|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  23  / 5 / 2009                                 محمد النهر                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

قراءة في بلاغ اللجنة المركزية

محمد النهر

عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي اجتماعها الاعتيادي الدوري يوم 24 نيسان 2009 ، وأصدرت بلاغاً عن الاجتماع تضمن المحاور والعناوين التي تناولها الاجتماع بالدراسة وعددها 12 بالإضافة إلى عنوان (الخلاصة ومهماتنا الملموسة) . وانتظر الكثيرون هذا الاجتماع ونتائجه باهتمام نظرا للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية السائدة خاصة قبل انتخابات مجالس المحافظات وبعدها والنتائج التي تمخضت عنها والخسارة الكبيرة للقوى الديمقراطية وللحزب الشيوعي .

وفي الجو العام المضطرب والجو السياسي الذي يراوح في مكانه مع بعض التراجعات وتدهور الوضع الأمني وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وثقلها وتأثيرها على الاقتصاد العراقي والتخبط في الخطط والاستراتيجيات والفساد والطائفية والمحاصصة وإذكاء النعرات القومية والدينية والشلل في عمل البرلمان والحديث والتصريحات المتضاربة عن المصالحة الوطنية واتجاهاتها وعلاقات العراق العربية والعالمية ، يجد القارئ للبلاغ صورة واقعية للأحداث وتجلياتها وكذلك استنتاجات ودلالات لسير التطورات والأحداث وما مطلوب من منطق الحرص على تطور العراق ومصلحة شعبه وتجنبه المزيد من المصاعب والآلام ووضعه على طريق معالجة النواقص جديا ورسم مستقبله المشرق ، صورة واقعية ومبدئية ثابتة لا تجدها اليوم وتفتقدها غدا بل وتجد ما يخالفها بعد أيام قليلة عند القوى الأخرى الحاكمة نتيجة صراعاتها ومصالحها الحزبية الضيقة .

هذه هي النظرة للبلاغ بشكلها العام ، غير إنها لا تخلو في التفاصيل من أفكار وملاحظات تبدو لي مهمة وأساس هذه الأفكار والملاحظات ينطبق على ما قاله قديما احد كبار الثوريين في العالم ( إن السياسة العملية هي السياسة الصحيحة ) أو كما يقول المثل العراقي ( الشئ اللي يوكل خبز ) أو المثل الكردي (اشلون نوضع في السلة عنب) . إن الناحية العملية في السياسة هي التي تنطلق من مصالح الناس وتتحقق بإرادتهم سواءً عن طريق القوى السياسية في البلد والتي تعتمد على الناس أو عن طريق النضال الجماهيري بأشكاله المختلفة .

في باب ( ملامح التطورات السياسية الراهنة واتجاهاتها ) ترد الفقرة التالية : (
وإذ نشيد بالسمات التي طبعت العملية الانتخابية هذه والتي أظهرت تقدم العملية الديمقراطية في البلاد ، وتوسع قاعدتها الاجتماعية والسياسية رغم كل الصعوبات ، وتنامي القناعة بأن صناديق الاقتراع هي الطريق الأمثل لحسم الخلافات وإدارة الصراع ، إلا أن هذه الجوانب الايجابية رافقتها عدد من المؤشرات السلبية ) ويتطرق البلاغ إلى الجوانب السلبية وهي انتهاكات للعملية الديمقراطية ، غير انه لم يشر إلى مسألة مهمة جدا وهي ضعف القوة التصويتية العام في الانتخابات ، حيث قاطعها نصف الناخبين وفي بغداد %60 .
إن هذه النسبة المرتفعة للمقاطعة تضفي شكوكا على تقدم العملية الديمقراطية في البلاد والتي كان مقياس البلاغ لها حجم مساهمة الأحزاب والقوى السياسية الجديدة في العملية الانتخابية . هذا فضلا على ما اذا طرحنا جانبا مناقشة محتوى الخطاب السياسي للقوى الجديدة المساهمة في العملية الانتخابية وقربها من الديمقراطية أو عدم الإيمان بها. ويتكرر هذا الاستنتاج في باب ( الخلاصة ومهماتنا الملموسة ) ، حيث ورد (
وإذ كشفت الانتخابات الأخيرة المفارقة الكبيرة ما بين شعبية الأفكار والطروحات التي ينادي بها التيار الديمقراطي وبين ضآلة رصيد قواه السياسية ومكونه الانتخابي ) والسؤال هنا بماذا تم قياس شعبية الأفكار والطروحات التي ينادي بها التيار الديمقراطي ؟ هل هو عدد أصوات الناخبين ! ! أم عدد الفعاليات الجماهيرية والنضال الجماهيري ألمطلبي ، أو عدد الصحف الموزعة ، أو زيادة منتسبي هذه الأحزاب ، أو عدد الحضور للفعاليات الثقافية والمهنية الذي لا يملأ قاعات لا يتجاوز عدد كراسيها 50 مقعدا بالإضافة إلى تكرار العديد من الوجوه عند الحضور وكيف نعزل هذه الطروحات عن طروحات القوى الأخرى المتنفذة في السلطة ، هي أيضا تتحدث عن الفساد والطائفية والمحاصصة واحترام المواطن والدستور والقانون والعملية الديمقراطية . اذا هذه الشعبية التي ترد في البلاغ بحاجة إلى تدقيق حتى لا نبني عليها مواقف أو حسابات كما حصل في انتخابات مجالس المحافظات عندما كان التفاؤل سائدا بنتائج اكبر وكانت النتيجة تلك الصدمة القاسية .

من ابرز المسائل التي كان القارئ والمتابع يتطلع لها في بلاغ اللجنة المركزية هي تناول مسألة انتخابات مجالس المحافظات لأهميتها كما جاء في البلاغ (
وجاءت انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في 31- 1-2009 لتضفي على الوضع السياسي ديناميكية جديدة وحراكا باتجاهات عدة وقد شكلت هذه الانتخابات نقلة من ناحية إعادة توزيع الخارطة السياسية وأنتجت وقائع سياسية جديدة على الأرض ستلقي بثقلها على الانتخابات البرلمانية القادمة وعلى عملية تبلور صيغ تحالفات واصطفافات جديدة يمكن أن تنشأ على أرضية ما تحقق في الانتخابات ) .
ثم يستعرض البلاغ ما استجد في هذه الانتخابات في الخطاب السياسي لبعض القوى المتنفذة و الحاكمة وما أظهرته الانتخابات من سمات ايجابية وكذلك التطرق إلى السلبيات التي رافقتها . ولكن يبقى المرء حائرا وفي ذهنه السؤال المهم أين الإجابة التي ينتظرها عن حصيلة الحزب الشيوعي والقوى الديمقراطية في هذه الانتخابات وهي ابرز حدث خاص بالحزب الشيوعي والقوى الديمقراطية هل إن هذا الأمر لا يستحق التطرق إليه أم أن هناك دراسة تقييميه له حسب ما جاء في مقال عضو اللجنة المركزية جاسم ألحلفي في تاريخ 12-3-2009 وبعنوان ( التقييم حين يكون منتجا ) ومما جاء فيه ( لذا سارعت قيادة الحزب بوضع خطة عمل لتقييم أدائنا الانتخابي قبل إعلان نتائج الانتخابات ، وحددت سقفا زمنيا لانجازها ) . وإذا كانت هناك دراسة تقييميه لاحقة ، لماذا لم يشر إليها البلاغ لطمأنة جمهرة الشيوعيين وأصدقاءهم ، وإذا كان الأمر يتطلب توجيهات حزبية داخلية ، فما ذنب الصديق أو من صوّت لقائمة الحزب و العوائل الشيوعية والصديقة بان يحرم من أن يعرف ويفهم لماذا أُلحقت به هذه الهزيمة ، وكيف سيتسلح الجميع لمعركة انتخابية أكثر أهمية وقريبة جدا .

وإذا ما تابعنا أبواب البلاغ سنجد موضوع الانتخابات على أهميته في حيز قليل في المقدمة وكذلك في باب (الاستحقاقات الانتخابية القادمة) ، أكدت فيها على أهمية الانتخابات واعتبرت انتخابات مجالس المحافظات ونتائجها جولة للتحضير للانتخابات البرلمانية القادمة (
وأكدت مداولات اللجنة المركزية انه يتوجب علينا ونحن نواجه هذه الاستحقاقات أن نحظر لها مستفيدين من كل دروس الحملات الانتخابية بكل محطاتها القديمة والجديدة ) . وفي باب (الخلاصة ومهماتنا الملموسة ) تتطرق النقاط الثلاثة الأخيرة في البلاغ إلى أهمية النضال الجماهيري وتعبئة الجماهير وكسبها من اجل مواجهة استحقاقات المرحلة القادمة حيث ورد في البلاغ ( بغض النظر عن نهج الحزب الثابت بشأن التحالفات السياسية وأهميتها في نضاله وتحقيق أهدافه ، لا بد أن نواصل جهودنا الحثيثة لتعزيز دور حزبنا المستقل ونفوذه الحقيقي بين الجماهير وعلى أسس سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية سليمة . وهذا يتطلب من منظماتنا أن تتناول بالتقييم بروح المتطلب النقدي الصارم أشكال وأساليب واليات عملها الراهن وسط جماهير العمال والكادحين والطلبة والشباب والنساء والمثقفين والمحتشدات الجماهيرية .. الخ ) . لقد شخصت هذه الفقرة وبشكل مكثف مهمات الحزب الجماهيرية ، وهي أهم مجال في عمل الحزب حاليا إذ أن الانتخابات أمامنا وكان المفروض أن تعطي حقها من الدراسة و التوضيح وتحويلها إلى نقاط عمل تسّهل عمل المنظمات والرفاق والأصدقاء . لان الانتخابات السابقة كشفت بوضوح فقر التجربة الجماهيرية والدعائية لدى المنظمات والآن نطلب منهم أن يتدبروا أمرهم بهذه النقاط المكثفة وان يقوموا هم بالتقييم . إن الأبواب السابقة للبلاغ على أهميتها لا تعطي المبرر للتوسع بها وكأنها بحث أكاديمي ، انه بلاغ موجه إلى الشيوعيين و أصدقائهم والناس والآخرين من القوى السياسية والإسهاب فيه يضعف التركيز على المحتوى والمهمات ، في الوقت الذي يتطلب فيه العمل الجماهيري والدعائي والتحريكي مثل هذه الدراسة الموسعة حتى اذا كان على حساب الأبواب الأخرى لأنه الآن لا توجد مهمة اكبر من مهمة الانتخابات ، والبلاغ يتحدث عن هذا القطاع من العمل ( أشكال وأساليب واليات عملنا الراهن وسط جماهير العمال والكادحين والطلبة والشباب والنساء والمثقفين والمحتشدات الجماهيرية ..الخ ) . ولكن أين الفلاحين ؟ ! لقد نُسوا في البلاغ والمهمات ، وبالمناسبة وحسب علمي فان بعض المنظمات الريفية حققت زيادة في الأصوات في الانتخابات الأخيرة عن التي قبلها حيث حصلت قائمة الحزب في ريف الحسينية في كربلاء على أصوات موازية تقريبا لما حصلت عليه نفس القائمة في مدينة كربلاء ذاتها ، وتجربتهم أولى بالدراسة والتقييم .

صحيح إن البلاغ ليس كما التقرير السياسي للمؤتمرات الحزبية أو الكونفرنسات من حيث الشمول وعمق المساهمة والدراسة وقوة الإقرار ، غير أن الظروف تملي إن يكون البلاغ في هذه الفترة أكثر تفصيلا فيما يخص الانتخابات والجماهير وتجربة وأساليب العمل معها .

في التقرير السياسي للمؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي العراقي 10-13 أيار 2007 كان هناك باب (مهماتنا الراهنة) التي تناولت بشكل ملموس مهمات منظمات الحزب في المجالات المختلفة وخاصة النشاط الجماهيري والمطلبي لمختلف الفئات ، وكان هناك باب ( انتخابات كانون الأول 2005 ) جاء فيه (
وكانت منظمات الحزب قد شرعت بالإعداد المبكر لخوض الانتخابات البرلمانية التالية ، مستندة إلى خلاصة تجربة الحزب في الانتخابات الأولى " كانون الثاني 2005 " وكان لا بد من جهود كثيفة لتجاوز النواقص والأخطاء التي شخصتها وثيقة التقييم المقرة في اجتماع اللجنة المركزية في نيسان 2005 ) . اذا كان هناك تقييم في 2005 ولم يحصل الآن والوقت ليس عائقا لان الانتخابات في 2005 جرت في كانون الثاني واجتماع اللجنة المركزية الذي اقر التقييم في نيسان 2005 ، أي نفس الفترة بين إجراء الانتخابات في كانون الثاني 2009 واجتماع اللجنة المركزية في نيسان 2009 .

وكانت هناك أبواب أخرى في التقرير السياسي للمؤتمر الثامن تناولت الوضع الجماهيري منها :

- أوضاع الطبقة العاملة العراقية .
- الشبيبة العراقية ، الواقع ، التحديات ، الحلول .
-المرأة العراقية تواصل النضال رغم الصعوبات .

الم يكن بالإمكان الاستفادة من هذه الأبواب حاليا ، وكذلك من تقييم نيسان 2005 وإعادة نشرهما أو التوسع فيهما وإضافة الحركة الفلاحية إليهما .

إني اطرح هذه الملاحظات والأفكار ولكني اقدر جيدا مدى الصعوبة التي تواجه الحزب الشيوعي ومنظماته ورفاقه في الظرف الراهن ، إنها تعقيدات ونتاج عشرات السنين من القمع والتشويه وغسل الأدمغة والمطاردة والتهجير وضعف روح المواطنة لدى الشباب ، ولكن لا حل إلا في العمل والعمل الجاد والمبرمج والمثابر ، ومن هنا تأتي أهمية المتابعة وتوزيع العمل والتفرغ للعمل ، أي المتابعة ومن ثم المتابعة ، فان جميع السياسات المرسومة والقرارات الصائبة المتخذة سوف لن تجد طريقها إلى التنفيذ اذا لم تجد من يتابعها وإلا بماذا نفسر أن نقف فجأة أمام تلك الهوة العميقة لنتائج الانتخابات اذا كنا نفحص مواقع أقدامنا دائما .

لقد كان التفرغ الحزبي ( الاحتراف الحزبي ) كما اصطلح عليه عملا مجيدا في التنظيم الحزبي المفعم بالتضحية ونكران الذات ويوفر الوقت الكافي للمتابعة والتفكير بتطور العمل والإشراف المستمر على كل هيئة ورفيق ، وإذ شوه هذا التقليد الحزبي في فترة بداية الخروج إلى الخارج وساهمت صراعات القيادة السابقة للحزب وكسبها للولاءات في تشويهه فانه في جوهره قدم خدمة كبيرة للعمل الحزبي ودوامه حتى في أقسى الظروف والضربات التي وجهت إلى الحزب . لقد كانت مخصصات الكادر الحزبي المحترف الشهرية في الفرات الأوسط في فترة أواسط 1970 إلى أواسط 1973 خمسة دنانير تدفع ثلاثة دنانير منها للطعام إلى صاحب البيت الحزبي وتبقى ديناران للمصاريف الخاصة والتنقل داخل المدن . وأتذكر عندما زار الرفيق خالد بكداش الأمين العام للحزب الشيوعي السوري مقر منظمة الفرات الأوسط في مدينة الحلة أواسط السبعينات وفي معرض الحديث عن طبيعة عمل المنظمة توقف كثيرا في أسئلته واستفساراته عند مسألة الاحتراف الحزبي ، واعتبر ذلك تميزا فريدا للحزب الشيوعي العراقي ومن أسباب بقاءه المستمر بعد كل هجمة وتوسعه وديمومة عمله ونضاله فيما بعد .

ومن الصعوبات الكبيرة في التحضير للانتخابات القادمة هي الممارسات التي سيشهدها شهرا عاشوراء وصفر أي مناسبة استشهاد الإمام الحسين واربعينيته واستغلال قوى الإسلام السياسي ذلك لصالحها وسيكون ذلك محتوى موضوع قادم .

 


 


 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter