|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  12 / 7 / 2015                              د. محمد شطب                               كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

قتلة ثورة تَـــ 14 ــــمّـــ 1958 ـــمُوز
يعبثون بالعراق اليوم

د. محمد شطب

كانت ثورة تـــ 14 ــــــمــــ 1958 ـــــموز عنوانًا للإنعتاق والتحرر، للخير والأمل والتغيير، للعطاء والتقدم لشرائح واسعة من أبناء الشعب العراقي، لأنها كانت ثورة عارمة غيَّرت وجه العراق على كل المستويات وذلك خلال فترة زمنية قصيرة جداً تم فيها تشريع مجموعة من القوانين المتطورة أحدثت إنفجاراً في العلاقات الإجتماعية السائدة.

فقد أنهت هذه الثورة المجيدة بإندلاعها 40 عاماً من السيطرة الإستعمارية البريطانيَّة المجحفة على العراق، وإنتشلت البلاد من شِباك حلف بغداد، ذلك الحلف الذي أنشأته بريطانيا وحشرت فيه مستعمراتها في أسيا، كل من إيران وباكستان وتركيا والعراق، لتنفيذ خططها الإستعماريَّة البغيضة في الشرق. وأصدرت الثورة حِزمة من القوانين العملاقة لتحرير الوطن ولضمان مصالح المواطنين دون إستثناء أوتمييز، منها قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958، الذي يُعتَبر بحق ثورة إجتماعية بتأريخ العراق الحديث، حيث سُحِبَ بموجبه البساط من تحت كبار الإقطاع والملاكين الزراعيين، الذين كانوا يسيطرون على معظم الأراضي الصالحة للزراعة ويستعبدون الفلاحين فيها ويستخدموهم كأقنان مجردين من كل حقوق، وبالتالي توزيع هذه الأراضي على هؤلاء المغيبين وتمكينهم من إستعادة كرامتهم وإنسانيتهم المهدورة، وبهذا قضت على علاقات الإنتاج شبه الإقطاعية في العراق. ثم أقدمت على إصدار القانون رقم 80 لسنة 1959، الذي قَصَمَت بموجبه ظهر الشركات النفطية الإحتكاريَّة العالمية، حيث سَحِبَت بموجبه أكثر من 90% من الأراضي التي كانت متواجدة تحت سيطرتهم لأغراض التنقيب. وإصدار قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، الذي رفعت بموجبه أشكال الحيف عن المرأة ومنحتها الحريَّة ووضعت أسس المساواة بين الجنسين، وتشريع قانون الكسب غير المشروع وقانون إنضباط موظفي الدولة رقم 16 لسنة 1958 الذي يحمي المواطنين من الفاسدين والمفسدين، وقانون الضمان الاجتماعي رقم 27 لسنة 1960، الذي وطَّدَ أسس المساواة بين أبناء الوطن وأشاع مبادىء العدالة الإجتماعية، وباشرت في وضع حدٍ لمظاهر الجهل والتخلف بقيامها بسن قانون مجانيَّة التعليم وبناء العديد من المدارس والمعاهد والجامعات في مختلف القرى والأرياف والمدن العراقية، وقد ساهمت الثورة على الصعيد العربي بمساعدة منظمة التحرير الفلسطينية بتأسيس جيش التحرير الفلسطيني، وتقديم المساعدة للثورة الجزائرية، وتقوية الجامعة العربية، كما أنها ساهمت في تأسيس منظمة الأوبك، ومنحت الحريّات الواسعة للأحزاب والمنظمات الجماهيريَّة والنقابات العماليَّة والمهنيَّة وباشرت بالنهوض بإجراءات واسعة من أجل تطوير الزراعة والصناعة والتجارة في البلاد، وكان لهذا ولغيره من الإجراءات التقدميَّة دورها الكبير في خلق أجواء عامة تسودها الفرحة للغالبية العظمى من المواطنين.

ولكن كان لهذه الثورة أعدائها، الذين شهروا سلاحهم ضدها منذ اليوم الأول لإندلاعها، حيث لم ترق هذه الإجراءات للبعض من أذناب الإستعمار ومن الإقطاعيين والمتزمتين من رجال الدين والعروبيين من قوميين وبعثيين ومن لف لفهم من ألذين انجرفوا وراء الفتن الإستعمارية فتآمروا على الثورة ومنجزاتها وأباحوا وإستباحوا كل شيء في بلد الرافدين. فتجمعت قوى اليمين بمختلف تيّاراتها وتلاوينها ومعهم أذناب الإستعمار البريطاني العتيق، والمرتبطين بدوائر المخابرات البريطانية والأمريكية وغيرها من دوائر المخابرات العالميَّة، يصطف ورائهم كبار الإقطاعيين والملاكين والباشوات والأغوات من العرب والأكراد تدعمهم وتخطط لهم شركات النفط التي تعرضت مصالحها لضربة قاسية.

كما ناصبت المرجعية الدينيَّة العداء لهذا الحدث العظيم في تأريخ العراق منذ اليوم الأول له، فلم ترسل رسالة تأييد لهذه الثورة ولم تشارك الجماهير في مسَرّاتهم في هذا الحدث الجليل، لكنها لم تنس ارسال برقية تهنئة وبهجة لإنقلابيي 14 رمضان الأسود، الذين إغتالوا هذه الثورة وقادتها ومؤيديها بدم بارد، وكذلك لم تنس ارسال برقية مطالبة بإيقاف قانون الاحوال الشخصية وعدم العمل به. كما تحالفت المرجعيات الدينية في النجف بعد قيام الإقطاع والأغوات الأكراد بزعامة الملا مصطفى البرزاني حليف نظام الشاه والأميركان في وقتها. * بمواجهة الثورة الفتية بقوة السلاح، حيث أصدروا فتواهم بحرمة قيام الحكومة بالحرب في كردستان العراق.

ولم يكتفي رجال الدين بهذا القدر بل راحوا يوثقون علاقاتهم مع شيوخ العشائر وكبار الإقطاع والأغوات من العرب والأكراد، الذين تعرضت مصالحم وإمتيازاتهم ومواقعهم للضرر بفعل منجزات الثورة، وتأليبهم عليها لإيقاف مدِّها وإفشالها، فأصدرت المرجعية فتوى بحرمة الصلاة على ـ ما أسمته ـ الأرض المغتصبة، وهذه محاربة ضمنيَّة وموقف عدائي صريح لما جاء به قانون الإصلاح الزراعي، الذي قام بإسترجاع الأراضي من كبار الإقطاعيين وتوزيعها على فقراء الفلاحين.

كما بذلت قوى الإقطاع كل ما في وسعها لوقف عجلات الثورة وإبقائها تراوح في مكانها، فبذلوا الجهد ووفروا الأموال وقاموا بدور تخريبي واضح بدعمهم حركة الشواف المشبوهة في الموصل عام 1959، والتي كانتْ ترمي الى القضاء على الجمهورية الوليدة، حيث جَنَّدت قبائل شَمَّر، التي ينتمي إليها أول رئيس لجمهورية العراق (الفتية) بعد إحتلال 2003، أعداء الثورة وأوصلت لهم السلاح القادم من الشقيقة الأكبر (مصر) عبر أراضي الشقيقة الأصغر (الجارة البارَّة سوريا)

وقام كبار الإقطاعيين والأغوات الأكراد بدفع وتحريك ودعم من الشاه وأسياده بإشعال نيران حرب داخليَّة في شمال الوطن لوقف عملية التقدم وإعاقة عملية تشريع المزيد من القوانين الديمقراطيَّة ولإلهاء الجيش العراقي في حرب جانبيَّة لا غنى للعراق وأهله فيها.

وفعلاً، تحقق لهؤلاء ما أرادوه من الإنقلاب على الثورة، وحل الكابوس الأسود على الوطن، فرفع الإنقلابيون شعار (يا أعداء الشيوعية إتحدوا!) وتمكن قطعان الحرس اللاقومي من إستباحة الوطن والمواطنين وإشاعة الموت والدمار والخراب في كل ركن من أركانه. وكان من أولويَّات أقزام الإنقلاب الدموي الأسود في شباط 1963 وبتوجيهات مباشرة من أسيادهم تصفية القوى الديمقراطية في العراق عامة وقوى اليسار بشكل خاص.

جئنا بقطار أمريكي
(هكذا قالها صراحة ــ السفّاح علي صالح السعدي ــ أمين سر حزب البعث في العراق عام 1963)

ومِن الأجداد إلى الآباء والأحفاد، وكأن هذه المواقف العدائيَّة جينات وراثيَّة خبيثة تنتقل من جيل إلى آخر ضمن هذه المكونات المريضة لتتخذ عين المواقف المعاديَّة لمصالح الوطن ومواطنيه وترتهن لأجندات الشر المتربعة في عواصم ومدن متناثرة خارج الحدود.

حيث أنه وبعد 40 عاماً، ففي عام 2003 جاءت حكومتنا الجديدة بقطار أمريكي (أنيق)، عبَّدَ الطريق له أبطال العروبة، الأقزام المهزوزين والمهزومين، من الرؤساء والملوك العرب، وصَفَّقت له أيادٍ لا يعرف تأريخها سوى التآمر والإنقضاض على مصالح الوطن وأبناءه، تربعت على كراسي عربته الأولى وجوه الشؤم، أعداء العراق وأهله ومستقبله، خدم الأجنبي ومنفذي خططه، تحرسهم الدبابات والمدافع، وتمهد الطريق اليهم أحدث الطائرات واكبر الراجمات، التي صبَّت حممها على الزرع والذرع، وهذه المرة كانت غير سابقتها الأولى في إنقلاب 8 شباط الأسود المشؤوم، حين بذل فيها أزلام ذلك الإنقلاب جهوداً لإخفاء من يقف ورائهم، فقد جاء (المحررون) هذه المرة مع أسيادهم، وبشكل علني، وعلى مرئى ومسمع الجميع، ليس في العراق وحده، بل في العالم كله، رغم أنف الجميع، وبتحدياً سافراً لكل القوانين والمواثيق والإتفاقيات الدولية السائدة وللشرعيَّة الدولية.

فبعد الغزو والإحتلال والدمار والخراب الذي رافق ذلك كله إستبشر المواطنون خبر زوال نظام البعث المجرم الفاسد البائد، مؤملين أنفسهم بالوعود المعسولة (المسمومة)، التي ساقتها قوى الإحتلال وروَّج لها أذنابه ومرتزقته ومرافقيه. ربما تيمنًا بقول الشاعر الشعبي العراقي الذي يقول:

غَضَّينا النظر عن الحرامي الجاي يشرب دم أهلنا وكِلنا يحمينا. **

إلا أننا لم نر إلا أحفاد تلك القوى التي تآمرت على ثورة تمــــ 14ــــــــوز المجيدة وإغتالت منجزاتها وأعدمت قادتها ورَوَّعت مؤيديها وأعادت أعدائها إلى مراكز القوة والقرار في البلاد ليشيعوا فيها أبشع صور الموت والخراب والدمار. فهم يرفعون شعارات الديمقراطية ويمارسون نفس أعمال البارحة، فزرعوا المفخخات و نشروا اللاصقات والعبوات الناسفة في كل مدن وأحياء وشوارع وبيوت العراق، وإستخدموا المسدسات الكاتمة لتصفية ما تبقى من قوى الخير وشَدّوا الأحزمة الناسفة على بطون إمعاتهم لتتفجر ناشرتاً الموت والرعب والخراب والدمار. يُشعِلون بوعي محارق الفتن ويُسَعِّرون بؤر التآمر ويسرقون الوقت لتاخير عجلة أي تطور يمكن أن يحصل في البلاد، محاولين بعناد العودة إلى زمن الحزب الواحد، غير آبهين بما يحيق بالعراق وأبنائه من ويلات، فلا يزال العراق يرضخ تحت بنود الفصل السابع وسيادته منقوصة، ومكبل بمعاهدات جديدة مع الجهات التي عاشت فيه فساداً، فتوقفت المصانع وجفت الأنهار وتصحرت الأراضي وهجر الفلاحون أراضيهم ليلتحقوا في صفوف العاطلين في المدن، وذهب القسم الأكبر من موارد النفط إلى جيوب الفاسدين والسُّراق والأميين دون إستثمار في مشاريع التنمية الوطنية، وإتسعت الهوة بين أبناء الوطن وإزدادت اعداد الضحايا والأرامل واليتاما والعاطلين عن العمل والمهجرين، وتفشى الجهل والمرض وإنتشرت مظاهر الفساد المالي والإداري بشكل لم يسبق له مثيل.

وقد ساعدت هذه السياسات الرعناء المبنيَّة على أسس المحاصصة الطائفيَّة والقوميَّة والمذهبيَّة التي زرعها المحتلون وإنتهجها الحكّام الحاليون على تفتيت وحدة العراق وترسيخ الولاءات للطائفة والمذهب والقوميَّة وتقديمها على الولاء للوطن كما ساهمت في فتح الأبواب واسعة لظهور وتطور عصابات الموت والدمار المدعومة من قبل جهات أجنبيَّة خدمةً لمصالحها الإستراتيجيَّة ولكونها لا تريد خيراً للعراق والعراقيين لتسفك الدماء وتهدم ما تبقى من معالم لهذا البلد ولتنشر الخراب والدمار في كل مكان مستنزفتاً بذلك موارد البلاد البشرية والماديَّة واضعتاً العراقيل أمام عجلة البناء والتقدم مما يترب عليه المزيد من التراجع والإنهيارات وعلى كافة المستويات.

لابد من تكثيف جهود كل الطيبين، لوضع الحدود أمام إستمرار هذا النهج التخريبي المدمر وتشديد المطاليب والدعوات الرافضة لهدر وسلب المال العام، والإلتفاف على حقوق المواطنين ومصادرة الحريّات وضرورة المطالبة المستمرة بإتخاذ الإجراءات السريعة واللازمة لمحاربة الفساد والإرهاب وسد الطرق أمام أعداء الإستقلال والحرية والتقدم لمنعهم من الإستمرار في إغتصاب مراكز السلطة والقرار والتحكم بمصائر البلاد والعباد.

* السيد عبد الكريم قاسم (قدس) والزعيم محسن الحكيم‎ـ/ بقلم محمد باقر الحسيني - النجف‎ / 26/04/2007
** (شاعر شعبي عراقي، من الشعراء الشباب المجددين، لم اتذكر إسمه للأسف الشديد.)
*** http://www.al-nnas.com/ARTICLE/HHamdani/7tmuz2.htm 


 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter