأعمال الفنية التي تشكل مادة الدراما هدفها الأول , ولأن تناول عددا ًغير قليل من المثقفين العراقيين هموم الشيوعيين وتضحياتهم في الرواية العراقية فــي فترة الستينات والسبعينات كفاضل العزاوي , وجهاد مجيد وهشام توفيق الركابي في رواية المبعدون وآخريين , ألا ان شأن المطبوع آنذاك والواقع الإجتماعي شئ والفضائيات وعـالم الإنترنيت اليوم شئ آخر , علــى هذا حظي كتاب الرواية والقصة والأدب فـــي العصر الراهن بشكل عام بفيض من أجهزة الإعلام ومنها الندوة التي عقدت مؤخرا في الكويت وكانت برعاية مجلة العربي التي جعلت من تجديد وتجربة الإبداع العربي المعاصر عنوانا لها وكـــــــان البحث الذي قدمه ( د. عبد الله إبراهيم )عن الرواية العراقية الجديدة (حارس التبغ ) لمؤلفها ــ علي بدر ــ مهما ومتزامنا مع الأزمة العراقية من حيث مدياتها المتنوعة وما أفرزته مــــــن تداع خطير يمس جوهر المجتمع العراقي ويبدو ان ثيمة الرواية العربية سواء الفلسطينية منها والمغاربية والعراقية هــــــــي ثيمة المنفى والهوية ,,,,,. لذلك علق باحث مغربي قائلا : ان الرواية العربية في الوقت الراهن هي رواية الهجرة , ومن هنا يبدو لي ان سرد الأحداث في رواية ( حارس التبغ )وربطهما بما جرى ويجري في العراق بعد سقوط نظام البعث ساعد الراوي لأن يعكس بشكل وآخر مـــا يريد إيصاله الى القارئ .ومن هنا انتهينا في الحلقة الأولى * مــن هذه المتابعة الأدبية والتي أثارت إهتمام الكثيرين مـــــن القراء والمتابعين.ومن هنا يهتدي الراوي إلــــى فكرة بطلان الهوية الجوهرية: ذلك لأن حياة ( كمال مدحت ) تبين إمكانية التحول مــــن هوية إلى هوية عبر مجموعة من اللعب السردية، فتتحول الهوية إلى قصة يمكن الحياة فيها وتقمصها، وهنا يطلق هذا الفنان ضحكة ساخرة من صراع الهويات القاتلة عبر لعبة من الأسماء المستعارة والشخصيات الملتبسة والأقنعة المزيفة.ويأتي مآل الهويات كنتيجة فــــي نهاية الرواية، حيث تبلغ الحرب الطائفية ذروتها في بغداد، فيصنع الكاتب حركة درامية مذهلة تقوم على زيارة الأبناء الثلاثة لوالدهم في بغداد، فـ( مائير ) يهودي من أصل عراقي هاجر من إسرائيل إلى أميركا، والتحق بالمارينز وجاء كضابطاً فــي الجيش الأميركي إلــى بغداد عام 2003 ، وهو ثمرة شخصيته الأولى، و(حسين )بعد تهجيرة إلى طهران ارتبط بهوية شيعية، وانتظم في الحركة السياسية الشيعية وهو ثمرة شخصية الأب الثانية، و(عمر) كان سنياً يحاول أن يدعم هويته من تراجيديا إزاحة السنة عن الحكم في العراق بعد العام 2003 وهو نتاج شخصيته الثالثة، وكل واحد منهم كان يدافع عن قصة مصنوعة ومفبركة ومزودة بالكثير من العناصر السردية والوهمية، والتي يعيش كل واحد منهم فيها بوصفها حقيقة. يقول الباحث (د. عبد الله عمر ) أن الشخصية الأولى ليبرالية والثانية تقويه والثالثة سلطوية , كــــما ويستعير الراوي تأريخ الشيوعيين العراقيين الـــذين تعرضوا للإضطهاد كمادة او كعنصر بناء لحبكة وتداخل مهمين يفضيان الى جوهر الشخصيات الثلاث .

فـ( حيدر سلمان ) ، الشخصية الثانية في رواية حارس التبغ، يقترب من هذه الشخصية بالقدر والمصير، فبعد هربه من إسرائيل إلى موسكو، وهجرته إلى إيران بمساعدة الموسيقار الروسي ( سيرجي أيوستراخ ) و( كاكه حمه )الشيوعي العراقي المقيم في موسكو ، تقمص شخصية جديدة ليس بالاسم فقط، وإنما في كثير من التفاصيل التي درج العراقيون عليها في بحثهم عن مستقر ومكان وملاذ آمن , فلقد إختار تأريخاً جديداً لولادته وغير الكثير من تفاصيل حياته ,
يحاول ( علي بدر ) في روايته ( حارس التبغ ) الأستفادة القصوى من نص ألفارو دي كامبوس في كتاب (دكان التبغ،) وهي الشخصية الثالثة في الرواية حيث تتصف بأنها شخصية حسية،ذات رغبة محمومة بالتلذذ بالأشياء عن طريق تذوقها ولمسها، شخصية تريد أن تعيش بخدر على حساب الشخصيتين الماضيتين، وتريد التحليق في عالم الدخان والمتع والجنس.

وفي الوقت ذاته، ومثلما تلتبس شخصية كمال مدحت مع الشخصيتين الماضيتين، شخصية حيدر سلمان، ويوسف سلمان صالح، فإن آلفارو دي كامبوس هو كذلك تلتبس حياته مع حياتي الشخصيتين الأخريين.
لقد درس الفارو دو كامبوس الهندسة البحرية في غلاسكو، ثم سافر إلى الشرق ليجلب معه قدراً كبيراً من المتعة والاسترخاء والكسل، وبرر رحلته هذه ببحثه الدءوب عن الأفيون وجلبه، والأفيون نسبة للشرق هو عزاء شرف الشرق. أما كمال مدحت فقد ولد في الموصل في العام 1933، وهو تاجر معروف، سافر إلى إيران وجاء ليحمل معه قدراً كبيراً من حب المتعة، وليس من المستغرب أن تشك به السلطات في دمشق بأنه جلب معه قدراً من الأفيون من رحلته إلى إيران. وهكذا نصل في نهاية الرواية إلى مجموعة من التناظرات: يوسف سامي صالح في حارس التبغ هو البرتو كايرو عند بيسوا: (شخصية لا تؤمن بشيء). حيدر سلمان في حارس التبغ، هي ريكاردو ريس عند بيسوا: (شخصية متعلقة بالأشكال والرموز). كمال مدحت في حارس التبغ، هي الفارو دو كامبوس عند بيسوا: (شخصية تتعلق على الدوام بالمتع وبالإحاسيس).

يقول أحد النقاد عن هذه الرواية ( تنتهي رواية حارس التبغ مثل سمفونية عاصفة، سمفونية تأخذ ثلاث حركات: 1 – سريعة . 2- هادئة . 3- سريعة، وتتماثل مع ثلاث شخصيات في ديوان الشاعر الأرجنتيني ( بيسوا ) أولا ًــ كتورية شعرية تنمو من الهوامش الصغيرة والمهملة، ثانياً ــ كرواية ممتعة تلتقي مع الأحداث الكبيرة في حياة العراقيين والتي تماهت مع الرعب والعنف، والتهجير، وسطوة السلطة، وتخلف الجماهير، ثالثاً ـــ كعمل درامي خلاق يفسر صراع الهوية الفردية مع الهوية الجماعة، وكيف تتحول الذات إلى هشيم أمام لاوعي التاريخ وحركته المدمرة .


الهوامش
* للفائدة يرجى فتح الملف لأنه يحوي الحلقة الأولى
http://www.irak-k-k.org/wesima_articles/makal-20090310-25389.html
تنويه يحوي المقال مقتطفات مما تناولته قناة روسيا اليوم , كما إعتمدت على تغطية القناة التلفزيونية الكويتية وما تناولته الصحافة الخليجية بشأن الرواية ذاتها .


السويد 11 آذار
 

 ¤ متابعة أدبية (1)
 

free web counter