|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  13 / 8 / 2015                                 مالزم أبو رغيف                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



الاصلاح ان يكون الشعب غاية الوطن

مالوم أبو رغيف

الاولى

يحكى ان رجلا كانت حالته لا تختلف عن حالة العراقيين، يعيش وزوجته في غرفة واحدة، يسئمه الضجر وقلة ما في اليد وضنك المكان وشكاوى زوجته وندبان حظه العاثر. اخبرته مرة بان الناس تمتدح وتشيد برجل دين يسكن على مقربة منهم فان قص عليه حالته ربما سيهب للمساعدة.

ذهب صاحبنا الى رجل الدين الذي قابله بهشاشة وبشاشة ورحب به واستمع له مليا، ثم طلب منه الانتظار لبعض الوقت حتى يعود وبعونه تعالى سيجد حلا يسعده.

انتظر صاحبنا طويلا حتى عاد رجل الدين وهو يتأبط خنزيرا صغيرا وطلب منه السماح لهذا الخُنيزير العيش معه في البيت وبعد انقضاء اسبوع سيمر عليه ومعه بشارة حلا سيهشه ويبشه.

ساءت معيشة الرجل على سوئها بوجود الخُنيزير وتكدر مزاج الزوجة حتى قاطعته، وما ان انتهى الاسبوع الذي خال انه لا ينتهي حتى طرق رجل الدين الباب على العائلة المظلومة الملطومة التي بدأت تنوح وتندب وتشكوا لرجل الدين قبل الله، كيف ان الخُنيزير كدر عليهم معيشتهم وضيّق عليهم خناق المكان وصَير البيت حضيرة بأوساخه وقذارته.

ابدى رجل الدين تعاطفا وتلاطفا معهم وتفهما لشعورهم وتضامنا انسانيا معهم وطلب منهم الصبر ثلاثة ايام اخرى والصبر مفتاح الفرج.

ثلاثة ايام مرت وكأنها ثلاث سنوات وصلت العائلة فيها الى حد لا يطاق من الضيق والضنك، وتركز كل املها على امل الخلاص من هذا الخُنيزير الذي سوّد عليهم عيشتهم. في اليوم التالي بعد ان اوفى رجل الدين بوعده واخذ الخنُيزير منهم، سأل رجل الدين صاحبنا كيف اصبحت عيشته الآن بعد ان خلصهم من الخنزير؟ فحمد الزوج الله وشكره وانحنى على يد رجل الدين يقبلها بلهفة وشغف وامتدح فيه روح الانسانية فقد خلصهم من كارثة حقيقية وجعل حياتهم بمبي.

الثانية

في بدايات حكم البعث، في سبعينات القرن الماضي، وكان العراقيون، ما ان يخرجوا من ازمة حتى يدخلوا في اخرى اتعس منها وأمر، فتقفز اسعار السلع والاغذية والمستهلكات اليومية كالنفط الابيض لتسجل ارقاما عالمية تفوق ما سجله بطل الزانة الاوكراني سيرجي بوبكا ـ واضافة الى غلو الاسعار، تسوء نوعيتها حتى انهم استوردوا تمن له رائحة الجوارب العفنة، وكان العراقيون الذين اعتادوا على اكل الرز يوميا، يجبرون انفسهم على التهامه باشمئزاز وقرف. وما ان يتصاعد اللغط والتذمر وتسوء الحالة النفسية وتصل الى درجة امتداح الماضي ، حتى يخرج مسؤولا بعثيا له رائحة اخبث من رائحة الجوارب العفنة ليزف للشعب بشرى تخفيض الاسعار، فتخرج جماهير البعث مبتهجة فرحة يهنئ بعضها البعض الأخر وتهتف للقيادة التي خفضت الاسعار. ويقام سيرك لا يضحك فيه المحتفلون الا على انفسهم.

الثالثة

الكل يصفق ويطبل ويزّمر للاصلاح حتى غدا موضوعا لخطب ايام الجمعة المنبرية وللسهرات السياسية وللرقص وللاغاني العاطفية واحتل شعارات الاحزاب الاسلامية، وكأن الفساد والتبذير وانعدام الذمة والضمير هو عبث شياطين وليس عبثهم وليس فسادهم وليس من صميم اهدافهم.

الاصلاح كلمة فارغة ليست ذات معنى اذا لم تتضمن تغيير القوانين والانظمة المعمول بها، والتي شرّعت الفساد والتبذير والاثراء الباطل، وسبّبت الفروقات بين الطبقة السياسية الطفيلية الحاكمة المتخمة حد الاختناق بالاموال والامتيازات والمخصصات التي لا يعقلها الا شعب ساذج اهبل (فـ النائب الذي يعيش في الخارج ويحمل جواز لدولة اخرى، تصرف له مخصصات حراسة لثلاثين فردا وبدل سكن لاكثر من ثلاثة ملايين دينار عراقي ومخصصات نقل وعلاج ونفقات اخرى مع انه لا يعيش داخل العراق) وبين طبقة اصبح الهواء والماء النقي شحيحان عليها.

الذي اتى بالمالكي والنجيفي وعلاوي، هو نظام المحاصصة، والذي بذّر الاف مؤلفة من الدولارت لتصليح الوجوه والظهور والادبار هي المحاصصة، والذي احال المشاريع العملاقة بمليارات الدولارت الى شركات وهمية تأسست بالف وبالفي دولار هو نظام المحاصصة ، والذي خصص الاف من الجنود لحراسة رئيس بروتكولي او وزير سياسي لا يفهم الجك من البك واسكنهم في قصور يتيه الخبير في مداخلها ومخارجها هو نظام المحاصصة.

في دولة العراق الجديد لا يسرقون ولا يُفسدون ولا يهربون ولا يختلسون الا بقانون ونظام فاسدان ومباركة دينية بنيت على اوليات المحاصصة.

قضية الاصلاح اذاً بقيت امل حقيقته سرابا، لا تغدو ان تكون مجبر اخاك لا بطل، ليس حبا بالشعب انما تفاديا من (قعود الدولة على الرنگات) اذ ان الدولة لم تعد قادرة على دفع كل هذا الهيلمان المالي لمسؤولين كل مهمتهم تتلخص في اخراج الثروات وغسيل الاموال واستثمارها في بلدانهم الثانية التي سيعيشون فيها بعد ان يخرجوا من الخدمة مثقلين بالثروات، هؤلاء اضر على العراق من الحشرات القارضة ومن الطفيليات التي تعيش على امتصاص الدم.

الاصلاح الحقيقي هو ان يكون الشعب هو غاية الوطن وليس غاية الوطن الحفاظ على تلك الكائنات الطفيلية المسماة نواب ورؤساء الكتل والمرجعيات الدينية التي هي في حقيقتها رموز المحاصصة الطائفية والسياسية.

الاصلاح يجب ان يهدف الى ان يُحكم التساوي بين الناس، ان يؤمن على المواطن، على حياته وعلى مستقبله وعلى صحته وغذائه ودوائه وعلى حقوقه.

الاصلاح يجب ان يكون لتأسيس دولة لمواطنين متعادلين في الحقوق ومتساوين امام القانون. الاصلاح هو تنظيف جسد الدولة من القراد والطفيليات التي تمتص ثرواتها وكرامتها وامنها ويرد لأهلها سلامتهم وصحتهم وضمان مستقبلهم..

الاصلاح امل متحقق بقوة القانون وليس بتفاؤل السذاجة


 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter