|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأثنين  24 / 6 / 2013                                 رشيد غويلب                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

بعد انتقاد صندوق النقد الدولي لسبل معالجة الأزمة
هل ينفرط عقد الترويكا؟

رشيد غويلب

ليس هناك مؤسسة مكروهة في بلدان جنوب أوروبا المتضررة من الأزمة بقدر الترويكا المتكونة من المفوضية الأوروبية، البنك المركزي الأوربي وصندوق النقد الدولي، والتي تلعب دور محاكم تفتيش لمراكز قرار الليبرالية الجديدة في البلدان التي عصفت بها الأزمة المالية العالمية. والتي تتلخص وظيفتها بقيادة اقتصاد البلدان المعنية إلى الانهيار، بفضل التعصب الأعمى الذي يحكم قناعتها بسياسات التقشف المدمرة.
ويعكس ذلك برامج "التقشف" المستمرة التي تفرض على اليونان واسبانيا والبرتغال، في حين تزداد في هذه البلدان البطالة والحرمان الاجتماعي بمديات قياسية، ويتضخم الدين الوطني بدون توقف. وقد بدأ التناقض بين التوقعات والواقع يؤدي إلى الشروخ والتوترات داخل هذا الثالوث الرأسمالي.

وفي الرابع عشر من حزيران الجاري هاجم كلاوس ريغلنغ، رئيس "صندوق الاستقرار الأوروبي" ESM، في تصريح له لجريدة "فرانكفورت الغماينة تساتغ" المحافظة، هاجم بشدة غير معهودة صندوق النقد الدولي، بعد أن شكك الأخير بجدوى سياسة التقشف التي تتبعها الترويكا: ووصف ريغلنغ نقد الصندوق لسياسة الترويكا بـ"السخيف". إن صندوق النقد، الذي "يعتبر مهمته الأولى تحقيق النمو"، يبدو انه "لا يفهم قواعد اتحادنا المالي".

ومن المعروف أن مراكز القرار في منطقة اليورو هي التي تملي هذه السياسات، المأخوذة من تقاليد سياسات الليبرالية الجديدة التي اعتمدها الصندوق. وتحدث ريغلنغ عن إمكانية "حل الترويكا في المدى البعيد: "...يجب، على بلدان منطقة اليورو أن تستعد لوضع هذه البرامج في المدى البعيد".

ما الذي حدث؟

في بداية حزيران الحالي اصدر صندوق النقد الدولي تحليلا لسياسات الترويكا المتبعة في اليونان لحد الآن، واعترف الصندوق فيها بحدوث أخطاء هائلة. ووفقا للتحليل، تم التقليل من تأثير "برامج التقشف" على الاقتصاد اليوناني، الذي وقع في الركود أعمق مما كان متوقعا، والآن تتصاعد البطالة إلى معدلات غير مسبوقة، وعلى هذا الأساس تم تقييم التطور الاقتصادي في اليونان بتفاؤل كبير، وخاصة من قبل المفوضية الأوروبية. ووفقا لتوقعات الترويكا السابقة، فان الاقتصاد اليوناني كان من المفترض أن يسجل نموا في عام 2012. وبدلا من ذلك ما تزال ?لبلاد في عام 2013 تعاني للسنة السادسة من الركود. ونظرا للحالة الاقتصادية والمالية المحفوفة بالمخاطر والمستمرة في اليونان، فان مديونية البلاد غير مستقرة، وان وجبة جديدة من إلغاء الديون في عام 2014 ضرورية.
.
ولا تريد مراكز القرار في منطقة اليورو، وخصوصا في ألمانيا السماح، حتى بهذه الاعترافات الخجولة للصندوق، ففي 16 حزيران الجاري أوجز وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله، رؤية عن تراجع دور صندوق النقد الدولي. وادعى الوزير أمام جريدة "فرانكفورت الغماينة تساتنغ" إن المهمة التي تأسس من اجلها الصندوق"لا تتمثل بوضعه أوروبا على الدوام تحت إبطيه". فبعد انتهاء إجراءات معالجة أزمة منطقة اليورو، ينبغي على الصندوق العودة إلى "التركيز على مهامه الجوهرية". وقال رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو، لممثلي وسائل ال?علام، إن الاتحاد الأوروبي يمتلك الموارد المالية الكافية للتعامل مع الأزمات المستقبلية بمفرده.

وتعود حدة هذه الصراعات العلنية، على الأقل، إلى رغبة الحكومة الألمانية بتبديد أية شكوك، خلال الحملة الانتخابية للانتخابات العامة التي ستجري في ألمانيا في نهاية أيلول المقبل، بشأن الاستمرار في اعتماد "برامج التقشف" في جميع بلدان الأزمة في أوروبا. وعلى الرغم من وضوح وقوع الكارثة في بلدان جنوب أوروبا، والتي أوصلت نسب البطالة بين الشباب إلى أكثر من 50 في المئة، يريد ريغلنغ الاستمرار في تنفيذ المسار الحالي في اليونان. ويقول ريغلنغ بغضب أن صندوق النقد الدولي بنقده للسياسة اضعف "جميع من يدعم برنامج التقشف"، الذي ت?فذه الحكومة اليونانية. إن الأسباب كما يرى ريغلنغ، وأمثاله من المتشددين والمصابين بعمى أيديولوجي، ليس في السياسات التي أدت إلى الكارثة، بل بعدم الإقدام على التقشف القاسي في وقت مبكر. وليس "التوقعات الخاطئة" هي المسؤولة، وإنما "سياسة الحكومة اليونانية في تلك الفترة"، التي لم تحاول في الوقت المناسب "تغيير كامل سياستها".

وعلى أية حال، لقد قدم صندوق النقد الدولي مساهمته في تحمل الأعباء المالية لـ"إنقاذ اليورو". فوفق الحسابات التي قامت بها الإذاعة الألمانية، فقد ساهم الصندوق بتقديم 30 مليار يورو لليونان، و 22.5 مليار لايرلندا، و26 مليارا للبرتغال، وهذه المبالغ تمثل ثلث الالتزامات الحكومية في هذه البلدان. إن النقاشات الجارية اليوم تدور حول قدرة الوعي الأوروبي على الإلمام بمشاكله، أو ينبغي المحافظة على صندوق النقد الدولي كصفارة إنذار مزعجة.

والسؤال من سيرث توق الترويكا اللا متناهي للتقشف؟ ولدى البروفسور مايكل هوثر مدير المعهد الألماني للاقتصاد، القريب من رأس المال فكرة عرضها أمام "جريدة هاندلز بلات" (الجريدة التجارية) القريبة من اتحاد الصناعيين الألمان مفادها: بعد تجاوز أزمة اليورو يمكن لـ"صندوق الاستقرار الأوروبي" أن يلعب دور صندوق أوروبي. وبهذا يستطيع مدير "صندوق الاستقرار الأوروبي"، الذي تنحصر مهامه في إنقاذ القطاع المالي في الأزمات القادمة، تنفيذ سياسته المتشددة لصالح رأس المال المالي دون نقد أو مضايقة من احد.

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter