| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ناجي نهر

 

 

 

                                                                                      الأربعاء 15/2/ 2012

                                                 

اصالة العلم وتداعيات المثال
(2)

د. ناجي نهر

لماذا ترفض الرأسمالية العالمية ووعاظها تطبيق الديمقراطية فى مجتمعات العالم الثالث بخاصة ،على وفق ما مطبق فى بلدانها؟
هذا السؤآل فى غاية من الأهمية وجوابه بعلمية سيكون من شقين الأول يتعلق بطبيعة الرأسمالية الأستغلالية وثقافتها الربحية وهيمنتها العالمية وتهافت الأنتهازية على خدمتها وتحقيق اهدافها بثمن زهيد ، والثاني يتعلق بطبيعة الشعوب وثقافتها وقدرتها على انتزاع حقوقها بنضال دؤوب ومتواصل حتى النصر ، فالديمقراطية فى مجتمعات العالم الغربي لم تنزل من السماء ولم تأتي هبة من الرأسمالية ، بل انتزعتها تلك الشعوب بنضال حامي الوطيس مع الرأسمالية ووعاظها من رجال الكنيسة وغيرهم وبتضحيات جسام فاقت التصور.

فلقد اضحت الرأسمالية العالمية فى مراحلها الأحتكارية اخطبوطآ ممتدآ الى كافة الدول محتكرآ لكافة الأسواق المحلية والعالمية واصبحت مصالحها تقتضي ان تبقى مجتمعات العالم الثالث بخاصة مستودعآ لخامات صناعتها وسوقآ مربحآ لتصريف بضاعتها وان تبقى شعوبها تتخبط فى ظلام دامس وثقافة عشائرية متخلفة لا تعرف من التطور والديمقراطية غير الأسماء فقط.
فحين بدأ الألمان باستيراد مفاهيم (ريكاردو) الاقتصادية ، وصولآ الى الشروط الجديدة للإنتاج الرأسمالي ، والسوق العالمية المطابقة له، كانت نظرياتهم تقوم شيئاً فشيئاً بتعميم الصراع الاجتماعي ، وتأكيد دراسة تاريخ البشرية المعتمد على الوقائع الماديةً ، والبرهنة على فشل تحقيقه اذا ما اعتمد على الأحداث المتخيلة والأفكار الأنتقائية ومزج الثقافات العلمية بالفلسفات الأخرى ، مما يستدل منه على ان العلم الموثق كان دائمآ هو المعتمد عند بحث تاريخ البشرية وتحولاتها النوعية.

ولذلك سيحوجنا جواب السؤآل الأول الى اجابة اسئلة اخرى متعلقة به ومتفرعة منه مثل : ما هي الرأسمالية ومتى ولدت وكيف تطورت وهل هناك فرق ما بين رأسمالية واخرى ، وكيف يمكن الخلاص منها وهل كان الصراع عبر التاريخ عادلآ ويجري بشرف من اجل تطوير الأفكار الأنسانية والمساواتية ؟؟.
ولكي تكون الأجابة على كافة الأسئلة موضوعية فمن المستحسن التأكيد على ان يكون راسخآ فى ثقافتنا الشخصية وفى ثقافتنا الجمعية المعاصرة : معرفة ان الأفكار كغيرها من الأحياء تتصارع من اجل البقاء وتلد افكار جديدة تلبي حاجة متغيرات مرحلة جديدة ، وستكون بالضرورة بحاجة الى تفاسير لهضم واستيعاب تحولاتها التاريخية الجديدة وربطها بالتي سبقتها وتوالت بعدها عبر مر العصور من اجل فهم ضرورات وشروط تلك التحولات واستحداث فكر جديد ليكون بمثابة آلية لتطبيق الفكر الجديد وإنهاء ثقافة المجتمع القديم والتخلص التدريجي من افكاره والعمل على ترسيخ ثقافة المجتمع الجديد ، مثلما فعل الألمان حينما كانوا يبذلون آخر جهودهم العقلية لحلِّ غموض الفلسفة والأفكار القديمة ، فى حين كان الانجليز بصناعتهم المتقدمة يوضحون أكثر فأكثر، ليس شروط وجود المجتمع الرأسمالي الجديد فحسب، بل ويقدمون تفاسير للتحولات التاريخية التي توالت على مر العصور من اجل فهم ضرورات وشروط إنهاء المجتمع القديم وولادة المجتمع الجديد أيضاً.

ولذا وبتعاقب الزمن كانت سنة التطور تقتضي بأن تنقرض طبقات حاكمة مع آيديولوجياتها وافكارها وعقائدها وثقافاتها ومنهجياتها الأجتماعية والسياسية وعلاقاتها الأنتاجية المعرقلة ، وان تتحول الى فلكلور وقصص تاريخية ، وان تحل محلها طبقات فتية بوعي جديد تشكل به حجر الزاوية فى تطور قادم للشعوب ، فهكذا تطورت شعوب الغرب التي اصبح بمقدورها امتلاك ناصية الوعي والتقدم ومقوماته وشروط توحيده على وفق قرآءة جديدة للأفكار بأمكانها ان تحقق الوحدة الفكرية النسبية بين عامة الشعب و بين سياسيه ومثقفيه من جهة ، وبين الباحثين والمختصين والمحللين من جهة اخرى.

ولكن فات بعض العقول المتخلفة تفسير طبيعة الرأسمالية الأستغلالية وثقافتها الربحية التي جردتها من المثل الأنسانية كافة وابقتها بلا صديق ولا قريب غير الأرباح ، فباتت تتشكك فى نفسها وتتجسس على اصدقائها وشركائها فى العمل الأنتاجي والسياسي والآيديولوجي، كما فات بعض العقول المتخلفة ايضآ معرفة الاعيب السياسة وتحديد ابعاد (لب الصراع ولحمته) فلم يسعفهم وعيهم القديم تحديد هدف الصراع بين الجديد والقديم كما ينبغي ، ولم يتوصلوا بالأساس الى ان جوهر الصراع (سياسي مصلحي) قد تخضب بسيول الدماء النازفة جراء الصراع العنيف من اجل الوصول الى السلطة ليس الا ، فعلى سبيل المثال لم يك الصراع بين عمر وعلي او بين علي ومعاوية وذريتهما من بعد من اجل العقيدة كما يقول الجهلاء المتعصبون ، بل كان شأنه شأن كافة الصراعات الطبقية والأثنية والعرقية صراعآ على السلطة وما تؤمنه السلطة لصاحبها من جاه ومصالح الخ؟؟؟. ولذا اشترط على الباحث (المناضل) الألتزام بالمنهجية العلمية ليكون هو وحده القادر على تحليل الظواهر بعلمانية مجردة من الفائدة الذاتية الخاصة ، وليس اي باحث او منظر آخر وان حمل طنآ من الشهادات العالية والبحوث المثالية المربكة. ومن هنا ايضآ كان التأكيد على ان نجاح الشعوب الغربية التي ألتزمت بالمنهجية العلمية وقدرتها على قطع اشواطآ بعيدة فى ترسيخ وممارسة الديمقراطية ، لا يمكن أية قوة انتزاع هذا المكسب العظيم منها. وبرغم ان تعميم هذه التجربة الناجحة قد لقيت من كافة الشعوب المضطهدة الترحيب والقبول والمطالبة بالأقتداء بها ، لكن انظمة دول العالم الثالث العميلة التي ما زالت بشكل منهجي جامد تتخندق خلف افكار وهمية قد رفضتها بشدة مع معارضة شديدة لفصل الدين عن السياسية ، ارضاءآ للدول الكبرى وتسهيلآ لهيمنتها على الدول الصغيرة وتمزيق وحدتها بترسيخ ثقافة فرق تسد بين مكوناتها التي غالبآ ما تكون مرتكزاتها الثقافية مفردات (وهمية) دينية مذهبية وقومية شوفينية مصنعة بعناية انتهازية مثيرة لنعرات متعالية ومتفاخرة بالألقاب ومستهجنة للوعي المتحضر كالسيف والبيداء تعرفني ، ولا يسلم الشرف الرفيع من الأذى وغيرها من العنجهيات الغبية الأخرى.

غير انه ومع كل عمليات التجميل الرأسمالي ، فقد باتت جرائم الأحتكارات الرأسمالية معروفة للناس ، لأنها تتكرر بقبحها ودجلها امام بصرهم وسمعهم باستمرار ، حتى ان البسطاء اخذوا ينفرون من ذكر الرأسمالية والرأسمالي سواء اكان تاجرآ ام عطارآ ام صناعيآ وينفرون من افعالهم المشينة وبعضهم على بساطته كان يمتنع حتى عن تزويج ابنته للعطار وللرأسمالي او التاجر لصفاته العفنة ورذائله المخجلة وممارساته الرأسمالية ولهاثه المحموم والعشوائي نحو مضاعفة ارباحه وان كانت دونها بحورآ من الدماء او المآسي.

وبالفعل فقد تسبب اللهاث المحموم والعشوائي للرأسمالي نحو مضاعفة ارباحه فى الأزمة الاقتصادية المعاصرة التي ستقود العالم الى مزيد من الكوارث والفواجع المؤلمة ، فقد تلاشت شركات كبرى و مصارف عملاقة مثل بنك [أميرك أو سيتي كروب] وغيرها كما شملت الأزمة كافة البلدن الصغيرة وقليلة الموارد كاليونان وارلندة واسبانيا وسيلحق الباقون تباعآ.

ولكن وبالتبعية للاقتصاد الرأسمالي ، تمسكت أنظمة العالم الثالث على الدوام بكل ما هو سئ فى صفات الأسياد الطغاة الذين لا هم لهم غير ادامة سطوتهم وصولجان حكمهم اللاشرعي ، برغم علمهم ان أنظمتهم ليس لها موقع يذكر فى مراكز صنع القرار العالمي لكونهم عملاء ودولهم تابعة لمراكز صنع القرار ، فصنع القرار دائمآ وفى هذه الحقبة الزمنية بالذات اضحى حكرآ على الرأسمالية الأمبريالية العالمية وحدها ، وان كل القرارات العالمية لابد ان تخط بأكفها الأحتكارية ، مهما كانت عفونة وقذارة تلك الأكف ، فلا يمكن لأنظمة عميلة ودول صغيرة كأنظمة العالم الثالث من تغيير النظام السياسي والإجتماعي في بلدانها الا بمشيئة الدول الرأسمالية التابعة لها بسبب تبعية إقتصادها للأقتصاد الرأسمالي وسياسته ، فبسبب الأزمة الاقتصادية المعاصرة فان شتى الأخبار تتسارع عن تساقط وانهيار شركات وكارتلات ومواقع رأسمالية مهمة ، فهي سنة التطور التي لا يمكن الوقوف امام زحفها.

ولكن دعونا لا ندخل بتفاصيل قد تكون مملة ونعود للأجابة فقط على السؤآل السابق : ما هي الرأسمالية ومتى ولدت وكيف تطورت؟ ، وسيكون من الأفضل والأيسر للأستيعاب هو العودة الموجزة الى مجريات الثورة الصناعية وتطوراتها الفكرية والتقنية المتصاعدة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر ، والتي افرزت كوكبة من العلماء من مثل [ هيكل وفيورباخ وكانت والدكتور كارل ماركس وصديقه انجلز وآخرين] ، فمن خلال ذلكم الصراع الفلسفي لهؤلاء العمالقة استطاع ماركس 1818 – 1883 م من الوصول الى لب الحقائق التي كان من ابرزها انزال الفلسفة من السماء الى الأرض بعد ان كان قد اصعدها افلاطون 427 – 354 ق .م من الأرض الى السماء ، واكتشاف سر الأستغلال واسبابه وتداعياته من فائض القيمة ووضع تقسيم أفتراضي رمزي لمراحل تطور المجتمعات الخمسة [الشيوعية البدائية، الرق والعبودية ، الإقطاعية، الرأسمالية، الاشتراكية].

بيد انه وبرغم ان تقسيمات ماركس لمراحل تطور المجتمعات الخمسة كانت أفتراضية ورمزية ليس الا ،غير ان البعض من المنظرين انتقد ذلك التقسيم بطريقة لا تتضمن تحديد المراحل والبعض الآخر اقترح تجاوز الصراع من خلال تنظير خاص للتطور مصاغ بحدود مراحل ثلاث لتطور المجتمعات هي [المرحلة الجماعية ، ومرحلة دفع الجزية ، والمرحلة الرأسمالية] ولكن ومع كل المتغيرات سيبقى اثمن ما فى فكر ماركس هو تقسيماته لمراحل تطور المجتمعات الخمسة التي سهلت استيعاب دراسة التاريخ ووثقته والتي على اساسها توثقت ولادة الرأسمالية بعد المرحلة الإقطاعية ومن رحمها.

ان ماركس لم ينشغل بإيجاد تعريف محدد لسمات المجتمع القادم كما يتهمه البعض ، بل اكد على ان كافة المتغيرات انما هي من نتاج حركة التاريخ فى واقع منظور ومحدد بالزمانكية وليست صيغة منقولة من خارجه كما جاءت به مختلف النظريات الطوباوية.

ويبقى المطلوب من الأنسان المعاصر الأستفادة من الكنوز العلمية فى ارث الأنسانية ويحوله الى مواد منتجة ومفيدة ، ففي يومنا المعاصر باتت المعارف كثيرة وغنية ومعرفتنا بالأشكال الاقتصادية باتت تمتد لأكثر الأزمنة قدما وبدائية ، مثلما اقتضى فى أواسط القرن التاسع عشر على سبيل المثال تسليط الأضواء الكاشفة على مجموعة هامة من الوثائق التي أدى ظهورها إلى (تصفية) المفهوم القديم المتحدث عن الطبيعة الخالدة للملكية الخاصة الذي افتى به وعاظ السلاطين المشعوذين ، وعن وجود هذه الملكية منذ بداية ظهور الأنقسام المجتمعي وضرورة استغلالها العالم الى الأبد ، وعلى ضوء اكتشاف تلك الوثائق تم نفي تلك الفتاوى وأقر كل من [ فون مورر وكوفالفسكي والإنكليزي هنري مين بوجود شكل بدائي عالمي وقيم، فى الشيوعية الزراعية المنتشرة بين كافة القارات وكافة الأجناس تجسدت فى خصائص الشعوب الجرمانية، ثم السلافية فالهندية فالعربية فالبربرية فالمكسيكية، ودولة الأنكا في البيرو، وفى عدد كبير من الشعوب القاطنة فى بقاع اخرى من العالم ، وبامكان الأنسان المعاصر صياغتها بعلمية وتسخريها فى خدمة العدالة الأنسانية.

كما ان الذي سيبقى يهمنا فى القراءة الأولى للماركسية هو بيان ذلك الشكل القديم جدآ الذي ساد مرحلة الأنسان المتوحش والعدالة التلقائية عند ذلك الأنسان التي لفتت انتباه ماركس الى ان الملكية الخاصة هي ام الكبائر والجرائم والظلم عبر التاريخ ، ولا بد ان يبرمج ذوو الأختصاص ويتحققون بعلمية بهدف الوصول الى عودة عدالة القطيع الأنساني الأول حيث نطفة العدالة الأولى الساذجه كانت قد تحققت منه (من اللاوعي) ويبقى المطلوب الأن هو تحقيق هدف صياغتها علميآ.

وبالفعل فقد توصل ماركس استنادآ الى نطفة العدالة الأولى الساذجه من صياغة قانون علمي يدرأ الطبقية وتداعياتها ويجنب الأنسان ضرر واخطار الأستغلال الرأسمالي بالمقارنة فيما بين عدالة الحياة البدائية وحياة الهيمنة الأستغلالية التي تلتها.

فمما لا شك فان الاستيلاء على السلطة السياسية هو الذي وفر للبرجوازية شروط سيطرتها السياسية والاقتصادية العالمية ، ففي إنكلترا على سبيل المثال عثرت البرجوازية على أسلحتها في ترسانة [ سميث - ريكاردو] الاقتصادية ، لتخوض بواسطتها النضال في سبيل (التبادل - الحر) ، الذي أعطى إشارة البدء للأحتكار بالسيطرة والهيمنة العالمية.

وعلى ضوء ما مر من حقائق يظل العلمانيون يطالبون بالحاح دائم بضرورة التوعية العلمية المجتمعية المركزة والشاملة من اجل المساواتية بين الشعب الواحد وشعوب الأرض طرآ والغاء الطبقية وتهيئة ارضية الحداثة والتجديد باستخدام كل وسائل الأتصال والاعلام الحديثة.

غير ان ضرورة الكفاح الأنساني ستبقى تقتضي ضرورة ترسيخ ثقافة العلم بين الشعوب على كافة الأصعدة ، ثم ضرورة حث الخطى لغزو الرأسمالية العالمية فى قعر دارها ، ليكون انهيارها اسرع مما يتوقع البعض ، اما عملائها من الأسلامويين السلفيين الذين سرقوا ثورات الشباب المعاصرة وتسلقوا كراسي السلطة فلا يخشى من كثرة عددهم الحالي وعجرفتهم العميلة ، فممارساتهم الغبية المتخلفة ستكشف حقيقتهم المصلحية المعمدة بالدم ، وستجعلهم ينهارون كما انهارت من قبل مختلف الأفكار الوهمية للفاشيين وللقوميين والبعثيين من قبلهم ، فغدت اسمائهم وشعاراتهم تسبقها اللعنة..

 

اصالة العلم وتداعيات المثال (1)
 

 

free web counter