| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ناجي نهر

 

 

 

                                                                                      الثلاثاء 31/1/ 2012

                                                 

اصالة العلم وتداعيات المثال
(1)

د. ناجي نهر

ارجو ان يحضى هذا الموضوع من الأنسان المثقف والسياسي المؤمن بالتغيير باهمية بالغة لكونه مما يعد ضرورة موضوعية قصوى لأنجاح وتطوير المدارك فى مختلف الأختصاصات، اذ بدونه لا يمكن سبر غور الحياة والمشاركة المسئولة فى بنائها وتقدمها. ولهذه الأهمية كثيرآ ما تناولت هذا الموضوع فى مقالات سابقة وانصب اهتمامي على تفسير وتوضيح ماهية (العلم) واثره فى مجمل تفاصيل الحياة وفى تلبية الحاجات الضرورية المتدرجة فى الزمان والمكان. فالعلم هو الأداة المثلى للبناء والتطور والسلاح الوحيد المحرر من الأستغلال وسؤ العدالة الأجتماعية والكاشف الدقيق عن الفساد بأنواعه ،اما المثال فهو اضغاث احلام وبطر فكري كسول وضار بمصلحة المستضعفين ، لذا فان المسئولية الأنسانية تهيب بالجميع للتصدي لهذا الفكر (المثال) الوهمي المتخلف وتداعياته وجرائمه المروعة وتطهير العقول والممارسات منه. ولقد جسد التاريخ كافة الأنتقالات العلمية التطورية المتدرجة وفق زمانها ومكانها من خلال ما توصل له الأنسان بعمله المبرمج ومعارفه العلمية من ازدهار وتطوير فى قدراته العجيبة وبناء حضارته وتقدمه الفكري والتقني ، بينما جسد التاريخ فى الجانب الآخر من حياتنا تداعيات الفكر المثالي بمختلف منغساته وكوارثه المأساوية التي كان من اقبحها تبريره للأستغلال ولحروب الرأسمالية الكونية والمحلية التي بددت الثروات العامة وحصدت مئآت الملايين واحرقت الحرث والنسل وحطت من مكانة الأنسان وقدراته فى محاولة منها لأعادته الى ثقافة السلف المتخلفة. كما اكد التاريخ أسبقية العلم على المثال بزمن طويل ، مؤكدآ تزامن ظهوره مع ظهور الرأسمالية التي دعت مصالحها فى بداية تكوينها الى الحاجة الماسة لخلق مثل هذا الفكر ليكون المدافع والمبرر الوحيد لأستغلالها وبشاعة جرائمها وتتطور قدراته الأحتالية والتبريرية مع تطور هيمنة الرأسمالية ومستوى استغلالها، كما حدثنا التاريخ ايضآ عن ان اول من خلق هذا الفكر الأحتيالي هو افلاطون(427 - 347 ق.م) دفاعآ عن عائلته الأرستقراطية التي كانت قد امعنت فى رقاب العمال حرقآ وتعذيبآ ،فتمكن به من ايقاف ثورة العمال ضد عائلته بعد ان اقنعهم بأن ما جرى لهم كان بمشيئة الأله الجديد وليس عائلته ، وسرد لهم تفاصيل مقنعة عن هذا الأله الجديد الذي اخترعه بمخيلته الخاصة واعطاه مختلف الصفاة الخارجة عن وعي الأنسان ، منها انه هو القادر على كل شئ قدير ،ولكنه لا يرى ولا يمكن معرفة مكان وجوده وشكله وماهيته كالآلهة الأخرى المعروفة آنذاك كأله الشمس والجمال والخير والشر والمطر وغيرها الكثير.

كذلك دعت مصالح الرأسمالية فى بديات ظهورها ايضآ الى تداخل العلم والمثال فى وحدة الأضداد كضرورة لتعايش افكارهما حينذاك ، غير ان هذه الوحدة قد ضعف اثرها بسبب تنافر العلم والمثال الذين ما لبثا ان تنافرا بعد فترة وجيزة من وحدتهما بسبب اشتداد حدة الصراع الطبقي بين العمال والرأسماليين مبتدئآ بتناسب طردي بسيط الى حد ما وعلى وفق ما يتناسب مع تضارب مستوى المصالح الطبقية ومستوى وعي الناس المنتمين لكل طبقة آنذاك ، خير ان هذا التنافر اخذ يزداد قوة وعنفوان كلما اشتد أثر صراع المصالح الطبقية سلبآ على الطبقة العاملة. اما اليوم فقد بات القاصي والداني يرى ويتلمس بوضوح نتائج الصراع الطبقي الكارثية الذي اوقع العالم والرأسمالية العالمية بخاصة فى ازمة مالية خانقة لا تنفع معها كل معالجات الفكر المثالي الدوغمائية ، كما غدا حشر المزيد من اوهام المثال الغيبي بغية معالجة هذه الأزمة ما هو الا ارباك لعملية التطور المستدامة بكاملها وزيادة فى بؤس الناس وعذاباتهم ، حيث اصبح واضحآ للأكثرية المعذبة ان عذاباتهم ناجمة عن رفض الرأسمالية معالجة الأمور بالعلم ،وان العلم فى الطرف المقابل يرفض العمل العشوائي ويعمل فقط بالبرمجة والتخطيط النافع للناس وهو امر يتناقض مع افكار الرأسمالية ووعاظها المثاليون الفوضويون الذين يلهثون خلف الأرباح والغنائم فقط ولا يؤمنون بقدرة الأنسان والعلم لوحدهما على الخلق والتغيير، بل يعتمدون على قوة مبهمة خارجة عن مدارك الأنسان كالتي اخترعها افلاطون ليس الا.

ساكتفي بهذا الأيجاز المحدود عن اهمية واصالة العلم ، وتداعيات المثال وجرائمه وانتقل الى اعطاء نماذج وشواهد ملموسة وموثقة مستندة على هذا الفكر (المثالي) ومطبقة حاليآ على ارض الواقع بدرجات متفاوتة فى جميع مجتمعات العالم الثالث ،وسآخذ (العراق) المنكوب نموذجآ لها ، فما يمارس فى العراق قد فاق حقآ جميع الشواهد والممارسات المأساوية التي يندى لها جبين الأنسانية المعاصرة، فاذا سألت اي عراقي عن سبب نواحه ولطمه وحزنه طوال ايام السنة ، فسيجيب على الفور: انه انما يبكي على نفسه ومظلوميته وليس على اي شخص آخر. ولذلك ارى قبل الخوض فى تفاصيل ما كابده المجتمع العراقي من اهوال مدمرة ، ان من الأفضل التأكيد المسبق على ان الرأسمالية وسندها الفكر المثالي سوف يقاومان كل المعالجات العلمية والأنسانية الهادفة الى اصلاح الحال العالمي والمحلي بكل ما اوتيا من قوة ، لكونهما قد شطبا مسبقآ مفردة العلم من قاموسيهما وينئيان بثقافتيهما الرجعية الموحدة عن الأعتراف بالعلم لأن أعترافهما بالعلم ومنجزاته المنظورة المذهلة هو ما يعني المساعدة على تحرير عقول المستضعفين من الأوهام المثالية العشائرية التي سيطرت وما زالت مسيطرة على مداركهم طوال الوف السنيين العجاف الماضية ، وربما سيستمر الحال الى عشرات من السنين القادمة ايضآ، فالأنطلاق الى جنائن العلم وسعادته ليس سهلآ وبحاجة الى عمل مسئول وتوعية شاملة تساهم فيها الدولة اولآ وكافة المؤوسسات المدنية والحكومية ، وستكون فاتورة تضحياتها غالية لأنها ستفضي فى النهاية الى موت الرأسمالية وسندها الفكر المثالي وتخليص الناس من شرورهما. فان الذي يجري فى العرق ما هو الا استغلال بشع ومستنكر لمدارك الناس البسطاء والتلاعب بعقولهم وحقوقهم وحرية اختيارهم لمعتقداتهم الروحية والحضارية ، واجبارهم على اختيار مذهب (فكري ديني) محدد من بين اكثر من 1500 مذهب ومدرسة وتيار ديني مثالي افرزها الخيال الأسلامي لوحده. فلقد اهدر المتسلطون من اجل ترسيخ ثقافة المثال الأموال الطائلة وكافة وسائل الترهيب والترغيب البعيدة كل البعد عن مستوى الحضارة المعاصرة وعن الدين كمعتقد شخصي مثبت للأنسان حق اختياره فى جميع دساتير العالم. غير ان حكام العراق الجدد كما يبدو لا تهمهم دساتير العالم ومستوى تطور ثقافة العصر ، لكونهم مأمورين بتطبيق هذا النهج الرجعي المعاكس للتطور واعادة ثقافة المجتمع العراقي الى ثقافة السلف لالف سنة (ق - م). وكما يبدو للمحلل المنصف فان حكام العراق الجدد قد فقدوا السيطرة على مداركهم لأنهم قد الزموا انفسهم بالوفاء لشروط أسيادهم المعقدة (ثمنآ) لمناصبهم الجديدة وتنفيذ تلك الوعود والشروط حرفيآ. وتذكرني شروط الأسياد التي وضعت على قادتنا الأشاوس الجدد بشروط الأسياد التي وضعت على قادة البعث كثمن لعودتهم ثانية الى حكم العراق عام 1968/ م والتي كانت تتلخص آنذاك بمطلبين لا ثالث لهما اولهما اعادة ثقافة العراق التقدمية نسبيآ بخاصة فى مجال (حقوق المرأة) ،الى ما كانت عليه ايام الأقطاع المباد وسنن العشائر المتخلفة ، وثانيهما تبديد ثروة العراق التي كانت آنذاك فائضة على الميزانية بأكثر مما يساويها ، فأشتغل العميل صدام بعجالة على تبذيرها واسرع ببناء القصور الجميلة التي لا يحتاجها والجنائن العجيبة التي لا توصف حتى فى الأحلام ، حتى يقال ان الحجية ام صدام (ع) قد امرت بتغيير مطبخها فى العوجة واعادت تطبيقه بالمرمر الفرنسي النادر حصوله لأكثر من عشرة مرات. بيد ان الجديد المدهش والذي بامكان اي مراقب ملاحظته من خلال التحولات الجارية فى العراق هو تشديد شروط الأسياد هذه المرة على العملاء الجدد وحصرهم فى زاوية مضحكة يمكن لرسام الكريكاتير تجسيدها للمتلقي بشكل اوضح ، برغم ان تداعيات تلك الشروط كانت اقسى وامر وقعآ على المجتمع العراقي بجميع مكوناته ، حيث نصبوا عليه هذه المرة ساسة متفننون فى مختلف انواع الفساد ومزاولة الجريمة المنظمة من خلال ايمانهم الكاذب بضرورة تفعيل الفكر المثالي الى اقصى تداعياته وجرائمه والعودة بالعراقيين الى ثقافة ما قبل قابيل وهابيل بقرون. ولكن مع كل الذي جرى وسيجري فمثل هذا الحال الفاسد سوف لن يدوم طويلآ كما دامت الدكتاتورية المقبورة فذلك بسبب سمو وعي الشعوب المتصاعد وبسبب الوهن الأقتصادي الذي بدأ يدب فى جسد الرأسمالية العالمية ، وهو فايروس سرطاني قاتل سوف ينتقل تلقائيآ وعاجلآ الى العملاء ايضآ ليحز رؤوسهم الفاسدة هذه المرة من الجذور ، فلا يبقي لهم اثرآ يذكر.

وبالمحصلة التقويمية لحال العراقي بحيادية وامانة يمكن القول ان اغلب ساسة العراق الجدد هم متخلفون ولا يفقهون حتى المصطلحات التي يجترونها ، وهمهم الوحيد هو هدر ثروة العراق وتعطيل الدوام والعمل المنتج لأكثر من نصف ايام السنة ، بسبب افتعالهم احياء طقوس طوباوية قديمة مبالغة فيها لا تسد شيئآ من رمق الجباع وتخلف البلد باثرها كثيرآ. لذلك وصم غالبية ساسة العراق الجدد باللصوصية والفساد والمحاصصة ، وكثيرآ ما تسمعهم يجعجعون باصوات عالية ضد بعضهم البعض بمختلف الأتهامات الصحيحة والمفبركة ، ويحذرون الشعب من وقوع حرب طائفية بغية الهاءه ، غير ان هذه الجعجعة يعرفها الشعب كاذبة فالصوص لا يتخاصمون بضراوة فيما بينهم وسيكون الصلح بينهم هو الأقرب ، وكالمعتاد سينتهي الأجتماع المرتقب الذي يتناخون على عقده جميعآ الى انهاء الخلافات بسرعة ، وستفرز الأتفاقات الجديدة بينهم محاصصة جديدة ،وستعود الحصص السمينة التي تخاصموا حولها وتأخر دفعها الى كافة الشركاء بسرعة فائقة (ان شاء الله). اما بالنسبة للشعب الكردي العراقي الطيب ، والذي افنيت عمري من اجل نيله لحقوقه المشروعة ، فاني الآن احذره ان يفيق الى رشده ،وان لا يستمري استمرار خضوعه تحت سيطرة الأقطاعيين والرأسماليين الشوفينيين بخاصة الذين لا تختلف ثقافتهم بشئ عن بقية ساسة العراق الجدد من (العرب وغيرهم) ، فساسة الأكراد الحاليون فى اكثريتهم هم كغيرهم عملاء مزمنون بعمالتهم واخلاصهم للرأسمالية العالمية ، وبودي ان يسرع هذا الشعب الطيب فى رحيلهم اليوم قبل غد ، لكي ينفسح امامه المجال للتوجه نحو ترسيخ الديمقراطية المؤسساتية مثلما هي مطبقة فى البلدان الغربية وذلك بفصل الدين عن الدولة ، لكيما يحرر بذلك نفسه واخوانه العراقيين من حكم الفكر المثالي المتخلف وبدعة الأقاليم والفيدرالية المستخدمة اليوم كأداة ناجحة فى تحريك الفوضى والأتهامات بين المتحاصصين وكل من يخالفهم الرأي وكمخدة مريحة يتكئ عليها من هب ودب لغاية فى نفس يعقوب برغم علمه بصعوبة تطبيقها فى بلدان العالم الثالث بسبب حاجتها الى ثقافة اسمى مما يمتلكون ، وارجو ان يدرك هذا الشعب الطيب ان مفردات [الوطنية والقومية والبعثية] ما هي الا اسماء وهمية صنعها الفكر المثالي المتعصب بعنعناته وعنترياته الفارغة واستعلاءه وتكفيره للآخر ، فالأنسان هو سيد الكون دون منازع والكون بالكامل تحت تصرفه الأنساني ، ومن هنا فلا بد ان يتقدم العلم وان يتساوى الجميع فى الحقوق والواجبات.

وللطرافة اقول بخاصة حين اقارن بين واقع الأنسان فى العالم المتمدن وواقع الأنسان العراقي فى دولة الملالي الفاسدين بشكل عام وحقوق المرأة العراقية والطفل العراقي واقارن بينهم وبين اطفال العالم المتمدن وبسماتهم وسعادتهم وحريتهم ومستوى وعيهم ، وبين اطفال العراق العراة الحفاة الذين كثيرآ ما يحصل اغلبهم على كسرة خبز من القمامة المجاورة الى بيوتهم ، فاطفال العراق لم يتعلموا من حكامهم سوى البكاء والعويل واللطم على الصدور وضرب الزناجيل وتهشيم الرؤوس بالقامات والسيوف والسير حفاة الى كربلاء متعرضين الى مختلف الأمراض والموت فى المفخخات ، فاي جريمة ابشع من هذا واي مستقبل ينتظرون؟؟!!. من هنا اكرر التأكيد على الناس بضرورة تطهير عقولهم ليتجنبوا كل تداعيات الفكر المثالي ، بعد ان يسألوه عن اثر مجموعة مفردات وتأويلات وتفسيرات وهمية وغير علمية كان قد فرضها وسنها فى كتبه وممارساته واكثر من ترديدها بمناسبة وبغيرها ، منها على سبيل المثال (حلال وحرام) واثرها فى استنكار مختلف جرائم القتل والفساد ،ويسألوه ايضآ عن موقفه من ملايين القتلى الذين لا ناقة لهم ولا جمل فى غنائم المتحاصصين ، لكنهم تساقطوا بسبب مصالح غيرهم وبسبب حروب الرأسمالية العالمية وعملائها تحت غطاء افكاره وتخريجاته المثالية ومكائد المؤمنون به وانتهازيتهم ، ويسألوه عن قدرة المنتفعين منه على اعطاء اجابات واضحة لأسئلة كثيرة ترواد وعيهم فى كل لحظة ، فسيشاهدوا ان هذا الفكر اخرس واطرش واعمى عن الحقيقة ، بعكس العلم الذي اجابات صحيحة وموثقة ومقنعة ومفيدة ، بخاصة فى المجال الكوني وقتلى الحروب والزلازل والبراكين والفيضانات والكوارث الطبيعية والأمراض الفتاكة واسئلة اخرى لا تحصى ، كوجود الجن الذي نفى العلم قبل ايام خطل وجوده ، ثم وبالمناسبة دعونا نسأل الأساذ سعد البزاز ماذا سيقول عن برامج الفلك التي يتبناه فى فضائيته وعن اسم برجه فيها ونسأله كذلك عن كثرة تكرار بعض البرامج والأصوات النشاز الأخرى ؟. وخيرآ ، وفي كل الأحوال لا بد من استمرار النضال بعزيمة مضاعفة ، وحث الذين اصيبوا بخيبة امل وقرأوا على مصير العراق السلام ، حينما رأوا العمائم الملونة واصحاب المحابس المشذرة يعيثون فسادآ فى اموال الشعب وقيم الأنسانية المتحضرة.

اما لماذا تقاوم الرأسمالية العالمية ووعاضها بتطبيق الديمقراطية فى مجتمعات العالم الثالث بخاصة ،على وفق ما مطبق فى بلدانها ؟.فسيكون موضوع القسم الثاني من هذا المقال.

 

 

 

free web counter