|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  16 / 8 / 2015                                 مالزم أبو رغيف                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



جبهة الفساد واحدة وان اختلف الفاسدون

مالوم أبو رغيف

ان اهم ما تميزت به المظاهرات الاحتجاجية التي عمت اغلب مدن العراق، انها لم تكن ذات صبغة طائفية او دينية. حتى ان السؤال المعتاد الذي غالبا ما يقفز الى الاذهان في عهد ديمقراطية المحاصصة عن الهوية الطائفية للافراد او المجموعات، لم يرد الا نادرا في تغطية الفضائيات العربية لهذا الحراك الشعبي العراقي الواسع.

الحراك الشعبي وان بدا محصورا في بغداد ومدن العراق الجنوبية، الا ان طبيعة شعاراته ومطالباته كانت عامة في مضامينها وفي اهدافها ولم تقتصر على منطقة او طائفة دون اخرى. انها اهداف مشروعة في قانونيتها وفي ضرورة تحقيقيها، فالقضاء على الفساد مطلب شعبي ووطني عام، ومعاقبة الفاسدين والمفسدين والمسئولين عن اهمال الانسان والبيئة والمال العام والكرامة الانسانية لا يختلف حولها مهما اختلفت وتعددت الانتماءات.

وبالطبع لا يمكن توقع سكوت الاطراف التي يمكن للاصلاح والتغيير ان يلحقا بها الضرر، فمن غير المعقول ان يرى الفاسدون هيكلهم وهو مهدد بالانهيار بتأثير حراك شعبي يزداد زخما وقوة، دون ردة فعل منهم لمنعه من السقوط. ان توقع قعودهم عن عمل او ردة فعل مضادة ليس سوى تفكير سطحي وسذاجة سياسية.

لقد اختارت قوات الامن والشرطة في بغداد عدم التدخل في حل التجمعات بالقوة كما فعلت في عهد نوري المالكي، ولعل مرد ذلك بان المتظاهرين لم يرفعوا شعارا مستفزا لحكومة العبادي رغم حقيقة جوهر فسادها. على العكس من ذلك، كانت الشعارات التي رفعها المتظاهرون تؤكد على الوقوف مع العبادي في توجهه نحو الاصلاح حتى لو كان الاصلاح ترقيعا هنا وهناك وليس عمل دؤوب ومتكامل للقضاء على بنية الفساد القانونية والتشريعة والمحاصصاتية والطائفية.

ولعل افضل طريقة لفض التلاحم الشعبي المبني على شعور جماعي بالغبن والتهميش كما يراها المتربصون، هي ان يعمدوا صبغ الحراك الشعبي بصبغة سياسية او طائفية او دينية محددة، ذلك بهدف اثارة التناقض والصراع بين الاهداف العامة والاهداف الخاصة للحد من زخمه الشعبي ومن احتمال انتشاره على نطاق اوسع من ساحات التظاهرات.

ولاثارة التناقض، عمد المنتفعون الى اتباع اسلوبين خبيثين لاحداث فجوة او صدع في بنية التظاهر كتعبير مدني سلمي عن عدم الرضا، وذلك في التعريف الخبيث للشعب بانه مجموع مكونات طائفية وقومية. ولهذا الغرض اشاروا بخبث وتأليب طائفي واضح الى الفرق في التعامل بين التجمعات التي سميت وقتها بساحات الاعتصام والتي كانت في حقيقتها تجمعات عدوانية ملغومة تكرس روح الطائفية والمذهبية وتنفخ في كوانين الضغينة والاحقاد، وبين الاهتمام، كما يدعون، بتظاهرات ساحات النضال الشعبي والجماهيري التي تدعو الى تطهير الوطن من كل براثن الغش والفساد ومحاربة الطائفية.

اما البعض الاخر فقد اختار اسلوب تحويل المظاهرات من مدنية عامة الى طائفية مذهبية تصب في مصلحة المرجعيات الدينية، فحشدوا اعدادا مختلطة من معممين وملتحين ذوي انتماءات طائفية معروفة، حاملين شعارات دينية وهاتفين باهازيج طائفية غاب عنها الهدف الاصلاحي والدعوة للقضاء على الفساد والعبث بالمال العام.

ان ميزة الفساد في العراق هي انه مدعوم دينيا، فالاحزاب الاسلامية العراقية المدعومة بمرجعيات دينية هي المسيطرة على الحكومة، وان ابرز كوادرها وقادتها ان لم يكن متهما بالفساد، فان ظواهره بادية عليه مثلما يبدو الطفح على جلد المريض.

اما الدول الاقليمية فانها تخطط لابقاء العراق فاسدا متحاربا طائفيا بعيدا عن التحضر والمدنية لكي يبقى مجرد سوق لتصريف السلع. كذلك، وهي ملاحظة يجب التأكيد على ابرازها لكونها تمثل احد انواع الفساد العميق، ان اغلب السياسيين العراقيين والمرجعيات الدينية واصحاب النفوذ، اولئك الذين يمتلكون تأثيرا كبيرا على العملية السياسية والاقتصادية، غالبا ما تكون مقراتهم في الدول الاقليمية المجاورة، انهم يستثمرون السياسية والدين والطائفية في العراق، بينما يستثمرون كل الثروات المهربة والمسلوبة في تلك الدول.

الفساد وباء يشمل الجميع بنقمته ، ضحاياه لا تقتصر على طائفة او على قومية، واذا كانت مصالح الفاسدين مشتركة ومتشابهه، فان مصالح ضحاياه هي ايضا واحدة تتمثل في القضاء عليه مهما اختلفت اشكاله، اكان سياسيا او قضائيا او طائفيا مذهبيا او قوميا .

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter