|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الجمعة 15/3/ 2013                                                       نجاة تميم                                          كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 
 

 

 رواية "السجادة الحمراء" تُناقش في نادي الكِتاب في هولندا

نجاة تميم

مؤخرا ناقش نادي الكِتاب، الذي أسعدني الانضمام إلى عضويته، الرواية الموسومة "السجادة الحمراء"De rode loper" للكاتب الهولندي توماس روزمبوم والتي صدرت بداية شهر تشرين الثاني / نوفمبر 2012 .

ولد الكاتب روزمبوم عام 1956 في مدينة أرنم بهولندا. تمتاز أعماله بالجانب التوثيقي المدروس. وتندرج ضمن الواقعية أو بالأحرى الواقعية الاشتراكية وما بعد الحداثة، كونه يعتمد تقنية المونتاج. أما شخصياته فإنها تتميز بتلاؤمها في المتن السردي بعكسها ظروف فترة زمنية ما وكأنها تحدث في يومنا هذا. حازت أعماله على جوائز عدة، من بينها جائزة (ليبريس الأدبية) مرتين. كما ترجمت كتبه إلى اللغة الدنماركية والألمانية والمجرية والفرنسية.

تتناول الرواية حياة زميلين نجحا في امتحان البكلوريا وبدل أن يطمحا لإكمال دراستهما فضلا ان يعيشا على المعونة الاجتماعية التي كان من السهل الحصول عليها في بداية سبعينات القرن الماضي، فترة الحكومة الاشتراكية. فعند قراءة هذه الرواية، يغمرك شعور أن الشخصيتين الرئيستين (لو بيون) و(إدي فان دو بيك) يعانيان من معوقات سبق أن دمرت شيئا في دواخلهما؛ (لو)، الذي لا نعرف شيئا عن ماضيه، يريد أن يصبح مساعدا لفرقة الروك و(إدي) يطمح أن يكون صحفيا في مجلة محلية. يحاولان التحرك لكن دون تغيير وضعهما الاجتماعي؛ حيث يعيشا فراغا وأزمة هوية.

إن اسلوب الرواية اسلوب درامي
- كوميدي. يعترف السارد أن ما يرويه هو نقد للمجتمع الهولندي الذي أصابته الأنانية." فنصف الهولنديين يعانون من التوق الشديد لجلب الانتباه والاعجاب بالنفس، لكن كيف الوصول إلى ذلك عندما لا يتوفرون على شيء مميز."
ص179

نلاحظ أن كل شخصيات الرواية فاشلة في حياتها. تعاني من الإحساس بالوحدة والتقوقع على النفس وصراع الهوية. إن (لو) يختبئ وراء شعره الطويل المسدول على وجهه و(إدي) يغير اسمه من (فان دي بيك) إلى (فان دي فيك). هذا الأخير الذي يأتي كل مرة بأفكار لتنفيذ مشاريع ينقذ بها (لو) من الضياع، يعتبر استمراره في حياته الزوجية الفاشلة مجرد روتين. أما فرقة الروك التي كان (لو) يعمل معها والتي هي أيضا تعيش على المساعدة الاجتماعية لكي تحتفظ بحريتها وتعمل في مجال الموسيقى، لم تعرف سوى أربعة عشر يوما من النجاح في فيينا واضطر أعضاؤها الأربعة للبحث عن العمل بعد انتخاب حكومة جديدة أجبرتهم على ذلك. افتتح ( لو) بعد ذلك استوديو لتسجيل الأغاني، وعمل مصورا وبعدها فتح دارا للسينما خاصة بأفلام الرعب في بناية مهجورة. وبهذه الدار نفذ بمساعدة (إدي) مشروع السجادة الحمراء الذي لاقى إقبالا كبيرا. هكذا تنقل سيارة ليموزين، مقابل عشرة أورو، الأفراد من مكان محدد إلى دار السينما، يٌقدﱠمون بأسمائهم أمام كاميرات المصورين والمتفرجين وهم في أبهى حللهم. أما (لينا) التي تعرف عليها (لو) من على السجادة الحمراء مع ابنة عمها (ريت) زوجة (إدي)، تعاني من العزوف عن الكلام. فلم يستطع (لو) التواصل معها لانغلاقها على نفسها وعدم تمكنها من التغلب على مخاوفها. وبقي (لو) ضحية وحدته المميتة. أما (ريت) التي تقوم بعمل انساني كممرضة لم تفلح في التأثير إيجابيا على مجرى حياة زوجها الذي ما زال يعاني من تأثير سوء علاقته بأبيه. وكانت العبارة التي يكررها كلما احس بالحسرة والتذمر من حياته: طلبت من والدي قيثارة وأهداني آلة أوكولا؛ (آلة تشبه القيتارة). ويمكنك تصور نظرته للحياة!!!
إن تنظيم (لو) و(إدي) لاستقبال الناس على السجادة الحمراء، دون قيامهم بأي عمل مهم يستحق ذلك ودخولهم قاعة السينما لمجرد مشاهدة عرض مسجل للتو، يرون فيه أنفسهم على الشاشة وهم يمشون على السجادة الحمراء، بالإضافة إلى الاهتمام المفرط بالمظاهر وكسب الشهرة والولوج إلى البرامج الترفيهية كبرنامج أيدلزIdols وماكس فاكتر Max Factor وHolland´s got talent، هذه المظاهر وغيرها تدل على "أن النرجسية هي مرض هذا العصر".
ص179

هذا ما أراد الروائي (روزمبوم) أن يشعرنا به في روايته، التي من بدايتها إلى نهايتها، عبارة عن كاريكاتير للوحدة القاتلة والفراغ العاطفي والروحي للإنسان في المجتمعات الغربية؛ هولندا نموذجا.

من المعروف أن هولندا تعرف تقليدا ثقافيا متميزا وهو تأسيس نوادي الكِتاب في كل أنحاء البلاد. والجميل في ذلك أن هذه النوادي تأسس بمبادرات شخصية من قراء، لا يشترط أن يكونوا كتابا أو مختصين بالأدب أو الفن. وقد يصادف أن يدعى الكاتب لحضور النقاش حول كتابه. أما النادي الذي انضممت إلى عضويته فقد أسسته صديقتي (هيني) عام 1985 ويضم سبع عضوات، يمتهن تدريس اللغات منها الفرنسية والهولندية والانجليزية. وواحدة فقط تعمل في مجال الصحة. نتفق على اختيار كتاب معين ونلتقي مرة كل شهر في دار احدى العضوات بالتناوب حيث نناقش موضوع الرواية متمتعات بحسن الضيافة، ويكون ذلك اللقاء ثقافيا، واجتماعيا حميميا. نخلص في كل مرة بتأويلات مختلفة وربما تكون قراءاتنا للكتاب متقاربة، لكن تغمرنا الفرحة اكثر عندما نجد أنفسنا ننظر إلى تيمات الكتاب من زوايا متعددة ومختلفة تماما. نكون بذلك قد أغنينا النقاش وتعمقنا أكثر في الموضوع. هذه النوادي كما نادينا تهتم بالكتب الصادرة باللغة الهولندية أو المترجمة إليها. والمعروف أن هناك مؤسسات تنظم دورات بمقابل مادي لقراءة ومناقشة كتب معينة باللغة الفرنسية أو الانجليزية وربما بلغات أخرى.

أخيرا سيتجدد موعدنا الشهر المقبل لقراءة ومناقشة آخر رواية للكاتب الهولندي (أرتور جبان) Arthur Japin بعنوان "لكن في الخارج هناك احتفال".


 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter