|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  26  / 12 / 2014                                 د. ناجي نهر                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مدرع

د. ناجي نهر

استهوتني مفردة (مدرع) من فيض واقعة الطف ، وبالضبط من ذلكم المقطع الشجي الذي كان يرويه القارئ السيد الجليل جاسم الطويرجاوي ايام عاشوراء، عند وصفه لكيفية اقناع العباس لزينب بطلة كربلاء واخذها مع ضعن الحسين المتجه نحو العراق .. فعندما رفعت زينب رأسها ورأت اخيها العباس امامها وهو يلبس لامة الحرب.. خاطبته قائلة "ما الخطب يا عباس اراك "مدرع" بالدرع والطاس ".. الى آخر الرواية. .

المهم عندي ان مفردة (المدرع) مفردة عربية مشتقة من الدرع ..و(الدرع) هو الشئ الواقي الذي يلبسه المقاتل اثناء الحرب والمبارزة ،حيث كان المحارب يتدرع بالدرع ليحمي نفسه من ضربات السيف والرمح تلك التي قد تكون قاطعة او قاتلة للمقاتل (الارعن) الذي لم يتدرع بما يكفي لحماية نفسه ،بل ربما يشجعه على اقتفاء اثر جيشه وهزيمته وكسر هيبته بين الملل والطوايف ..فيا لها من فاجعة وكارثة صاعقة سببها احمق لناسه وابناء شعبه وجلدته بسبب غطرسته وعدم تطبيقه لقوانين الحرب. ولاهمية الدروع فى حفظ حياة المحاربين والدول والمجتمعات وفى كسب الحروب او الدفاع الناجح ..

فقد تنوعت مادة الدروع وتعددت مناشئ صناعتها واضحت اصناف مميزة منها قادرة على ابتلاع ثروات الشعوب الطائلة بالكامل!!. تلك الصورة المأساوية لخسارة الحروب كانت فى الزمن الماضي ، اما فى زمننا الرقمي فان تداعيات القائد المستبد ستكون اعظم تصل حد (الاندحار) فقد لا تصدق اضرارها ولا يمكن وصف ويلاتها على الخاسرين غير ان الانسان المعاصر قد استطاع من توفير الحماية المضمونة له ولاجياله من خلال رفع مستوى وعيه ، وبات الفارس المقتدر هو ذلكم المناضل الذي تنعكس امكاناته وقدراته الانسانية فيما يتميز به من اطلاع على مختلف العلوم والتجارب وقراءة الواقع المعاش قراءة نقدية مفيدة تمكنه من اختبار الدروع الأكثر وقاية من الاخطار لحمايته وحماية افراد مجتمعه. فلقد اضحى الفارس المهاب فى عصرنا هو ذلكم المناضل النظيف والشجاع المدرع (بالعلم) لوحده و القادر على اختراق اصلب الدروع واكثرها وقاية وحماية له و لابناء جلدته . وبالعكس فلقد بات الانسان المفتقر للعلم ضعيفا لا يقوى على اللحاق بمسيرة عصره وتفسير وتحليل ابسط المتغيرات المتراكمة حوله ،وبخاصة تلك المتغيرات الجديدة المتسارعة التي تلدها الحياة بالثواني.

واذا ما حسبت النسبة على وفق النسبة والتنسب سيكون اكثر مسؤولو الدولة فى مجتمعاتنا الثالثية ، اميين غير متعلمين ولا متفنيين بالسياسة كما هو (جيفارا وكاسترو) ومن على شاكلتهم على سبيل المثال. فظلت الشعوب الثالثية تراوح فى المكان وغير قادرة حتى عن ترك العادات والتقاليد القديمة التي اضرت بمسيرة تطورها. ومن هنا اضحى من الضروري جدا ان يتعلم المدّعون بمعرفة علم السياسة ان الحياة الجديدة فى عصرنا الرقمي تتصاعد حركتها متناسبة طرديا مع تلك الاكتشافات المتسارعة التي لن تتوقف لحظة عن الحركة ، و التي ربما ستسحق باقدامها المتسارعة كل من يتوقف او يتخلف عن الركب. اذن فلا يمكن لكل ذي بصيرة او لكل من يمتلك ذرة من الوفاء للانسانية ان ينسى او يتناسى فوائد علوم الحياة ومختلف تجارب الناس من حولنا، بخاصة تلك العلوم التى نجحت فى تحسين احوال الناس.

ويبقى الاهم من هذا وذاك .. ان يعلم كل مسؤول فى الدولة والحكومة ان حركاته وسكناته باتت مكشوفة ومرصودة ومقيمة فى السلب والايجاب. فقد بات على المناضل التعرف بعمق على جهد وتضحيات من سبقه من المناضلين والاستفادة القصوى من تجاربهم ومن مواقفهم الشجاعة ، ومقارنتها بزندقة المحتالين الفاشلين الذين يكثرون من اللغو فيتسببوا لشعوبهم بالويلات والمحن. ان العمل الصالح او الطالح اضحى مكشوفا ومميزا بنتائجه ،فلا يمكن تطبيق الديمقراطية على سبيل المثال بمعسول الكلام لوحده بل بالاثنين معا (القول والفعل) وبشرط ان يتوجه فعل الساسة المخلصون لشعوبهم نحو العمل الجاد لرفع (الوعي العلمي) لمجتمعاتهم اولا واخراجها من ظلام القمقم الذي تعفنت فيه الأجيال قرونا من الزمن الضائع وكأنهم عوقبوا بجريرة ثقب الكوكب التي يعيشون عليه فاصابتهم تداعيات مريرة منعتهم من التفاعل مع الضوء وإستنشاق هواء الحرية الحقيقي.. الذي يتطلب التجديد والعمل الجاد ، ولبس التخفي وراء الدروع المثقوبة الواهية غير القادرة على حماية المنجزات او غير القادرة على تحطيم الجدران المعرقلة للتطور والتفاعل مع التجارب الناجحة للشعوب من حولنا بعد تعديلها لتكون مفيدة باختزال الزمن ومتناسبة مع حاجة مجتمعاتنا الآنية.

وامر فى غاية الاهمية ان يتعرف القاصي والداني على ماهية ومكانة عمل المناضل الشيوعي بين الجماهير البعيدة والقريبة ، فقد كان على المناضل الشيوعي على سبيل المثال ان يتدرع بالعلم فى حالتين: الاولى : عندما كان يتغلغل فى اعماق الجماهير هادفا توعيتهم بحقوقهم المشروعة والمسروقة واساليب انتزاعها من العدو الجائر واسترجاعها لهم،مما يتطلب ان يقضي معهم زمنا طويلا وصبورا فلا يعود منهم حتى يتعلموا !!، والحالة الثانية عند القبض عليه ،حيث كان المناضل الشيوعي يقف مدرعا امام الطواغيت كالطود الشامخ لن يبالي بفنون التعذيب لحد التضحية بحياته صونا للامانة والاسرار التي كان يحملها ،فمرحى لهذا الطراز من المناضلين!!

و لا يسعني فى الختام الا ان اجدد لجميع شعوب العالم مواصلة النضال معهم فقد ذرفت على الثمانين وسأفتخر ببقائى حتى الرمق الاخير مناضلا معهم من اجل غد اسعد واعدل لجميع الناس.. مع احر امنياتي لهم بحلول العام الجديد.. متمنيا لهم الازدهار والانتصار والخير والمحبة والاهتداء بالعمل المثمر ..
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter