|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الجمعة  27 / 9 / 2013                                  مسلم السرداح                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

حين يحكمك الحيوان

مسلم السرداح   

حين تتقدمك المحكمة فتقف امام حاكم يحكم بالعدل المتعارف عليه ، تحس انك غير مغبون ولن يغبن حقك - حتى ولو كان ذلك الحاكم جلفا ، فظا ، ، غليظا ، بلا أخلاق ، او أسلوب مستقيم للكلام ، او منطق للحديث الصحيح - فيرضيك انه عادل ، وتقف أمامه مطمئنا مما سيحكمك به وسلواك انه بجلافته انما يؤنبك على اخطائك ولكنه انسان شريف .

وحين تقف امام حاكم ظالم ، لم يتعرف على العدل يوما ولم يمر به ، ولكنه بوجه يضحك ، واسلوب رقيق . وعندها ليحكم عليك ما يحكم وتتقبل انت ظلمه كما يتقبل السمّ الزعاف ، من ياكله مغلفا بقطعة لذيذة من الشوكولا مع الحليب والسكّر.

تلكما حالتان قد يبدو بينهما التناقض ولكنهما حالتان مقبولتان لعقل الانسان المغلوب على امره المجبر على الوقوف امام قدره .

ولكن ، ان يرفسك حاكم رديء الخلق اكثر جلافة من التمساح بل هو اكثر منه فظاظة ، لايبكي امام فريسته كالتمساح بل ، ولا ترمش عيناه حتى ، وظالم ، فتلك مسالة اخرى .

كان هذا الاخير هو ما حدث لي ، حين كنت في اول خدمتي العسكرية التي دخلتها بعد تخرجي من الجامعة . المشكلة انه كان كبير الرتبة كبير العمر وكان الجنود يسمونه " ابو حمرة " وكنت اظن التسمية ، للوهلة الاولى ، قد جاءت من تلك الشَرطة الحمراء التي يضعها بجوار رتبته التي يسمونها الاركان .

وكنت صغيرا ، بعمر ابنه الصغير.

سألني " الآمر" بعد ان انزعوني النطاق وغطاء الراس الذي يحمل شرف دولتهم وجردوني من كرامة قانونهم العسكري :
- انت من أي محافظة ؟

كنت أود لو أقول له ان ليس هناك علاقة بين محافظتي وما انا واقف لاجله . ولكني خفت ان يحطمني تماما بعد ان رأيت الحقد الطائفي والجغرافي ، الكامن في عينيه ، . كانتا تكادان تومضان مما يشوبهما من كره تجاه من يحملون جنسيته . كان عدائيا اكثر من خنزير جريح .

- من محافظة البصرة ، سيدي . قلت بكل ادب وانا مكتوف تماما ، في وضع الاستعداد .
- طاح حظ البصرة ، اللي تجيب هالشكول !!.

كان حاكما بالظلم . وقد تجاهل ان البصرة هي من تملأ جيوبه بالمال من نفطها وموانئها . كنت ساكتا مغلوبا على امري ، وكان عندي امل يائس ان هذا الحيوان سيهدأ بعد ان يصب جام غضبه بي . وكنت امل انه من كلاب ازبال المدينة التي ستهدأ دون ان تعض بعد ان تشبع الغرباء نباحا .

ثم سألني :
- يقولون انك خريج كلية ؟
- نعم سيدي .
- من طاح حظ الكليات ، اللي تخرج هالشكول !!.

مددت يدي اردت التأكد من وجهي ، وتثبيت بنطالي الذي راح ينزلق ، فانا كخريج قضى حياته ، لغاية تلك اللحظة بين المدارس والجامعة ، فصرخ بي :
- لا تتحرك اغبر . اخذه رئيس عرفاء وحدة ، ذبّه شهر سجن .

كانت تهمتي اني ، غفلة ، لم اقل للضابط سيدي ، بل ناديته باستاذ .

اسقط ذلك ، محافظتي البصرة ، سلة غذاءه ، ومحافظته ، وعائلته . تلك مدينة الله ، التي اختبأ فيها الحجر الاسود ما جاوز العشرين سنة في ايام ثورة القرامطة الخارجين على ظلم الانسان المستذئب لاخيه الانسان الفقير. واسقط كليّتي التي خرّجت عشرات الالوف من الساعين للحياة ، غيري .

ولم يسألني عن تهمتي . ولا اعذاري . مع ان قوانين الاخلاق تستدعي سقي الحيوان الماء قبل قتله .

وليتني عثرت عليه الان لأسأله قبل إصدار الحكم عليه ، لماذا كان يحمل كل ذاك الكره لي . واين هو الان ؟ وفيما اذا كان قد قبر مع الدكتاتور ، ...... رصيده ، في السقوط !!
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter