|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الخميس  25 / 10 / 2013                                د. مظهر محمد صالح                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مستعمرات الغذاء!

د. مظهر محمد صالح

رقد الليل في منامه وهو يطوي بطون اكثر من مليار جائع ممن إلتحفوا في دثار جوعهم وهم على اسرة نومهم ينتظرون غدهم ليكسبوا ما يسد رمقهم قبل ان يلتهمهم الكسل او يغرقوا في عرق اجسادهم العارية من كل شيْ الا من الجوع الذي استأنسوا وإطمأنوا اليه من دون ارادتهم. اما الغذاء الذي ينتظرون قدومه في كل لحظة فأنه لا يقدم لهم الاعلى اطباق ظلت اسعاره تلهب افواه آكليه . هذا هو حال عالمنا الذي لا يوفر العدالة ، إذ يستيقظ الناس فيه ويستقبلوا فجر يومهم وهم في تزايد وامامهم مدن تتوسع وارياف تندثر، و افواه جائعة تتطلع الى شغف الوعود التي عقد عزمها قبل قرابة اربعين عاماً وزير خارجية الولايات المتحدة (هنري كيسنجر) امام مؤتمر الغذاء العالمي الاول الذي عقدته الامم المتحدة في العام 1974 للقضاء على مشكلة الجوع .اذ وعد كيسنجر المجتمع الدولي بأنهاء ازمة الاطفال الجياع في غضون عشر سنوات قادمة. ولكن مضت عقود اربعة مازال الجوع فيها كمشكلة عالمية تتجه نحو الاسوأ تضرب صغارها قبل كبارها، في وقت تعاظم فيه انتاج الغذاء في العالم بحوالي عشر مرات بين الاعوام 1961 و2005.

تؤشر تقارير منظمة الغذاء والزراعة الدولية،ان سكان العالم من الان وحتى العام 2050 سيزداد بنسبة اكثر من (الثلث) وان الطلب على الغذاء سيزداد بنسبة (70%) كما سيتضاعف الطلب على اللحوم، ولكن ينبغي ان ترتفع اسعار الحاصلات بأستمرار لتشجع المزارعين على الانتاج ومد كوكبنا الجائع بالغذاء.و ستكون النتيجه هي اضافة ملايين أخرى من الجياع في عالم مازال يلتحف فيه مليار من البشر فراش نومهم بالجوع.

لم تشهد اسعار الغذاء مثل ذلك الصعود الهائل الذي شهدته بين العامين 2007- 2008 وهو الارتفاع الاول من نوعه الذي تعرضت اليه اسعار الغذاء منذ ثلاثين عاماً مضت ، ما ولد عوامل غضب واضطراب في الكثير من البلدان النامية كالسنغال التي تستورد على سبيل المثال 80% من حاجتها الى الرز وغيرها من البلدان. واتخذت فيتنام وتايلند ، بكونهما من اكبر مصدري الرز بالعالم، اجراء حظر تصديره ، وعجلت الفلبين بأعتماد هدف تغطية احتياجاتها من الرز المنتج محلياً بنسبة 98% بحلول العام 2010 وقامت اندونيسيا باعتماد سياسة الاكتفاء الذاتي في توفير الغذاء من خلال برنامج حكومي واسع اسموه : الانقضاض العظيم على توفير الغذاء و بغزارة. وبالتزامن فقد قامت العديد من الدول ببرامج مماثلة تستهدف الاكتفاء الذاتي في توفير محاصيل الحبوب مثل، ماليزيا وكولومبيا وهندوراس وغيرها من الدول.

و اللافت ان بلدان أخرى غنية أخذت منهجا مختلفاً في الاعتماد على الذات في توفير الغذاء بسبب عدم ثقتها ببورصة الغذاء الدولية وهو اسلوب الاستثمار الزراعي في البلدان الفقيرة نفسها، وهو اشبه ما بأقامة المستعمرات الزراعية . حيث قامت كوريا الجنوبية والصين والسعودية والكويت وغيرهم بشراء اراضي زراعية في مناطق فقيرة من العالم في نطاق الاستثمار الاجنبي الزراعي ، والعمل على زراعتها بالمحاصيل المهمة وتحويل الانتاج الى اسواقها المضمونة بدلاً من الاعتماد على الاستيراد من السوق العالمية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تسلمت السعودية في مطلع العام 2009 اول شحنة من الرز الاثيوبي من خلال استثمار اراضي لها في الحبشة بلغت 100مليون دولار . صفوة القول، فقد عدت ظاهرة مستعمرات الغذاء في العالم من الاساليب المستحدثة التي إتجه اليها الاستثمار الاجنبي الزراعي المباشر. فحتى مطلع العام 2010 جرت حيازة اكثر من 20 مليون هكتار من اراضي الدول الفقيرة نفسها اما ابتياعاً او ضمن عقود تاْجير طويلة الاجل لتقام عليها مستعمرات الغذاء في تلك البلدان الفقيرة!! ولكن لنتذكر جميعاً قبل ان ننسى تلك اللوحة الفنية التي رسمت قبل سنوات وهي تجسد حالة تكاثر اعشاش بيت العنكبوت وتطورها بأشكال هندسية على إست ذلك الطفل الافريقي الجائع الذي هجره الغذاء وغادره الى مستعمراته الجديدة!!!
 


22 ايلول 2013

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter