|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأحد  28 / 7 / 2013                                 رشيد غويلب                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

إقرار الوثيقة السياسية والنظام الداخلي

المؤتمر الاول لحزب اليسار اليوناني ينهي اعماله

رشيد غويلب

احتضنت قاعة التايكوندا في المجمع الاولمبي بالعاصمة اليونانية اثينا، في الفترة 10 -14 تموز الحالي المؤتمر الاول لحزب اليسار اليوناني، الذي انعقد في ظل اجواء ساخنة تعيشها اليونان، او كما وصفتها جريدة "هيرالد تريبيون" ، في مقال لها في اليوم الاول لانعقاد المؤتمر بـ"اليونان عند نقطة الغليان". ويكتسب المؤتمر اهميته لكون الحزب من اكبر احزاب اليسار الاوربية من حيث موقعه في الحياة البرلمانية، او قوامه التنظيمي، الذي عكسه العدد الكبير للمندوبينن اللذين شاركوا في اعمال المؤتمر.

في بداية المؤتمر اتحيت الفرصة لكل من  بيير لوران السكرتير الوطني للحزب الشيوعي الفرنسي، والرئيس الحالي لحزب اليسار الاوروبي، و واندروس كبريانو، السكرتير العام لحزب اكيل القبرصي، لإلقاء كلمة تحية بمناسبة انعقاد اعمال المؤتمر.

الكسيس تسيبراس رئيس حزب اليسار اليوناني

بعدها وجه الكسيس تسيبراس، باعتباره زعيما لتحالف اليسار اليوناني، كلمة  الى 3500  مندوبا مثلوا قوام المؤتمر، وأكثر من ألف ضيف، دعا فيها الى إنقاذ اليونان من "دمار اجتماعي وكارثة انسانية"، واكد تسيبراس ان النضال ضد سياسات التقشف لا ينحصر داخل البرلمان، بل يجب ان يمارس داخل المجتمع. ودعا جميع القوى التقدمية الى العمل المشترك، وجدد نداءه للحزب الشيوعي اليوناني، لبناء جبهة مشتركة ضد سياسات التقشف. ومن المعروف ان الحزب الشيوعي اليوناني مشدود للماضي، ويعتقد انه لا يمكن تحقيق تنمية نهائية ايجابية لصالح القوى العاملة، إلا من خلال الاستيلاء الثوري على السلطة من قبل غالبية الشعب العظمى وإقامة اقتصاد ديمقراطي تسيطر عليه الدولة ، ويمكن تحقيقه بشكل جماعي. ولهذا يرفض الحزب منذ البداية المشاركة في حكومة يسارية، ويرفض الحزب أيضا التعاون مع تحالف اليسار ويتهمه  بالانتهازية، وبعدم تبنى سياسة طبقية واضحة، وانه أي تحالف اليسار ينشر أوهاما حول إمكانية إصلاح الرأسمالية وجعلها إنسانية. وبتخذ الحزب الشيوعي نفس الموقف من حزب اليسار الاوربي، على الرغم ان الاخير يضم بين صفوفه العديد من الاحزاب الشيوعية. ويقوده حاليا السكرتير الوطني للحزب الشيوعي الفرنسي.

جانب من جلسات المؤتمر

وبانعقاد المؤتمر التأسيسي لحزب اليسار اليوناني، وهي التسمية المتداولة في الصحافة للحزب الجديد الذي يطلق على نفسه تسمية "تيريسا- الجبهة الاجتماعية الموحدة" تنتهي عشرون عاما شكلت عمر تحالف اليسار اليوناني، الذي ضم 12 حزبا ومنظمة يسارية جاءت من تيارات فكرية متعددة: شيوعيون، تروتسكيون، ماويون، اشتراكيون ديمقراطيون يسارون ، انصار البيئة، ومنظمات الحركة النسوية. يذكر ان تحالف اليسار احتل الموقع الثاني في البرلمان اليوناني بحصوله 27 في المائة من اصوات الناخبيينن وكان بامكانه ان يشكل حكومة يسارية، لولا المواقف المتشددة للحزب الشيوعي، والتباينات الموجودة داخل عموم قوى اليسار اليوناني. وكان للنتائج الانتخابية المتميزة دورا في انضمام آلاف الناخبين السابقيين للحزب الاشتراكي الديمقراطي الى صفوف كتلة اليسار، دون ان يكونوا اعضاء في احدى المكونات التنظيمية للكتلة، وهو ما عجل بضرورة تحويل تحالف اليسار الى حزب موحد.بقيادة واحدة ووثيقة برنامجية موحدة .
 
اهم الموضوعات في الوثيقة البرنامجية
 
شهد السبت ثالث ايام المؤتمر اقرار مشروع النظام الداخلي، مشروع الوثيقة السياسة، التي تضمنت الموضوعات البرنامجية للحزب الجديد. بعد مناقشات موسعة لم تخلو من الحدية والتوتر. وتناول المندوبون في مساهماتهم اهم الاسئلة الحارقة التي يطرحها الواقع المازوم في اليونان ، والمتمثلة بـ: البطالة،  المشردين، اتساع الفقر، العنصرية، صعود الفاشية، وتدمير البيئة. وشدد المندوبون على ضرورة ان يطرح الحزب برنامجا يتضمن حلولا للمشاكل ألآنية التي تعصف بالمجتمع، على ارضية اجراء اصلاحات جذرية، فضلا على تحديد رؤية مستقبلية لتطوير مجتمع مختلف عما هو قائم اليوم. وتضمنت الوثيقة السياسية موضوعات برنامجية عديدة يمكن الاشارة الى اهمها:
 
الغاء مذكرة التفاهم مع الترويكا
 
هناك اتفاق عام داخل المؤتمر على المهمة الاولى لحكومة يقودها الحزب تتمثل بالغاء مذكرة التفاهم مع الترويكا (صندوق النقد الدولي، المفوضبة الاوربية، والبنك المركزي الاوربي)، وذلك لوضع حد للكارثة التي تعيشها البلاد، وفي نفس الوقت الاقدام على توفير ضمانات اجتماعية منها تحديد حد ادى للاجور يوفر حياة كريمة للعاملين، توفير الرعاية الصحية، وتوفير الادوية وجعلها في متناول المرضى الذين هم بامس الحاجة لها، خلق فرص عمل جديدة. وبموازاة ذلك يجب تغيير اليات عمل الحكومة، والتاكيد على الاستثمار وتحديد الاولويات التي تساعد على انعاش الدورة الاقتصادية مجددا. وبشكل عام اعادة الشعور بالعدالة الاجتماعية ثانية.
 
المشاركة
 
وتوكد الوثيقة على التزام حكومة اليسار المرتقبة بوضع جميع الامكانيات المتاحة في مؤسسات الدولة تحت تصرف الشعب، لتنفيذ التدابير المطلوبة، بواسطة مشاركة ديمقراطية واسعة، وتحت رقابة مباشرة. و جاء الغاء محطات الاعلام العام، ليثبت بوضوح ان الضحية الاكبر لازمة النظام هي الديمقراطية. وان النخبة الحاكمة في اليونان غالبا ما تستند على دعم الفاشية الجديدة وحزبها "الفجر الذهبي" . واشارت الوثيقة بوضوح الى الضغوطات والتهديدات التي ستواجهها حكومة اليسار من الدائنين لثنيها عن الايفاء بالتزاماتها، لهذا تحدد الوثيقة ثلاثة شروط لخوض مفاوضات صعبة، ولكن ناجحة مع النخب الاوربية الحاكمة اليوم وهي:
 
1 – يجب ان تتحلى الحكومة التي تقود عمليات التفاوض بقوة القرار، وتكون واثقة من انتصارها.
2 -  يجب ان تكون الغالبية العظمى من الشعب موحدة وتدعم بقوة مساعي حكومة اليسار المرتقبة. 
3 – يجب قيام التحالفات المطلوبة للوصول الى توازن قوى ايجابي، في داخل البلاد، وفي الخارج. اذ يتحتم على جميع الشعوب وجميع العاملين اللذين يعيشون تحت ذات برامج التقشف القاسية، الوقوف سوية ومواصلة النضال المشترك.
 
لا تضحيات في سبيل اليورو، ولا اوهام بشأن العملة الوطنية
 
وتعلن الوثيقة عن هدف الحزب في انقاذ اليونان في اطار مجموعة اليورو، وللوصول الى تحقيق هذا الهدف يجب العمل سوية مع الشعوب الاوربية لالغاء مذهب التقشف القاسي لليبرالية الجديدة، وهو ما يعني اعادة  الهيكلية الحالية لمنطقة اليورو. وان هدف الحزب ليس انقاذ اليورو في اليونان، ولا يريد الحزب التضحية بالمجتمع والشعب اليوناني، لانقاذ اليورو، ودعم سياسة التقشف التي تقودها النخب الاوربية الواقعة تحت الهيمنة الالمانية. ان السياسة التي تتبعها الحكومة التي يعارضها حزب اليسار مبنية على التضحية بكل شيء من اجل انقاذ اليورو، وباختصار: لا تضحيات في سبيل انقاذ اليورو، ولا اوهام بشان عودة العملة الوطنية.

المندوبون اثناء التصويت

ان للحزب خطة لإنقاذ المجتمع،  قائمة على التفاوض القوي مع الجميع، وسنشرك شعوب جنوب اوربا في هذه الخطة، وكذلك القوى العاملة في شمال القارة. وخيار الحزب ليس الخروج من منطقة اليورو، ولكن ينبغي ان يستعد الحزب، وهو مستعد لكل الاحتمالات. وهو يريد ان تشترك جميع شعوب القارة في درء الكارثة.

وفي سياق اقرار الوثيقة السياسية رفض 70 في المائة من المندوبين مطالب مجموعة "المنبر اليساري"، التي دعت الحزب الى الدعوة الى الغاء جميع الديون، وتأميم جميع البنوك والصناعات الرئيسية، وحصر تحالفات الحزب لتشكيل الحكومة بقوى اليسار فقط، والانسحاب من منطقة اليورو.

مناقشات بشأن النظام الداخلي

اقر المؤتمر نظاما داخليا للحزب الجدبد تركز النقاش بشأنه في ثلاثة  قضايا: هل ستحل الاحزاب والمنظمات المؤسسة للحزب نفسها، وتعمل كأعضاء في الحزب الجديد؟ هل سيجري انتخاب اعضاء اللجنة المركزية بشكل فردي، ام بقائمة موحدة، او قوائم متعددة، وهل سيتم انتخاب رئيس الحزب مباشرة من المؤتمر، ام تقوم اللجنة المركزية بانتخابه؟ هل يسمح للاحزاب المؤسسة تسمية اعضاء اللجنة المركزية؟

 جانب من الجلسات

لم يشهد المؤتمر اتفاقا كاملا على عملية حل الاحزاب في اطار الحزب الجديد، اذ فضل البعض الاحتفاظ باطاره التنظيمي داخل حزب اليسار، في حين اعلن اكبر التنظيمات المكونة للحزب حل نفسه والذوبان في الحزب الجديد قبل بدء اعمال المؤتمر بيومين. وعملا بمبدا المرونة وسعيا لانجاح المؤتمر التأسيسي تم الجوء الى ثلاث خيارات هي:  قيام الاحزاب والمنظمات الموافقة على الذوبان في الحزب الجديد بحل نفسها، ان تحتفظ الاحزاب الرافضة للحل بتنظيماتها داخل الحزب على ان لا تمارس نشاطا تنظيميا خارج الحزب، ان تتحول الاحزاب الرافضة لحل نفسها الى تيارات داخل الحزب. على ان يستمر النقاش مع المنظمات التي لا تتفق مع احد الخيارات المطروحة، ورغم اتفاق اكثرية داخل المؤتمر على مبدأ حل التنظيمات المؤسسة، الا ان حلا نهائي للمشكلة رحل الى المستقبل.
 
وعلى الرغم من اتفاق الاكثرية داخل المؤتمر مع المبدا الذي طرحه الكسيس تسيبراس: "مندوب واحد صوت واحد"، ودعوته لانتخاب اللجنة المركزية بقائمة موحدة، ولعدم تغيب حق الاكثرية تم انتخاب رئيس الحزب مباشرة من المؤتمر، وجرى انتخاب200 عضو في اللجنة المركزية بنظام القوائم الانتخابية المتعددة. وبموجب هذا الاتفاق تم انتخاب الكسيس تسيبراس مباشرة من المؤتمر كرئيس للحزب الجديد، بعد حصوله على 74 في المائة من اصوات المندوبين، في حين تنافست قائمة الوحدة التي ترأسها مع قائمة   مع قامة "المنبر اليساري"، وقوائم صغيرة اخرى. وفي نهاية السباق الانتخابي حصلت قائمة الوحدة  على 67,6 في المائة من مقاعد اللجنة المركزية،واحتلت  على 135 مقعد، وحصلت قائمة "المنبر اليساري" على 30,2 في المائة، واحتلت 30 مقعد، وتوزعت المقاعد المتبقية على اربعة قوائم صغيرة  أخرى.    
 
لقد عكست المناقشات والآليات التي تم اعتمادها لانتخاب رئيس الحزب ولجنته المركزية، ان تاسيس حزب اليسار تجربة مقتوحة، ولكنها توفر فرصة ثمينة لانطلاق يسار قوي ومؤثر، قادر على تحقيق التغيير الجذري، ويجب الاستفادة من هذه الفرصة.
 
على هامش المؤتمر
 
وعلى هامش اعمال المؤتمر التقى رئيس الحزب، وأعضاء لجنة العلاقات الاممية بالضيوف الاجانب اللذين مثلوا الاحزاب الشيوعية واليسارية في القارات الخمس، والذين بلغ عددهم اكثر من الف ضيف، وفي هذا اللقاء اكد تسيبراس ان هم حزبه لا ينصب على الفوز في الانتخابات كهدف مجرد، بل ينبغي الفوز في الانتخابات للبدء في تحقيق التغيير الجذري، وبما ان الازمة لا تعني اليونان، البرتغال، او اسبانيا لوحدها، فالمطلوب الوصول الى حل اوربي "التغيير الجذري في اوربا". ولهذا السبب ينبغي على قوى اليسار في كل بلد العمل على تشكيل حركة قوية للمطالبة بإلغاء الديون وضد سياسات التقشف القاسية، وهذا يمثل دعم كبير لنضال حزب اليسار والشعب اليوناني.ان الازمة في أوربا هي جزء ن ازمة عالمية، لهذا يجب ان يتعزز العمل المشترك لاحزاب اليسار، والاحزاب الشيوعية، والاحزاب المدافعة عن البيئة، وبهذا الصد اكد ان الحركة الاحتجاجية في المنطقة العربية،في تركيا، والبرازيل، تدعوا الى ضرورة التعجيل بتطوير العمل المشترك. ومن الضروري الاستفادة من التجارب اليسارية في امريكا اللاتينية:  "امريكا اللاتينية هي مختبر الحركات الاجتماعية واحزاب اليسار".
 
وقامت الوفود الضيفة بزيارة بزيارة للنصب التذكاري "كيسرنني في شرق أثنيا، وقد كانت هذه المنطقة احد اهم معاقل الحزب الشيوعي في سنوات الحرب العالمية الثانية، وما تزال تعد واحدة من معاقل اليسار في العاصمة اليونانية. وشهد ت المنطقة في الاول من ايار عام 1944 قيام قوات الاحتلال النازية باعدام 200 شيوعي ، لاثارة اللرعب في صفوف الجماهير المقاومة حينذاك. وقامت الوفود الزائرة بوضع أكاليل زهور استذكار لنضال الشيوعيين والشعب اليوناني ضد النازية.
 
وحركت  الكلمة التي القاها المناضل الاسطوري ضد الاحتلال النازي مانوليس غلينسوا، مشاعر الحضور وقوبلت بتفاعل شديد منهم،وقام غلينسوا، ضمن نشاطات اخرى، حينها مع مجموعة من الرفاق بتمزيق العلم النازي من على بناية الاكروبول الشهيرة.
 
وفي ختام المؤتمر القى رئيس حزب اليسار اليوناني كلمة اكد فيها على العلاقة الوثيقة التي تربط الحزب بالنقابات وبالحركة الواسعة لسياسات التقشف القاسبة. واكد " ان المؤتمر التأسيس لحزب اليسار يمثل خطوة كبيرة في وضع تاريخي بالنسبة لليسار والديمقراطية، ومن الغد نبدأ العمل سوية في حزب جديد، اقوى من أي وقت مضى وواثقين من النصر" 
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter