|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت 8/12/ 2012                               مصطفى محمد غريب                              كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

بعد الدستور حرية الإعلام المصري في دائرة السواد

مصطفى محمد غريب

لقد تحققت نبوءة أن أخوان المسلمين والتيار السلفي يكيلان بمكيالين، فعندما كانا في المعارضة أثناء حكم حسني مبارك وحزبه كانا في خطابهم العلني على أنهم سوف يحترمون الآراء بما فيها عدم تعرضهم إلى القوى المدنية والعلمانية، وانهما لن يتجاوزا على الحريات العامة وكذلك عدم التوجه لبناء دولة دينية على أساس الشريعة الإسلامية، إلا إن ذلك ظهر بمظهر ابن آوى والحمل حيث قال له أن جدك هو الذي عكر علي الماء وقد تجلى ذلك في التصريحات والممارسات بعدما فاز محمد مرسي وبفارق ليس واسع مع أحمد شفيق، وفور استلامه المنصب انقلب بشكل فوري على القسم الذي اقسمه بان سيكون رئيساً لكل الشعب، يؤكد أن المراهنات على قوى الإسلام السياسي بجميع الأطراف عبارة عن رهان خائب وفاشل كمن يحرث البحر لزراعة الخضراوات فالإعلان الدستوري الذي أعلنه الرئيس المصري عبارة عن تجاوز صريح على الرئاسات الثلاث ، السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وهو إعلان يدل إن التوجه لقيام دكتاتورية بحجة تطبيق البعض من بنود الشريعة ولا يعفي من كشف المكيال الآخر المخفي بعد تربص لم يستمر حتى أعلنها الأخوان وحلفائهم بالدعوة إلى قيام " مليونية" مساندة للرئيس وإعلانه الدستوري إلا أن ذلك تحول إلى تهديد مباشر للضغط والعدوان على مؤسسات الدولة أولها المحكمة الدستورية ومحاصرتها والتهديد باتخاذ إجراءات غير مسبوقة ضد أي قرار يصدر ليس لصالح الإعلان الدستوري ثم انتقل التهديد إلى تصريح احد قيادي الأخوان بأنهم سوف يعلنون الجهاد ضد من يقف بالضد من محمد مرسي والتنديد من اجل تنفيذ حصار من نوع آخر على الأعلام المصري حيث شنت ما يسمى " مليونية الشريعة " هجوماً عنيفاً على مذيعي العديد من القنوات التلفزيونية، ولم تخلو هتافاتهم من شعارات سوقية تدل على مدى الغلواء الذي يكنه مدبري هذه المظاهرات من الإخوان المسلمين حيث أن اللافتات التي حملوها خطت بالضد من مذيعين إعلاميين مصرين وقد طبعوا بعض الصور الخاص بهم وكتبوا عليها" المجاري التي طفحت في بيوت مصر" دون أي احترام واعتبار لهؤلاء الإعلاميين الذين وقف أكثرهم بالضد من النظام السابق لا بل ناصروا ممن اعتقل من الإخوان أنفسهم، وهذا دليل آخر على المحاولة التي تريد إقصاء التيارات المدنية والإعلام المدني الذي يشمل التيارات الوطنية والديمقراطية واليسارية والقومية والليبرالية وليس الإقصاء في معنى الإبعاد بل أن العديد من الإعلاميين أحيلوا إلى القضاء وتم حضر قناة تلفزيونية ( الفراعين ) وإحالة توفيق عكاشة الذي يدير هذه القناة للمحاكمة لأنه هاجم رئيس الجمهورية محمد مرسي، كما شن المشاركون في " مليونية الشريعة " هجوماً بالضد من وسائل الإعلام الحرة الخاصة والحزبية وقد طالبوا الشعب المصري بأن يقاطعوا الصحف والفضائيات حتى يعود أصحابها إلى رشدهم وهذا يعني عودة هؤلاء إلى عدم الاعتراض والقبول بما يفرض عليهم بما فيها الدستور الذي يضمن قيام الدولة الإسلامية بقيادة الإخوان والسلفيين، وقد علق على هذا الموضوع بان الفضائية المؤيدة للإخوان لم تستطع أن تجاري وتنافس الفضائيات التي يعمل فيها إعلاميين متميزين ومعروفين في مجال العمل الإعلامي المصري، هذه التوجهات المعادية لحرية الإعلام من فضائيات وصحف ومجلات فضلاً عن الإعلاميين يفسر بضيق الأفق عند أحزاب الإسلام السياسي في مصر ومحاولاتهم للتعتيم أو خلق أسلوب جديد للعمل الإعلامي بأن يصمت الجميع ويقولوا لمحمد مرسي ومن معه نعم وان كفر بالشعب وهو ما أثار أكثرية الإعلاميين منددين بهذه المواقف ولكون أن الإعلام الرسمي للدولة بات تحت أيدي الإخوان وحزبهم حزب الحرية والعدالة فان هناك سياسة جديدة أيضاً لمحاصرة الإعلاميين الذي ليسوا تحت خيمة الإخوان وهذه المحاصرة تبدأ من محاربة برامجهم التلفزيونية وإلغائها وحتى محاربتهم بالرزق تواطئاً مع التوجهات الحكومية، ولقد قامت الإعلامية المصرية هالة فهمي بعدما بدأت المضايقات عليها لأنها انتقدت رئيس الجمهورية محمد مرسي في برنامجها " الضمير" على القناة الثانية المصرية وظهرت وهي تحمل كفنها احتجاجاً، وقد دأبت هالة فهمي في توضيح الاستبداد الإعلامي الذي بدأ ينتشر في مصر في الفترة الأخيرة وأكدت قبل أن يقطع الإرسال عنها أنها سوف تضحي بحياتها من اجل الحرية التي " كفلتها ثورة 25 يناير " بخاصة وأنها تعرضت لمضايقات ومنعت من الظهور( 4 ) سنوات في فترة النظام السابق بسبب اعتراضها على الفساد في الإعلام وفي الإذاعة والتلفزيون، أما اليوم فتقول هالة فهمي " من يتحدث بحرية في التلفزيون المصري الآن يتم تحويله إلى التحقيق، وبرنامجي لم يكن به أي ألفاظ نابية " وفي هذه الحالة فان النظام الحالي يكبت الحريات وهو ليس أفضل من نظام حسني مبارك وخير مثال حي على قرار الإدارة المركزية للشؤون القانونية باتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري بإيقاف هالة فهمي صاحبة الكفن )حسبما لقَبوها( عن العمل وأحالتها للتحقيق وكذلك اتخذوا نفس الإجراءات بحق بثينة ، وبسبب تقييد الحريات الصحفية في مشروع الدستور الجديد فقد احتجبت العديد من الصحف المصرية وامتنعت عن البث عدداً من المحطات الفضائية الخاصة فضلاً عن البعض من المواقع الالكترونية كما عمت مظاهرات واسعة في القاهرة وبالذات ميدان التحرير واحتشد الآلاف أمام قصر الاتحادية وتطور الأمر إلى صدامات بين الشرطة وآلاف من المتظاهرين المحتجين حيث استخدمت القوات الأمنية الغاز المسيل للدموع وبعد أزالة الأسلاك الشائكة التي كانت تفصلهم عن أسوار القصر مما أدى إلى انسحاب قوات الأمن وأزالة الحواجز من أمام القصر وبالتالي غادر الرئيس المصري محمد مرسي القصر.

وقد أعلنت وزارة الصحة والسكان ارتفاع عدد المصابين في الاشتباكات ( 18 ) مصاباً بين المحتجين وقوات الأمن، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد تطور إلى مواجهات بالحجارة وقنابل الملتوف بين معارضي محمد مرسي وبضمنهم ( 15 ) حزباً سياسياً وبين أنصار الرئيس من الأخوان والمتحالفين معهم حيث أشير أن هناك حوالي ( 226 ) مصاباً وقتيل واحد لحد مساء يوم 5 / 12/ 2012 ، وقد تتطور الأمور إلى حرب أهلية تهدد البلاد وتدفعها نحو تداعيات مؤلمة تضر من خلالها وحدة البلاد وقد يكون حينذاك احتمالاً بتدخل القوات المسلحة والقيام بانقلاب عسكري بعد شعورها بان هناك مخاطر تستدعي تدخلها باعتبارها مسؤولة عن امن واستقلال البلاد.

وهكذا لمسنا ومنذ اللحظات الأولى الأهداف المبيتة لأحزاب الإسلام السياسي وفي مقدمتهم الأخوان التي تسعى إليها بالهيمنة والاستئثار وإلغاء الحريات المدنية وعدم احترام الرأي الآخر، لمسنا أنهم يريدون إعلام خاص بهم، إعلام اسود في اسود بحجة أن الرئيس منتخب ولكن لم يوازنوا أن الملايين أيضاً لم تنتخبه ومن حقهم أن يقولوا كلمتهم ويرفضون الدكتاتورية والدولة الدينية الفاشية والإعلام الموجه ضد التقدم والديمقراطية، لقد أوضح بيان المثقفين والكتاب والفنانين بكل صراحة بأنهم بالضد من خنق الحريات المدنية والشخصية وحقوق الإنسان وأكد البيان " إن المثقفين والكتاب والفنانين، إذ يعتبرون أنفسهم جزءًا من ضمير الشعب المصري، وجزءً من تطلعه للحرية والعدل ، يجدون لزاماً عليهم اليوم أن يعلنوا رفضهم القاطع للإعلان الدستوري المشؤوم"

لقد أثبتت الأحداث الأخيرة في مصر أن الذي يريد أن يحكم بالنار فان يديه لن تسلما منها وستحرقه حتماً ، ومن يريد أن يهيمن على الإعلام ويمنع الرأي الآخر سوف يجني الهواء ولا غير الهواء لان الذين قدموا التضحيات الجسيمة وهم أكثرية الشعب المصري وأزاحوا حسني مبارك ونظامه كانوا ينطلقون من اجل ضمان الحريات العامة بما فيها حرية الإعلام وعدم التجاوز عليها وإلغاء ما يسمى سيطرة الحكومة أو الرئيس على الإعلام وعلى الصحافة ولهذا لا بد أن يلغى الإعلان الدستوري ويسن دستور مدني يؤكد استقلال السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وعدم العودة للحكم الدكتاتوري الفردي أو الحزبي الذي يهدف بناء الدولة الدينية بطريقة فاشية معادية لأبسط حقوق الإنسان.

 

 

 

 



 

 
 
 
 
 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter