|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأثنين   11  / 11 / 2013                                د. مظهر محمد صالح                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

النار الازلية!

د. مظهر محمد صالح

تطلعت الى مغيب الشمس بعد ان ضاع مشرقها وانا في وسط الظهيرة وكأنني امسك بذيول أخر الليل لأقفز فوق فوهة الغروب واتخطى النجم ودوران القمر وانا احلم في البحث عن مفاتيح السعادة وقدمي الساخنة تقف على ارض لا تمتلك القدرة الا حبس الشمس في محاجرها!! اْلتفت الى صاحبي قائلا له: ان آخر الليل لم يخلق للمناقشة الا في هذه الواحة النفطية الملتهبة التي اضحت بلا ليل ولا نهار! انها منطقة من سطح الارض استقر فيها معنى واحد للحياة هو ان تتوارى فيه فكرة النهاية خلف النار الازلية ولا معنى للزمان او المكان . ادركت من فوري أزيز اللهب وهو منشغل بحماس يتسلق اعمدة نارية مدهشة إمتدت صعوداً وبثبات وهو يحاكي الشمس ويلتمس منها بأن تكف عن الانبثاق وينصحها بالعودة الى كبد السماء بعد ان صد قبلها طلائع ليلنا الهابط وترك واحاتنا بلا مشرق او مغرب. ولم تستظل تلك الواحات الا بضيائها الساطع الذي دفعت به النار الازلية بلا وعي ، ما افقدتنا نحن بني الانسان ظلنا الحقيقي وتحجرت بوصلة دربنا دون ان ندرك غاياتها او نعي اين هو منتهاها .كما تركتنا النار نتكهن بساعة القمر التي قد يبزغ ضياؤه او يغرب دون ان يوحي بنهاية شيْ في واحة النفط الملتهبة! قلت لصاحبي،أتطمع في الخلود في هذه الاجواء النارية التي خلا مشرقها قبل مغربها؟ قال كلا، انها واحات من نار تسحق سماء بلادي بابخرتها الغاضبة منذ سبعين عاماً وليس لضوئها نهاية . فقد استعصت طويلا على الذاكرة ونحن نبحث عن أخر رماد لها لنتلمسه! قلت في سري اين هو المشرق ومتى يحل علينا المغرب في هذه الواحات التي تدفع بضياء نارها المحترقة طلائع النهار خارج دائرتها لتحجب الشمس وهي تلاحقها لتعود بها الى كبد السماء بقوة بلهاء ساطعة؟ اجابتني الرياح مستدركة من فورها وهي غاضبة تطوي في تلافيفها لهب الليل وحرارته قبل لهب النهار وسخونته وهي مازالت في شغل شاغل وظيفتها تلاحق النار الازلية في عمل دؤوب من اعمال الطبيعة، لتخبرني بان الشروق في هذه الواحات المشتعلة قد امسى مصدره باطن الارض وليس كبد السماء كما عهدتم يا معشر الارض من بلاد النفط !فقلت لها ما هو الخير من ذلك؟ فأجابت وهي تغادرني، ان الخير للانسان ان يِحرق ولا يحُرق...!!فنحن اركان الشعلة الازلية منذ يوم احرقتمونا قبل سبعة عقود في واحات النفط الملتهبة، نرمي بغازاتنا من باطن الارض وندفع بها الى اعالي السماء ،نبحث عن الامل في كوكب آخرمثلما انتم تبحثون عن الثروة في هذا الكوكب!!

رمقتني الرياح شزراً ، واستدارت راجعة مسرعة كرة أخرى ، لتبلغني قبل ان ترحل ، ان مجموع ما تم حرقه من غاز بلادنا المصاحب للنفط في النار الازلية (وهي النار التي تمارس دور الشمس والقمر فوق ارض الواحة النفطية) قد زاد متوسطه على عشرة ملايين دولار يومياً خلال السنوات السبعين الاخيرة. اما العلاقة بين اسعار النفط واسعارالغاز فهي علاقة وثيقة متلازمة.فعندما يباع كل(الف) قدم مكعب من الغاز على سبيل المثال بـ(15دولار) فيعني ذلك ان برميل النفط المكافيْ هو بسعر (92دولار).وعلى الرغم من ذلك ،فأن ما يحتويه الغاز من وحدات حرارية قياسية تماثل (سدس) ما يحتويه برميل النفط من وحدات مكافئة له .واللافت ان التقلبات الجوية ومواسم الطلب على التدفئة هي التي تتحكم باْسعاره بنسبة تتراوح بين 50% الى 80% من اسعار الغاز في السوق العالمية. ويلحظ ان تسويق الغاز بصورة سائلة في بواخر نقل الغاز ،يتطلب تكنولوجيا تتولى تبريده الى درجة حرارة هي (ناقص162مئوية) ليتاح ضغطه الى كميات تمثل (واحد من ستمئة) من حجمه الاصلي.وعندما يتم تسلمه في مراكز الشراء، يحول الى حالته الغازية ثانية والعودة به الى حجمه الاول ليتاح تمريره في انابيب متخصصة تذهب به الى المصانع او المنافع العامة وغيرها.

ختاماً، فاذا كان الانتفاع من الغاز او الاستثمار به وتسويقه يتطلب تبريده اولاً قبل حرقه لتوليد طاقة مفيدة او منتجة في المجتمعات الصناعية، فاْن هدر الغاز وتبذيره في المجتمعات التي لا تنتفع به يتطلب حرقه اولا والتطلع الى ناره الازلية الناجمة عنه لتوليد متعة مزيفة باردة قوامها ابخرة لا تترك سوى التلوث الذي مازال جاثماً على صدورنا و يجتر همومنا!!
 


بغداد في 28آب2013

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter