|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأثنين 17/9/ 2012                                                          مسلم السرداح                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

صداقة وبلبل وفتاة

مسلم السرداح

صداقة
كان  الولد مصابا بفوبيا الخوف  من منظر القبور ، لانها  شاهدة  على المجهول الذي يغيّب عنه من يحبهم ويمضي بهم بعيدا الى حيث لارجعة . وكان وحين تجبره الظروف على المرور بين  قبور الموتى اثناء ذهابه بمعية والده لزيارة قبور اقاربه واهله ،  يبتدئ جسمه بالارتجاف مصحوبا بالاحتلامات الليلية المزعجة والكوابيس .وكان اكثر مايرعبه حين عبوره قبرا محفورا ، سقط سقفه ، لميت بائس انقطعت  ذريته  . وراحت هذه الحالة ، تسم طفولته  بميسمها البشع .واستمرت معه حتى كبر الولد ، وصار شابا يافعا .

 اندلعت حرب ضروس لها اول ولا اخر بعد ذلك.

 وفي يوم من ايام الحرب ، وكان  جنديا في الجبهة لفظ صديق حبيب له من اترابه  ، انفاسه في حضنه بعد ان اصيب بشظية  قاتلة . ومن يومها تآلف مع رعب الموت  ،  بل ولم  يعد يخافه او يرهبه .
 

بلبل
كان الولد يعاني من فوبيا المناطق المرتفعة ، اعتقادا منه انه سوف يسقط منها  نحو الارض فتلتهمه وتنتهي حياته . انه حب الحياة ، ذلك الذي يجعله يخاف صعود المرتفعات .

وبالرغم من انه لم يسقط يوما ما من مكان مرتفع نحو الارض ، الا انه كان يعاني من خوف غريزي تاصّل في نفسه منذ ، ما لا يعرفه ،  متى وكيف  ابتدا معه .

وفي يوم اهداه صديق لوالده  بلبلا صغيرا ،  وضعه في قفص مصنوع من جريد النخل احضره الى بيتهم  ، مع زنبيل من الخوص مملوء بالرطب .

كان عشقه للبلبل ، دافعه ، حين فتح  باب القفص . لكن عشق  البلبل للحرية ، كان دافعه ، ايضا ( لانه لم يدجن على يد الفلاح صديق والده ) فقد طار العصفور ، ليحط على قمة جذع نخلة عالية ( عيطة )   قريبة .

عند ذلك نسي الولد خوفه من المرتفعات ، وراح  متسلقا  النخلة ، مثل قط رشيق،  لحين الامساك بالبلبل المتوحش الذي تحول فيما بعد الى طائر مدجن عن طريق التجويع والتغذية حد الكفاف ، وبصورة متناوبة . وتشافى هو من فوبيا المرتفعات .


فتاة
وكان الولد يعاني من مرض الدوار . وكان من اعراضه انه يخاف التطلع في الاجسام المهتزة التي تروح وتجيء  عنوة  . فكانت الدنيا تدور في رأسه حين يسافر في السيارة . وكان اشد ما يربكه هو النظر  لحركة  الدواليب والاراجيح  الشاهقة  التي تربط بين نخلتين عاليتين التي تروح تتحرك متأرجحة في الهواء ايام  الاعياد    . فكان يصيبه الغثيان ويظل رأسه  يدور لما تبقى من ايام العيد والايام التالية  ، وقد  يلازم الفراش وما يبرح يتناول ادوية الدوار والغثيان . ولكن وفي احد الأعياد ، صعدت الأرجوحة بنت الثانية عشرة ابنة جارهم البرجوازي  الجميلة الدلوعة بملابس العيد الزاهية  الفضفاضة التي كانت تتطاير فوق رأسها هاربة تاركة جسدا بضا  جعل الحماس والنشوة يدبان في جسد عاملها حين  راح  يضرب الحبل بعصاه  بكل ما اوتي من قوة  حتى باتت ترتفع وتنخفض وكأنها تطير في عنان السماء مثل بندول ساعة متعجلة ،  راسمة لوحة جميلة في الهواء ، مثل بستان  برتقال ناضج ، يعجز الرسام " مانيه " من رسمها  . ما ادى به الى ان  لا يتمالك نفسه من التحديق بشراهة ، في  تلك اللوحة الرائعة  فوق الأرجوحة وهي تروح وتأتي ناسيا الدوار وما يسببه من الغثيان له .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter