|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الثلاثاء  19  / 11 / 2013                                د. مظهر محمد صالح                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

وزارة السعادة...!

د. مظهر محمد صالح

لم يفاجئنىِ إعلان الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عن عزمه تشكيل وزارة جديدة للسعادة تحمل اسم وزارة السعادة الاجتماعية لشعب فنزويلا والتي تسعى الى توفير احتياجات المواطنين من كبار السن وتنفيذ برامج الرفاهية الاجتماعية لهم ، في وقت مازالت اصواتهم الانتخابية تؤثر بقوة في صناديق الانتخابات المحلية القادمة في تلك البلاد .

وقد يكون الرئيس الفنزويلي قد تأثر كثيراً بنتائج مقاييس السعادة لجارتيه اللاتينيتين (كوستاريكا وكولومبيا) والتي اعلنتها مؤسسة الاقتصاد الجديد في العام 2006 وعلى وفق مؤشراتها المعتمدة في قياس سعادة الشعوب ، ذلك المقياس المؤلف من متغيرات مختلفة منها توقعات الحياة والثقة بالاخرين ، وكذلك حصة الفرد من معايير تحسن البيئة الاحيائية او ما يسمى (ببصمة القدم الايكولوجية) أي كم يوفىِ التنوع البيئي الاحيائي حاجة الفرد السنوية في تلك البلاد .

واللافت ان الدولتين اللاتينيتين اعلاه والمجاورتين لفنزويلا كانتا الثانية والثالثة على التوالي في سلم السعادة او مقياسها حسب بيانات مؤسسة الاقتصاد الجديد.

كما جاء البلد الاول في مقياس السعادة ليكون من نصيب سكان جزيرة (فانواتو) الواقعة في حوض المحيط الهادي الجنوبي والتي تبعد 500 كيلومتر شمال شرق كاليدونيا الجديدة او جنوب شرق جزر سليمان واصبحت الجزيرة جمهورية مستقلة في العام 1980 و لا يتعدى سكانها اليوم عن ربع مليون نسمة.

في حين جاءت بلدان غنية كبيرة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا في النصف الثاني من قائمة الدول التي أظهرت إنحداراً تنازلياً في سعادة شعوبها وعلى وفق بيانات مؤسسة الاقتصاد الجديد.

كما أظهر في الوقت نفسه إستطلاع للراْي موضحاً بأن المواطنين البريطانيين والامريكان هم أقل سعادة حالياً عما كانوا عليه في خمسينيات القرن الماضي على الرغم من النمو الاقتصادي الهائل وارتفاع حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي السنوي.

إذ وجد ومن خلال مقياس الثقة بالاخرين (وهو احد المقاييس المهمة للسعادة في المجتمع و الذي امسى مختلفاً بين امة واخرى) ان ثقة الافراد ببعضهم قد انخفضت في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية من 60% قبل اكثر من اربعين عاماً لتصبح اليوم بنحو 30% ، في حين حافظ مؤشر الثقة على نسبة 60% في البلدان الاسكندنافية.

وإن كل ما يقال عن دور معيار البيئة ودخل الفرد في تعظيم السعادة ، فأنهما على الرغم من اهميتهما ، الا انهما لا يشكلان سوى 10% من مقياس سعادة الافراد !

فالسعادة مسألة لا يمكن توفيرها عن طريق الشراء! ويرى المجتمع البريطاني ان اي مرحلة ما وراء النجاح تمثل في جوهرها السعادة حقاً.

فعندما نكون في وضع ايجابي ، تعمل عقولنا بفاعلية اكبر وقدرات مبدعة وخلاقة اعمق ومنتجة بشكل اوسع .

وهكذا إلتقت في العقود الاخيرة ، نخب من علماء الاقتصاد وعلماء النفس وللمرة الاولى في دراسات اكاديمية وتطبيقية مشتركة تضمنت قياس سعادة الافراد على مدى الفترة الطويلة.

إذ يقول الاستنتاج الذي توصلت اليه تلك النخب الاكاديمية ، انه على الرغم من ان السعادة تتزايد عندما يغادر الافراد قاع الفقر وبلوغهم مرتفع الغنى ، الا ان مستوى القناعة يأخذ بالهبوط كلما ابتعدوا كثيرا عن خط الفقر.

ويرى الاقتصادي البريطاني المعروف البرفسور ريتشارد لايرز، الاستاذ في مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية واحد مؤسسي علم اقتصاد السعادة ، بانه حال بلوغ الاجر الشهري للفرد 20 الف دولار فاكثر فان معدل القناعة يأخذ بالتنازل وتخضع القناعة هنا لقانون تناقص المنفعة .

اما دورة المتعة hedonic cycle التي تحدث عنها رائد علم اقتصاديات السعادة ريتشارد استرلن ، و تعني انك حالما تصبح ثرياً ستعتاد على حالة الغنى فوراً و سيتحدد مستوى معيشتك مدى الحياة على هذا النمط من الغنى لاغير .

ويواصل استرلن بان السلوك الاقتصادي قد اظهر، بانه حالما نشبع حاجاتنا الاساسية نبدأ بقياس قناعاتنا القائمة ليست على ثرواتنا المطلقة او انجازاتنا وانما على المقارنة بالاخرين (الغيرة! او الحسد! او المباهاة ....الخ) .

وبغض النظر عن هذا وذاك ، فقد لوحظ بان وزراء السعادة في العالم (وهم بالغالب وزراء العمل والضمان الاجتماعي) ابتداءً من بريطانيا وحتى استراليا والصين وتايلند ، يسعون جميعهم في طلب المقارنة الدولية للرفاهية والعيش الرغيد بين سكان العالم عبر مقياس موحد ومستقل للسعادة !

ختاما : عدت مملكة بوتان المحاذية لمنطقة الهملايا (وهي بقعة جغرافية جبلية شاهقة يبلغ عدد سكانها اليوم قرابة 720الف نسمة و تستقر في خاصرة جبلية بين الهند والصين) من اول امم العالم التي اعتمدت تطبيق معيار حصة الفرد من السعادة الاجمالية كبديل لحصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي وذلك منذ اعلن ملك هذه المملكة تطبيق معيار السعادة الاجمالية لشعبه في العام1970 .

حيث إعتمدت مملكة بوتان الصغيرة نظاماً ضريبياً يأخذ من الاغنياء ويعطي الى القفراء .

كما بلغت قناعة الافراد الايجابية في السعادة عند أخر إستطلاع للرأي في هذه المملكة حوالي 97%. إذ تضاعف معيار السعادة اكثر من مرة وحتى عند اعتماد متوسط دخل الفرد في الناتج المحلي الاجمالي نجده قد تضاعف هو الاخر.

ولكن يجب ان لا ننسى ان مملكة بوتان قد خسرت على النطاق العالمي معيارها في حقوق الانسان عندما قامت بترحيل 100 الف عامل اجنبي وابعدتهم عن مملكتها في ليلة واحدة في العام 1990 كي يستمرمقايس سعادتها ويشقى الغرباء المرحلون خلف الحدود يستظلون بمقياس تعاستهم!!
 


30 تشرين الاول 2013

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter