|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة   16  /   8 / 2024                                 نبيل يونس دمان                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الحكاية

نبيل يونس دمان
(موقع الناس)


انقاض بيت يوسف لالا وبجانبه بيت ياقو شامايا

عندما اشتد الجوع بعد سنة حصاد طبعها الجفاف في الربع الأول من القرن العشرين، قرر الاخوان جبو لاوو (١٨٧٦- ...) ويوسف لالا (١٨٩١- ...) (1) ان يهاجرا الى قرية كرمليس، التي تبعد عن القوش مسافة ٧٨ كيلومتر تقريبا، هناك عملوا في الفلاحة ونظرا لظروف المناخ المختلفة ووفرة المياه فيها حصدوا حصادا جيداً، وهكذا في السنوات التالية، فتحسن وضع الاخوين وبعد مدة تزوجت شقيقاتهم الثلاث من شبان القرية المضيفة وهن: استير، ببّي، وزورتا. في أحد الأيام فاجأ يوسف اخاه جبو بالقول: سوف ارجع الى القوش.

- لماذا يا اخي ترجع هناك، حتى لو السنة كثيرة المطر فان حشرة السونة (سنّك) تغزو طائرة حتى تحجب ضوء الشمس، فتقطف الغلّة وتترك السيقان عارية!، احمد الله واشكره، هنا تحسن وضعنا وصرنا نأكل أحسن المأكولات، ونتناول الفواكه والخضراوات، ونلبس أحسن الملابس، ولا ينقصنا شيء في هذه القرية.

- (قال يوسف بحسرة) يا اخي عندما ارجع من الحقل وعند مشارف القرية أرى من بعيد لمّة رجال، كلما اقتربت منهم اسمعهم يقولون وصل "سخورا"
(2) بمعنى الغريب، لم اعد اتحمل ان اكون غريباً، فسوف ارجع الى القوش ولن أبقى هنا ابداً، حتى لو تلتصق الأرض بالسماء! "ان طبيا اره بشميّا".
 


الثالث من اليسار القسيس منصور بطرس مامو

جهز يوسف نفسه وحمل متاعه على الدواب ليتحرك صوب القوش، وقبل ان يمضي قاطعاً البراري الفاصلة، قصده صديقه بطرس مامو وطلب منه ان يأخذ ولده الى دير الربان هرمزد ليدخل في سلك الرهبنة، تجنبا لوقوعه بيد الجندرمة، فيسوقونه الى جبهات الحرب المحتدمة، وقد بلغ ابنه من العمر ١٥ سنة، واوصاه ان يتجنب رجال الحكومة، وكان له ما أراد وبعد وصولهم الى القوش اخفاه لعدة أيام في بيته، ثم تسللوا خفية وسلكوا طريق الدير الجبلي، فقبل في سلك الرهبنة، وفي عام ١٩٢٢ قدم الراهب منصور (3) نذوره النهائية، وفي عام ١٩٥١ سيم قسيساً، وانا شاهدته بعد عام ١٩٦٣ رئيسا لدير الربان هرمزد.


الجالس الثالث من اليسار جرجيس سليمان كادو

بعد مدة لم يتحمل شقيقه جبو البقاء وحده في كرمليس، عاد بدوره الى القوش وكان زمان نهاية حكم الدولة العثمانة. كانت في القرية بناية كمرك تابعة للجندرمة (الدرك)، معروضة للبيع فاشتراها الاخوان، وأشركوا معهم صديقهم ياقو شامايا، فقسمت البناية قسمين وكل طرف اخذ النصف، الشرقي للأخوين جبو ويوسف والغربي للشماس ياقو شامايا. بعد مدة ضاق البيت بهم وقد كان عبارة عن غرفة واحدة وآخور تقدر مساحته (٤٠ متر مربع فقط) تحول جبو الى بيت اخر وكان له من الأولاد: زورا، غريبو، داود، إبراهيم، وسارة، وبقي في البيت يوسف الذي كان له من الأولاد، شمعون، أسيت، وحبوبة. بيت ياقو شامايا الحالي ما زال قائما الى يومنا هذا، وبيت يوسف هدّم قبل ثلاثة أشهر وأضحى اطلالا...... تلك كل الحكاية.


بيت يوسب لالا قبل هدمه


الهوامش:
(1)
جبو ويوسف كانوا أولاد مقي بن ايو (إيليا) شابا زورا حيدو.
(2) سخورا ندب يصيب جفن العين، والمعروف عن أهالي كرمليس حبهم للمزاح والفكاهة، حتى المهاجر اللاحق الى قريتهم من القوش المرحوم جرجيس كادو شقيق جبو ودودي لم ينج من مزاحهم في السوق والمجالس وحتى في الكنيسة!! ومع ذلك صمد جرجيس وتزوج هناك وبقي كل عمره فيها، وعند وفاته في حقبة التسعينات رافق جثمانه موكب طويل من سيارات بني كرمليس الى مثواه الأخير في القوش.
(3) هو القس منصور بطرس مامو الراهب: مواليد كرمليس عام ١٩٠٢ ومدفون في دير السيدة حافظة الزروع عام ١٩٩٧.


ججو زورا حيدو


ملاحظة:
اساس هذه الحكاية رواها لي في سوق القوش السيد ججو زورا جبو لاوو، وقد سمي ججو بإسم جده لأمه: ججو رئيس المعروف في شجاعته بين عشائر المنطقة. يتوجب ان اشكره متمنيا له الصحة والعمر الطويل.



California on August 16, 2024
 















 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter