| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ناجي نهر

 

 

 

الخميس 13/5/ 2010



ساسة العراق والثقافة العشائرية
(2)

د. ناجي نهر

9 -
من التعاريف الخاطئة تصنيف حكام العالم الثالث عامة والعراق خاصة فى عداد السياسيين واطلاق تسمية (السياسي) عليهم خلافاً لواقع الحال ، فالسياسي كما اوضحنا فى القسم الأول من هذا المقال ينتسب الى عمل مهني عالي الحساسية ومتداخل فى اعمال الناس ومصالحهم واسرارهم والى علم متميز من بين العلوم الأنسانية المتخصصة فى بناء المجتمعات وادارة العلاقات الدولية المشروطة بتوفر مواصفات اختصاصية متميزة للسياسي الناجح من اهمهما الشعور العالي بالمسئولية الأنسانية واستقلالية القرار والمحافظة على ديمومة عملية تطور الحياة بكاملها وبكامل ما عليها من كائنات وثروات . اما اقرب تسمية مناسبة لحكام العالم الثالث عامة فهي بحسب تصوري (سركال وجمعها سراكيل) لاقطاعي متجبر او(عملاء) لتاجر احتكاري عابر للقارات ذلك بسبب عدم امتلاكهم شروط السياسي المطلوبة . وبوجودهم تكمن اسباب فشل عمليات التغيير نحو الأفضل وتلاقي صعوبات جمة بخاصة فى المرحلة الزمنية المعاشة لكثرة العيون والسواتر والدفاعات الآيديولوجية الأستغلالية المعززة بالأسلحة الفتاكة التي يبثونها ويزرعونها امام دعاة التغيير من اجل منعهم من محاولة التغيير النافعة هذا بالأضافة الى امكانات (العم سام) وجبروته وهيمنته العالمية على مسالك ومنافذ حركة التغيير التقدمية حيث استطاع هذا العم الجليل القضاء على رسل الأنسانية من اصحاب التغيير بخاصة الواحد تلو الآخر من فولتير وجيفارا وهوشي منه ولينين وغيرهم حتى عبد الكريم قاسم . ان الساسة الحقيقيين واصحاب التغيير الصادقين موجودون فى كل مكان ولا يحتاجون لغير ظرف موضوعي وذاتي ووعي جماهيري شامل ومتحد وعوامل موضوعية عالمية تضعف العدو وتفكك وحدته غير المقدسة وهو امر اصبح فى الأفق المنظور مؤملاً وميسوراً الى حد ما بفضل تطور وسائل الاتصال الحديثة الميّسرة للوعي وأنتشار ثقافة التغيير فى ربوع الدنيا أضافة الى الأزمة الأقتصادية الخانقة التي انهكت نظام العم الأحتكاري العالمي واضعفت جبروته وطغيان حلفاءه وشجعت الشعوب على امتلاك حريتها وأستعدادها الجدي لسحق ثقافة الأحتكار ومخلفاتها والى الأبد .

10 -
ان علم السياسة بحر متلاطم الأمواج واخطر ما فيه تظاهر بعض الحكام الرجعيين بالعمل الصالح وأجترار شعارات تقدمية وادعاء بعمل جدي للتغيير نحو الأفضل بقصد اغتيال قادة التغيير الحقيقيين كما فعل بعثقية العراق الصدامي مع الشيوعيين بعد اقناعهم بضرورة قيام ما سمي بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية عام 1973/م . ان علم السياسة ليس محدد بتحصيل دراسي وحسب فما اكثر اصحاب الشهادات العالية من جامعات اكسفورد وشيكاغو وغيرها من الذين ما زال ايمانهم بقدرة الجماهير على التغيير ضعيفاً او معدوماً وما انفكوا متمسكين حد النخاع بالتعاويذ الغيبية والجذور السلفية المتخلفة ويقاتلون دونها كما يجتر ذلك النجيفي وامثاله من الرجعيين بمناسبة او من دونها ، فليس كل من تلطخت يداه حداد فالسياسة علم لا تتحقق نتائجه النافعة بغير العمل المنتج والتحاور السلمي الهادئ والشفاف وان هذا العمل لهو مما يعد مسئولية مهمة فى أدارة مصالح حشود بشرية بالمليارات واي خطأ فى هذه العملية لهو مما يعد حماقة اجرامية قاتلة ينبغي ان لا تمر بغير حساب.

11 -
وفي باب تصوير النموذج السياسي المقصود والمقارنة بين الأدعاء والحقيقة يقف سيد الشهداء(حسين الرضوي) (سلام عادل) فى القمة حيث كان يواصل بعمله المسئول الليل بالنهار من اجل التغيير الأفضل واضعاً دمه على راحة يده حذراً من بطش العدو واساليبه الخبيثة وحينما القي القبض عليه بعد انقلاب البعث الأسود عام 963 م حمى ارواح الناس واسرارهم بأوصال جسده التي تقطعت ارباً ارباً حتى فارق الحياة من دون ان يلحق الأذى بأحد وصان بحدقتي عيونه اسرار علاقاته الوطنية والعالمية دولاً وافراد. وفى معرض حديثي عن هذا السياسي الأنسان سلام عادل تراني قد استخدمت مفردة (الناس) كونها مما يعد اشمل واعم من مفردات الحزب والشعب والجماهير ، فقد حلل هذا السياسي اسباب وأد ثورة تموز عام 58/م التي كان على رأس اسبابها الحاسمة وحدة القوى الرجعية الداخلية والعالمية وتجييش وتجنيد حملة الفكر الرجعي من دون استثناء من اصغر عاهر حتى أكبر عالم ديني وشوفيني قومجي من العرب والأكراد الذين تكالبوا كالبهائم المفخخة فى وأد تلك الثورة الجماهيرية فى مهدهها فبئس ما فعلوا من جريمة سافلة.

12 -
وبسبب من قساوة واقع العراق المأساوي الجديد يتساءل عامة الناس ومعهم مختلف المتصدين لتحليل الشأن العراقي، يتساءلون بتكرار ممل بغية الوصول الى جواب شافي للسؤال التالي: هل ان ساسة العراق لا يفقهون سمة العصر وشروط التغيير وضروراته وفيهم من عاش سنين طوال فى كنف الدول المتقدمة حضارياً وتفقه وتمشدق بسمو تحصيله الأكاديمي العالي المستوى ؟ وبالمباشر يأتي الجواب التفسيري الصحيح من خلال ما افرزته تجربة حكم هؤلاء الساسة لسبع سنين عجاف خلت لتؤكد على ان هؤلاء الساسة يفقهون كل شئ ومنهم من يحمل الشهادات العالية لكنهم يفتقرون الى التجربة اولاً وانهم مسلوبي الوعي والأرادة ثانياً وقد اختلفت حساباتهم بين الأمس واليوم وكأن اليوم بالنسبة لحساباتهم الأنتهازية الجديدة [خمر وغداً امر] فمرحلة اليوم هي مرحلة جمع الأموال لضمان مستقبلهم الشخصي وضمان استمرارية وجودهم فى السلطة وضمان رضا الأسياد وتنفيذ ما اتفق عليه معهم من خدمات ،ففى هذه المرحلة يجوز لهم وفق الشرع الكهنوتي الرأسمالي المعمم الأحتيال على الشعب وممارسة الزندقة واللصوصية والقتل والشعوذة وسرقة الثروات وتطبيق كل ما جاءت به الفلسفة الميكافيلية من تبريرات تصب فى خدمة تحقيق نزوات سافلة ،فعلى سبيل المثال والتوثيق التاريخي فان ساسة العراق الجديد يفقهون تماماً ان الآيديولوجية العشائرية نقيض الديمقراطية وفساد للوطنية والأنسانية ويعرفون معرفة شخصية أنتهازية شيوخ العشائر ونعيقهم مع كل حاكم وكيف استخدموا فى الماضي والحاضر كرقم انتخابي وبثمن بخس جداً لتحقيق ضمان استمرارية الحكام المجرمين فى السلطة عبر تاريخ الأنسانية الطويل بغض النظر عن اختلاف مناهجهم الأجرامية التي منها يبتغون ومن خلالها يسرقون ومع ذلك فالحكام الجدد يصرون على تجنيدهم ثانية لتحقيق ذات الأهداف الدنيئة السابقة من غير استحياء . ان ساسة العراق الجديد يدركون تماماً ان الآيديولوجية العشائرية مضرة ومعرقلة للتطور وقد ولى زمانها من زمن بعيد وبالأمكان شطبها من التاريخ والجغرافية بجرة قلم كما فعلت ثورة فى 14 /تموز/58 /م الخالدة قبل اكثر من نصف قرن واستعاضت عن نظام العشائر بالجمعيات الفلاحية والكومونات ومؤسسات المجتمع المدني المطعمة بالأختصاصيين الممثلين لوزارات الدولة ،غير ان ساسة العراق الجديد لا يتحلون بالصدق والوطنية مثلما كان يتحلى به غالبية قادة ثورة 14 /تموز ،فقد جاء ساسة العراق الجديد بالصدفة وبغفلة من الزمن لتنفيذ مخططات امريكية بأسلوب جديد وتفننوا وتألقوا وتعمقوا فى دراسة العلوم الأنتهازية المعاصرة مما جعلهم يستفيدون من تجارب من سبقهم ويتحاشون مخاوف وتهديدات الأسياد ويتجنبوا غضبهم فقد ادركوا مغزى اللعبة الأستعمارية القديمة السافلة تلك التي طبقها الأسياد واستطاعوا من خلالها وأد ثورة 14/تموز/58 /م الواعدة .

13 -
سيجد الباحث والمتصدي لرصد الظواهر الأنثروبولوجية المختلفة ان كوارث الآيديولوجية العشائرية تجسدت فى الهيمنة على جهد الإنسان وفكره وارادته منذ ولادة الوعي حتى الساعة وامتدت عبر التاريخ الأنساني الطويل فى صراع ومعارك طبقية قاسية مقرونة على الدوام بهيمنة اصحاب الملكية الخاصة الأستغلالية ومعمدة بدماء المنتجين المقاومين للظلم من اجل الحياة حتى وصل العراق فى عهد الدكتاتورية العشائرية الصدامية الى مرحلة لم تمر البشرية بمثيلها فتكاً واستهتاراً بأرواح الناس الأبرياء ثم لتتواصل بعد اسقاطها الى هيمنة مشابهة لا تختلف عن سابقه سوى بتغيير الأشكال والتفنن فى التطبيقات العرجاء . اما فى العالم المتقدم فقد اصبح طريق بناء الديمقراطية بفضل سمو الوعي والتقدم التقني وبخاصة بعد التجربة الناجحة فى بلدان غرب الأرض وبعد توفر التخصص فى العلوم السياسية والآقتصادية وامكانية بناء القاعدة الأقتصادية وعلاقاتها المتطابقة معها والمراعية لشروطها فى توفر القيادة المخلصة المستنيرة بافكار علمية واضحة ومقنعة وممنهجة بثورة توعية شاملة مفعلة تشارك فيها جميع مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الأعلام المتطابقة معها . لقد اصبح طريق بناء الديمقراطية سالكاً وواضحاً للعيان ومضاءاً بألوف الأسرجة الوهاجة ولا يحتاج الى هذا الضجيج المفتعل وسفك دماء الأنسان اثمن رأسمال فى الوجود .

14 -
ولكل ما مر بيانه من اسباب ينبغي على اصحاب التغيير الحقيقيين ادراك حقيقة ان العملية السياسية فى العراق الجديد بغير التصدي للأفكار السلفية والآيديولوجية العشائرية المتخلفة واحلال [المنهجية الديمقراطية] بديلها وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الفلاحية ستبقى عملية مكوكية احتيالية واجرامية مهلكة وعملية قرصنة وابتزاز وتصفية حسابات بين لصوص اللعبة انفسهم و ستبقى مهزلة فكرية دوغماتية معقدة وصراع على الكراسي مهين وضحك على ذقون المظلومين وتوافقات محاصصية بهدف توزيع الغنائم لخيمة محروقة ليس الا،وسيصاحب تلك العملية الوهمية ضياع كامل لحقوق الناس ودماء شهدائهم البريئة وتفشي ظاهرة الأنفلات الأمني لزمن قد يطول ، وسوف لا يتم تغيير هذا الحال بغير تمكن المظلومين من تغيير ما بأنفسهم أولاً فيبتدأوا عملية التغيير معتمدين على امكاناتهم الذاتية ومساعدة احرار العالم لهم كظرف موضوعي مساند . كما وينبغي عليهم من جهة اخرى بأعتبارهم اصحاب التغيير الحقيقيين ان يدركوا انه بدون فصل الدين عن السياسة والعمل المخلص والمثابر فى توعية الناس لأهمية ووجوب هذا الفصل وضروراته الموضوعية والصبرعلى قساوة المعاناة كضريبة مشروطة لأداء نضالي ملزم لدرء مقاومة الرجعية ولأنجاح برامج واستحقاقات مراحل عملية التغيير المتدرجة على مراحل وانجاز ما هو مطلوب من شروط تحقيق اهدافها الأنتقالية وفق برامج مرحلية مدروسة ووعي علمي يتناسب مع مستلزمات تخطي مراحل التغيير المتعاقبة بنجاح وتحقيق اهدافها حتى الوصول الى الطموح المطلوب .

 

ساسة العراق والثقافة العشائرية (1)
 

free web counter