|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  24 / 9 / 2015                                 مالزم أبو رغيف                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



الديمقراطي لا يُلدغ من نفس الجحر مرتين

مالوم أبو رغيف

الديمقراطية حسب الفهم الشرقي تتناقض بين اعتباراتها السياسة وبين مدلولات واقعها الفعلي في البلدان الشرقية التي تتبعها كنظام، مثل العراق ولبنان، فالمعنى الحرفي للكلمة يشير الى حكم الشعب، على افتراض كون الشعب واعيا سياسيا وثقافيا ومؤهل لتحمل مسؤلية الاختيار وقادرا ايضا على تصحيح الاختيارات الخاطئة، فالديمقراطي الحقيقي لا يمكن ان يلدغ من نفس الجحر مرتين.

الديمقراطية بمعناها السياسي تعني الوصول الى السلطة بنزاع سلمي غير انقلابي وغير تناحري وعبر صناديق الانتخاب، واذا كانت هذه الفرضية صحيحة عند الغرب، فان صناديق الانتخابات في دول الشرق هي من مستلزمات الـعرض show)) وليس الفصل، فالحسم دائما ما يكون خلف الكواليس.

في الغرب عادة ما يتناوب الحكم حزبان يكادان لا يتغيران، وان اختلفا هذان الحزبان في سياسة فرض الضرائب وطرق وسبل تخفيف معدلات البطالة، فهما غالبا لا يختلفان في ادارة سياستهما الخارجية، اذ ان المصالح interests هي التي تحدد نوع العلاقات وليس المبادئ principles،

ان المصالح التي تحظى بالاولية عند الحكومات الغربية، بقدر ما يتعلق الامر بالسياسية الخارجية هي المصالح الاقتصادية. فعلى الصعيد السياسي الخارجي لا يكترث كثيرا لمصالح الشعوب وان تناقضت المصالح مع مبادئها، او حتى لو تناقضت مع الشعارات والمباديء السياسية العامة للدولة، لذلك قالوا، لا توجد صداقات دائمة، انما مصالح دائمة.

وكمثال على التناقض بين الحكومات الغربية مع شعوبها هو استمرار بيع الاسلحة لتركيا وللسعودية ولدول الخليج رغم العدوانية السافرة لهذه الدول، او التناقض الفاضح بين مبادئ الحزب الاشتراكي الفرنسي المعلنة وسياسته في السعي الحثيث لتعزيز العلاقات مع دول لا تحترم حقوق الانسان ومتورطة في الارهاب مثل امارة قطر لقاء استثمارت قطرية في فرنسا تقدر بمليارات الدولارات. وكذلك التناقض المخزي بين سياسة الادارة الامريكية المعلنة ضد الارهاب وبين تدريبها وتمويلها وتسليحها للفرق والجماعات الارهابية كما كان الحال في افغانستان وفي سوريا اليوم.

بينما الديمقراطية الداخلية، وهي منظومة علاقات ومباديء الاجتماعية وسياسة وقانونية وثقافية، لا يمكن المس بها دون توقع عواقب غير مسرة، ذلك انها تمثل كرامة الانسان التي يجب ان لا تخدش، ولا يمكن لأي ادارة حكومية غربية، ان تتناقض بشكل سافر مع مباديء الديمقراطية الداخلية، لأن ذلك يعني المغامرة بخسارة الانتخابات المقبلة، فالشعوب الديمقراطية مؤهلة لحسن الاختيار ولها القابلية الفكرية والثقافية على تصويب اختياراتها وتصحيح اخطائها.

الديمقراطية في الشرق من حيث الشكل لا تختلف كثيرا عن عن تلك الموجودة في الغرب، فالشكل يبدو متناغما مع شعارات مصلحة وحقوق الانسان ، لكنه شكلا مخادعا، اذ انه يغطي على تشويه يتناقض معه، ذلك ان جوهر الديمقراطية في الدول الاسلامية مبني على المبدأ المخادع ( امرهم شورى بينهم) وهو مبدأ راسخ في ذهنية الاسلامي الشرقي الخاضع فكريا وروحيا لرجال الدين وشيوخ العشائر ورجال السياسة المتنفذين.

الديمقراطية الشرقية في حقيقتها نزاع تناحري عدائي وحرب غير معلنة بين اطراف همها الوصول للسلطة للانتقام والتشفي والتآمر والسرقة وخداع الناس والضحك على ذقونهم والتنصل من الوعود والعهود. لذلك وفي كل متغيرات الظروف والشروط يبقى حزب الحكومة هو الغالب دائما. هذه الغلبة قد تكون عن طريق التلاعب والتزوير او انها غلبة صحيحة، ففي مجتمعات التخلف تطغى الروح الانتهازية بقوة على اختيارات اغلب الشرائح الاجتماعية، ونعني بالروح الانتهازية هنا، روح الرضوخ لاغراءات الحكومة وضغوط كهنوت الدين وشيوخ العشائر.

ننائج الانتخابات في الشرق غالبا ما تكون لصالح حزب الحكومة ، مما يشير الى انعدام فرص فوز المعارضة في الانتخابات حتى لو كانت كل التوقعات تشير لصالحها. لذلك جاءت المحاصصة الممكيجة بديمقراطية التوافق كأختراع لايهام الناس بتحقق الاجماع العام.
الديمقراطية السياسية حتى وان تحققت، لا تهم الناس كثيرا، اذ ان الالية التي تدار بها الدولة هي آلية فاسدة.

نقول آلية فاسدة، ذلك ان في الدول العربية والاسلامية، وعندما يدور الحديث عن الديمقراطية، فان المقصود دائما معناها السياسي وليس الاجتماعي او الحقوقي، لان معناها الاجتماعي والحقوقي يتعارضان مع مباديء الاسلام وجوهره المبني على مبدأ الخير ما اختاره الله.

الديمقراطية السياسية تصبح ليس ذات معنى اذا لم تتحق الديمقراطية الاجتماعية والحقوقية، ذلك ان اهم مباديء الديمقراطية هي الحرية الشخصية والحريات العامة وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، فــ بدون الحرية الشخصية والحريات العامة وبدون المساواة وبدون العدالة الاجتماعية سيكون الشعب غير قادرعلى حسن الاختيار الذي يمثل حجر الزاوية في البناء الديمقراطي، فالشعوب التي لا تحسن الاختيار هي شعوب غير مؤهلة للديمقراطية بعد، لانها ستلدغ من نفس الجحر عشرات المرات ولنا في تجربة العراق دليلا على ما نقول.

الديمقراطية السياسية هي لعبة الاحزاب للوصول للثروة والنفوذ والسيطرة على السلطة، فاذا كانت الاحزاب وخاصة الدينية في الشرق عصابات ومافيات ووكالات للدول الاجنبية واجهات لغسيل وتهريب الاموال، فاي نفع واي انجاز قد تحقق للشعب في العمل بها؟ الا تصبح الديمقراطية عندها فخا لاصطياد المغفلين؟

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter