|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الخميس  26 / 6 / 2014                                  مسلم السرداح                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



فرانكشتاين في ام البروم *

 مسلم يعقوب السرداح

" الى القاصة الشاعرة الدكتورة ، هناء القاضي . ارجو ان تروق لها "

خاصة بالمثقف
دار لغط كبير بين المواطنين المتجمهرين في احدى ساحات محافظة البصرة ، وهي التي كانت فيما مضى عبارة عن مقبرة كبيرة للموتى من سكان مدينة العشار وما جاورها . تلك هي ساحة "ام البروم " الشهيرة . وكان سبب التجمهر يدور حول نية الحكومة المركزية تحطيم جميع التماثيل والنصب التذكارية ، تلك التي تم تصميمها وبناؤها ورفعها في زمن النظام السابق . واستبدالها بنصب دينية كنتاج للمرحلة التي يمر بها العراق حاليا . وذلك بحجة انه ، اي النظام السابق ، نظام دكتاتوري . وان كل ماتنتجه الدكتاتورية ، او ما ينتج في زمنها ، هو بشكل او باخر انتاج دكتاتوري . بل راح البعض من افراد صنع القرار من مواليد ما قبل النظام الدكتاتوري يتهم جميع مواليد فترة السبعينيات والثمانينات والتسعينيات من القرن المنصرم بانهم دكتاتوريون ، بشكل او باخر . كان القرار متطرفا راديكاليا دعا وايد بقوة فكرة تحطيم التماثيل والنصب التي انجزت زمن الدكتاتورية . دعا ايضا الى اعادة تأهيل الرجال والنساء مواليد الازمان المذكورة اعلاه مدعيا ان الجلاد وضحيته وجهان لعملة واحدة . وان الضحية حين تتاح له اول فرصة ممكنة فانه سوف يتحول دكتاتورا ، ويكشر عن اسنانه ، التي هي اسنان الجلاد . ولذلك فحين وقفت الجموع من المتضررين من قرار التاهيل ، لاسباب كثيرة ، منها بالتاكيد ركضهم المستمر للبحث عن لقمة الخبز وعدم وجود رواتب شهرية لهم او وظائف حكومية . وان بسطاتهم التي يفترشونها في الاسواق وارصفة الشوارع ، لا تكفيهم بالكاد ، الا بالحصول على قوتهم اليومي وعوائلهم . اي لا يوجد لديهم اي وقت لاعادة التأهيل . وكان من بين الواقفين مجموعة من المثقفين ، وانصاف المثقفين المعترضين على ذلك الجزء من القرار الخاص بتحطيم النصب والتماثيل على اعتبار انها جزء مهم من التاريخ الثقافي لشعبنا .

وامام الاحتجاجات المتكررة والمستمرة لاكثر من شهر واحد ، خرج محلل سياسي واجتماعي ، عبر شاشات التلفزيون ليطرح نظريته ، الغريبة ، التي راح يؤكدها فيما بعد بثقة بعد ان وجدت نظريته اندهاشا لدى الناس قائلا :
" ان جميع حروب النظام السابق ، كان يقصد منها القضاء على مواليد الفترة قبل الجمهورية ، ابان الحكم الملكي . وايام الانفتاح القاسمي ، وايام الفترة ما بين حكمي للبعث ، ايام العارفين ، عبد السلام عارف ، واخيه عبد الرحمن . واكمل قائلا ، ولقد نجح النظام الدكتاتوري في ذلك واستطاع ان يوطد حكمه نتيجة لذلك ". واضاف " ان كل الثوار الذين صمدوا للاطاحة بالنظام السابق انما هم من النخبة التي هربت من الخددمة العسكرية ، ومن الحروب التي اشعلها الطاغية . والذين كانوا يعيشون خلف حدود البلد . وبما ان نظامنا الديمقراطي لا يستطيع القيام باي حرب بسبب طبيعته القائمة على السلام . لذلك يجب القيام بتأهيل الشباب منهم والكهول في دورات خاصة " .

ولكي لا نذهب بعيدا عن الخبر الاصلي فلقد كان يدور لغط كبير بين جماهير ساحة ام البروم حول المغزى الحقيقي لقرار تحطيم وازالة النصب ومنها تمثال العامل في الساحة المذكورة والذي يرمز لعامل يحمل بيده مطرقة ضخمة ، يكاد يهوي بها على شيء امامه . وهو يحني جسمه وعضلاته بتوتر شديد . كان النحات الراحل عبد الرضا بتّور قد اقامه من جيبه الخاص ، كما قيل ، لتخليد قيمة العمل . وكان مجموعة من هؤلاء المتظاهرين من المثقفين اليساريين الذين خرجوا للدفاع عن النصب المذكور خصيصا ، بدعوى ان العامل البروليتاري هو العنصر الاساسي ومرتكز الثورة المستقبلية .

في اثناء ذلك سمعت قصة ، بدت خيالية تماما ، رواها احد الحضور ، قال ، وقد كان متحمسا اكثر من اللزوم ، كحال المتظاهرين عموما ، وقد حلف ايمانا غليظة اثناء حديثه ، الذي شد الحاضرين ، حتى راحوا ينصتون له باهتمام كبير . قال ، وهو الحالف :
- انا صاحب بسطية في هذه الساحة ، وتلك هي بسطيتي ، واشار بيده الى خلف الجماهير المحتشدة . وقد شاهدت بام عيني هاتين اللتين سياكلهما الدود ، غدا ، كيف قام هذا التمثال ، واشار بيده نحو العامل ، بالنزول وتحطيم رتل من سيارات تعود للحزب " س " المشارك بالسلطة . ( وابعد نفسي الان ، انا الكاتب ، ولاغراض التقية ، تجنبا للمشاكل ، مع البعض ، عن ذكر اسمه ولكن المتظاهر المتحدث ذكره باسمه الصريح ) . واضاف المتحدث :
- وكان الرتل من نوع سيارات ال" GXR " المصفحة غالية الثمن والتي يسميها الناس بسيارت الجكسار . وقد اذاعت الفضائيات الخبر على انه انفجار حدث بسبب ، عبوة ناسفة ، كانت قد وضعت امام الرتل وكان يتألف من عشرين سيارة . وقالت الفضائيات وقتها ان السيارات الباقية اصطدمت مع بعضها البعض بسبب السرعة العالية التي تسير بها سيارات الارتال الحزبية دائما . واضاف المتحدث ولا زال متحمسا في حديثه وهو يقسم الايمان :
- وبعد فترة شاهدت رتلا من خمس عشرة سيارة من نوع " اليوكَن " الامريكية الحديثة وقد اصابها ما اصاب شقيقاتها من الحزب " ص " . ثم اضاف :
- ويعلم الله كم من الحوادث غير هاتين الحادثتين قد حدثت . فانتم تعلمون ان ساحة ام البروم التي تقفون الان فوقها قد كانت مقبرة فيما مضى . وكم من الارواح تحوم الان حولها . وربما يكون روحا خيرا او شريرا قد تلبس هذا التمثال ، وجعله يتصرف هكذا .

حين انتهى من حكايته الغريبة سأله احد الحضور ، عما جعله يعتقد ان تمثال العامل هو من قام بذلك ؟ فاجاب :
- لاني اخرج صباحا قبل الجميع . ولقد شاهدت ضربات الجاكوج الثقيلة فوق سطوح السيارات . فبدت السيارات وكأنها خرجت من المصنع هكذا وقد خسفت من الاعلى ومات من فيها ، تحت ضغط السقف . وكان ذلك قبل ان تأتي الجهات المختصة لتحمل السيارات بعيدا عن الشارع العام .
- وهل شاهدت العامل وهو ينزل . ليحطم السيارات .
- بل شاهدت اثار ضربات المطرقة فوق قمرة السيارات . نقس الضربة ونفس المكان والطريقة . يبدو ان العامل فعلها بعد منتصف الليل بساعتين حيث تخلو مدينة العشار من المارة تماما .
- وهل يعرف الجميع ذلك ؟ كانت الاسئلة والاستفسارات تتوالى عليه من الحاضرين .
- رجال السلطات المختصة ، يعرفون ذلك . ولهذا السبب يحاولون الخروج بقرار لازالة التماثيل ، جميع التماثيل .
- ولماذا لا يزيلون تمثال العامل وحده ، فقط ؟ ويبقون على التماثيل الاخرى ؟
- ربما وجدوها فرصة لانهم يكرهون التماثيل التي يقولون عنها ، انها لا تتناسب مع الرؤية الدينية ، للاحزاب الاسلامية . لانها حسب الفتاوى الدينية ، تعتبر تجسيدا لهيئة ثلاثية الابعاد تقلد الخالق في خلقه . وستسكنها الشياطين ، عاجلا ام اجلا .
كانت طريقة الرجل في الحديث مقنعة تماما . حتى انني لم استطع في قرارة نفسي رفض حكاية الرجل . ولكن عندما ذهب المتحدث الى بسطيته ، وباب رزقه ، كما قال ، معتذرا ، قال احد الحاضرين ، وهو رجل ستيني :
- هذه القصة مشابهة لقصة " فرانكشتاين " للكاتبة العالمية " ماري شيللي " في نفخ الأرواح في الاجساد الميتة . التي تتحول الى كائنات شريرة حين لا تجد ما تنسجم فيه مع عالم الناس .
- ومن أين له تلك المعرفة بالقصة . وهو غير متعلم أصلا ؟ . وانا اعرفه جيدا فهو رجل صادق ولكنه لا يقرأ ولا يكتب . قال احد الحضور ، وكان كما يبدو من حديثه على معرفة شخصية بالمتحدث الأول .
- ربما يكون قد سمع بقصة " فرانكشاين في بغداد " للكاتب العراقي " احمد سعداوي" . فهي منتشرة هذه الايام . قال الرجل المثقف .
- منتشرة لديكم انتم لانكم تقرأون وتكتبون ، كما يبدو من حديثك . اما نحن فلم نسمع بها ابدا لاننا مشغولون بالبحث عن لقمة العيش وافتراش الارض . فسكت الرجل على مضض امام قوة حجة محدثه .
اما انا فقد بقيت متعجبا ، ولا ازال ، من حديث الرجل الاول . وقلت في نفسي :
- في عقول الناس تكمن قصص لحوادث عجيبة غريبة حقا . لا نستطيع الجزم بمدى خطئها او صوابها !!!

 

* " قصة قصيرة "


البصرة مايس 2014- 05

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter