| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ناجي نهر

 

 

 

الجمعة 7/5/ 2010



ساسة العراق والثقافة العشائرية
(1)

د. ناجي نهر

1 -
يتباهى ساسة العراق الجدد فى تمسكهم بثقافة السلف وترسيخ الآيديولوجية العشائرية متناسين ان زمنها ولى وانها اضحت فى تعاريف علم الأجتماع الحديث الموثقة والمستندة على نتائج البحوث العلمية لغالبية العلماء المتصدين لرصد الظواهر الأنثروبولوجية المختلفة مما تعد (الآيديولوجية العشائرية) من اقدم الآيديولوجيات الأنسانية واكثرها استغلالآ وفسادآ فى الأرض،فمن رحمها ولدت العبودية و نمت الأقطاعية وتطورت الرأسمالية الأحتكارية وبسببها انقسم المجتمع المشاعي الساذج الخالي من الأستغلال الى اسياد وعبيد واهين الأنسان المنتج وفقد مكانته وصفاته الأنسانية ومميزاته العقلية عبر التاريخ وظهرت مختلف الأديان ووعاظها لأسناد جرائمها (الآيديولوجية العشائرية) وتبرير ظلمها وأستغلالها وتمجيد السلطة الفردية الدكتاتورية وتقديس دورها حد العبادة .

2 -
وبحسب ما تؤكده خلاصات ونتائج اكثرية البحوث الميدانية العملية فان الآيديولوجية العشائرية فى التطبيق تعد نقيض الديمقراطية وفساد للوطنية والأنسانية وعامل اساس فى تفكيك العلاقات الأسرية واضعاف لدور الأبوين فيها حيث ينصب الأهتمام الأكبر بدور شيخ العشيرة وشرعنة سيادته وحريته فى التصرف بأفراد العشيرة بكيفما يرغب ويشتهي وبما يناسب مزاجه واجتهاده الفردي العاطفي فى اللحظة المعينة.

3 -
وبالنسبة لواقع العراق السياسي الجديد ومن خلال مقارنات بسيطة بين الماضي والحاضر ستساعد الباحث الأجتماعي الرصين اوالمحلل السياسي الأمين وتجنبه عناء الغوص والتنقيب لتشخيص واستنباط ابعاد الواقع العراقي الجديد ومعرفة مآل وتداعيات نتائجه الكارثية فهذا الواقع واضح المعالم من خلال ثقافة ساسته الجدد وامتداداتهم الآيديولوجية العشائرية وارتباطاتهم الأجنبية الأقليمية والعالمية ،وبأمكان اي باحث مختص ان يكتشف من الوهلة الأولى أثر وفساد الآيديولوجية العشائرية فى نفوسهم والوصول الى نتيجة موضوعية مقنعة مفادها بأن هؤلاء الساسة لا يختلفون عما سبقهم من الحكام سوى بالشكل واساليب تلاوين ممارساتهم السياسية ومكرهم وتكتيكاتهم المتناسبة مع الظرف الذاتي والموضوعي ووعي المواطن المعاصر و سيكتشف قدرتهم الألتفافية التكتيكية على التغلب على الوعي المتفتح وقهره ، فالآيديولوجية العشائرية كما يعلمنا التاريخ غير المتحيز كانت السبب الأساس فى خلق الأنظمة الفاسدة التي اوغلت فى ارتكاب مختلف الجرائم على كوكبنا وحرفت الأنسان عن القيم الوطنية والأنسانية من خلال ما بثته وما زالت تبثه فى افرادها من سموم ثقافة الفخر والتعالي وتسفيه دور الآخر وذمه وتسقيطه وتبجيل مآثر السلف بصور واشكال خيالية مختلقة والتباهي ببطولات الخلف المفبركة بعناية تلك البطولات المسببة للتعصب العرقي والأثني والتنابز فى الألقاب الوهمية المثيرة للعداوة والبغضاء فى صفوف مكونات المجتمع على تباين ثقافاتهم .

4 -
ان الشئ الوحيد الذي يميز ساسة العراق الجدد عن بعضهم هو اسلوب عرض خدماتهم وعمالتهم للأجنبي فى سوق النخاسة العالمية المهين وتلون انتهازيتهم ومهارتهم الأغرائية فى جذب الأسياد لهم لشراء ها منهم بثمن بخس من غير اي اكتراث ومبالاة منهم بمعاناة ما سيصيب شعوبهم المستضعفة من تداعيات مدمرة جراء الصراع غير الشريف المحتدم بين تجار هذه البضاعة البائسة ومن اجل ترشيح من سيكون العبد المطيع والمفضل عند الأسياد من اصحاب السطوة السامية نسبة الى العم(سام) الذي ما زال يتربع على عرش حكم العالم وقيادته بقوة السلاح ورأس المال عابر القارات وبحسب ما تستدعيه مصالحه الخاصة و مصالح الرأسمالية العالمية برمتها . ومن هنا وبسبب الهيمنة الرأسمالية العالمية الظالمة فقد عدت الآيديولوجية العشائرية التي خلقتها هي مصدر المظالم والملهاة الوهمية الأساسية التي تدعو الى الكسل والتقاعس والأحتيال وادامة الفساد والطغيان والتي تصبح اشد سطوة وتوحشآ عند اقترانها المحتوم بالأنظمة البطرياركية الملكية المتوارثة وتبريرها تلك المظالم القاسية بفتاوى دينية ترفض النقاش والتحاور فى نصوصها . وبهذا الصدد تجدر الأشارة الى ان بعض المحلليين من يكتفي بما سبق وصفه وتحليله اعلاه حول بيان ماهية الساسة المعنيين و توجهاتهم وتكتيكاتهم فى تحقيق اهدافهم الأنتهازية وربما تكون هذه هي فعلآ كل الحكاية بأختصار من طقطق حتى والسلام ختام ، ولكن المحلل الحريص يعد التفاصيل الزائدة وما سواها ما هي الا محاولات أنسانية مضافة لخلق نوع من بصيص امل عسى ان يكون مفيدآ فى استنهاظ واقناع العقول المتحجرة ومسلوبي الأردة وحثها على السير فى الطريق العلمي الصحيح .

5 -
وكما تؤكده الحقائق التي يستنتجها غالبية المحللين على أن ساسة العراق القدامى والجدد انما هم من فصيلة دم واحدة لا تحترم مهنية السياسة السامية كأختصاص وكينونة لقادة مصلحين ومنقذين متمردين على واقع مأساوي سبب للشعب بجميع مكوناته اضرار وتخلف ومآسي مدمرة ،والمفروض فيهم لو كانوا يمتلكون الأمانة النضالية بناء ذاتهم فكريآ وتعبويآ اولآ من اجل امتلاك صفات (القائد) فى التضحية والأثرة والأباء والبسالة ومن اجل أنقاذ شعوبهم مثلما يفعل الأختصاصيون الآخرون ، لكن الساسة الذين تعاقبوا على حكم العراق كانوا مع الأسف يحملون نقيض الصفات الحسنة المطلوبة ويتمشدقون بثقافة عشائرية متخلفة ولم يجدواعيبآ باشهار عمالتهم للأجنبي وتفاخرهم بالأنتماء الى الطائفية والأثنية المقيتة، وقد وجد فيهم العم سام ضالته فى سهولة تغيير اشخاصهم وعناوينهم كلما دعت مصالحه ذلك ، فعندما قرر هذا العم العزيز للغاية ازاحة العميل السابق الخارج عن الطاعة صدام حسين وجد العميل الخلف جاهزآ وبضاعته الثقافية حاضرة ومعروضة ومنسجمة مع تأمين مصالحه (العم سام) ومنهجيته واستراتيجيته ودوام هيمنته من دون الحاجة حتى الى اللجؤ الى سياستة المعروفة سابقآ (فرق تسد) حيث كانت صفوف هؤلاء الساسة متفرقة من الأساس بفعل ما ترسخ فى رؤسهم من آيديولوجيا متعفنة سهلت على العم سام بعد سقوط النظام الساقط جمعهم كالقطيع تحت خيمة ما سمي فى حينه بمجلس الحكم وكانوا حينذاك هادئيين كالحمائم الأليفة ،لكنهم بعد ان استمرئوا زفرة المشويات اللذيذة ارتفعت ذيولهم ونالت قصائدهم المادحة لفضائل العم العزيز جدآ الحضوة عنده فأزدادوا تهالكآ على ارضاءه والألتصاق به كالتصاق الضراير بواحد من ملوك السعودية او أمير من امراء الخليج المتروسين مالآ منفطآ .

6 -
وبصدد الكتابة والحديث والنقاش حول ساسة العراق القدامى والجدد بالذات لا يجوز لأي مخلص كان غض الطرف والتأني عن فضح افكارهم وممارساتهم المهلكة للحرث والنسل ، كما ينبغي على المحلل المنصف التشديد على ان الأختلاف بين ساسة العراق القدامى والجدد انما هو اختلاف شكلي وليس نوعي بسبب الأنتماء الى آيديولوجية واحدة متخلفة ،فاذا كان البعث وصدام المقبور يفتخر بأنه جاء لحكم العراق بقطار امريكي مريح وحكم العراق بالنار والحديد وقتلهم فى حروبه العبثية وتحت التعذيب فى الأقبية والسجون على الطريقة العروبية ، فأن الساسة الجدد جاءوا ممتطين الدروع المسرفة وزادوا على تلك الأساليب الأجرامية بأستخدام المفخخات والعبوات اللاصقة والذبح الحلال بالسيف على الطريقة الأسلاموية المتوحشة ،واذاكان صدام دكتاتورآ فرديآ فأن دكتاتورية المحاصصة التوافقية وتداعياتها لا تقل عن دكتاتوريته فسادآ وضررآ وخبثآ ودمارآ. ولكن ومع كل ما افرزته الآيديولوجية العشائرية من تداعيات وما تمتعت به من سطوة قاهرة وهيمنة متجبرة فقد حكم عليها الزمن بالموت والأندثار والفشل جزاءآ وفاقآ على ما بثته وما زالت تبثه من فساد آيديولوجي معرقل للتطور والتغيير الديمقراطي والنظام المؤسساتي وما تنتهجه من ثقافة التزوير الفكري واكاذيب الأدعاء بالعلمية والديمقراطية وتبرير الممارسات الأجرامية المتخلفة.

7 -
وكنتيجة للصراع المحتدم بين القديم والجديد وما افرزه من مآسي وتداعيات مدمرة وفقر متقع وتخلف مهين لشعوب العالم الثالث مقارنة بتطورالآيديولوجيات الأنسانية والمساواتية النسبية فى النظم الديمقراطية لشعوب العالم الغربي المتحضر ، فقد باتت الديمقراطية المؤسساتية قدوة حسنة لشعوب العالم الثالث التواقة بطموح مشروع للحاق بها والسير بهداها كبديل عن أنظمتها السلفية العشائرية المتخلفة التي ما انفكت مصرة على مقاومة التغيير بمختلف وسائل الأحتيال والأدعاءآت الشكلية الكاذبة الهادفة الى ابقاء طموح الشعوب حلمآ بعيد المنال !!.

8 -
لقد بات النظام الديمقراطي المؤسساتي مقياس صلاحية وعدالة الأنظمة في عصرنا وبات العزم الصادق فى تطبيقه يتجسد فى سن دساتير متناغمة مع تطورالعصر تتضمن بنودها فقرة جريئة وصريحة توجب فصل الدين عن السياسة احترامآ للدين كحق شخصي ولتقطع الطريق على الأنتهازية التي تستند على ادعاءآت واجتهادات منسوبة كذبآ للدين . وقد بات بأمكان الدولة المنبثقة من ارادة الشعب أختزال زمن القهر والمعاناة على شعوبهاالمظلومة بالأستفادة من تجارب العالم المتحضر التي تعد حضارته ارثآ عام للأنسانية جمعاء وبأمكان اي شعب اختيار ما يناسبه منها .

واود فى مجال الحديث عن التغيير الأجتماعي تذكير الشعوب العازمة على اتخاذ قرار التغيير الديمقراطي بضرورة الأستعداد الكافي المادي والفكري لتطبيق شروط عملية التغيير الحاسمة بحذافيرها والا ستبقى العملية فاشلة ولا تتعدى مفرداتها ان تكون ملهاة للأستهلاك المحلي وأدعاءآت كاذبة لساسة مخادعون يجترون مقولات الديمقراطية والتقدم والتغيير بغير تطبيق، وفي مقدمة تلك الشروط حاجة الديمقراطية الى قاعدة اقتصادية وعلاقات انتاجية متناغمة معها وبرامج سياسية مستندة على منهجية علمية موضوعية تقرها الأكثرية . لكن واقع عراق اليوم بحسب تصوري الشخصي المستند على كل ما تقدم من تحليلات مسئولة لكنها مخيبة للآمآل حيث اصبح عراق اليوم من خلال تداعياتها بعيدآ عن ابسط مقومات المجتمع وقد تخلف عما كان عليه قبل نصف قرن وسيظل واقعه محبط ولا يبشر بخير وأمل قريب يرتجى ،وهذا العراق العزيز مع شديد الأسف سيظل وطنآ وشعبآ جريحآ سابحآ بدمه وآلامه مراوحآ فى المكان لأمد طويل وبأنتظار متغيرات مؤثرة فى الساحة العالمية والأقلمية و الذاتية.


يتبع






 


 

free web counter