|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة 7/9/ 2012                               مصطفى محمد غريب                              كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

تداعيات اجتماع دول عدم الانحياز في طهران

مصطفى محمد غريب

الكثير ممن يسمعون في الوقت الحاضر عن حركة عدم الانحياز قد تخلق لديهم تصورات بدائية بان مقولة عدم الانحياز واقعية وان الدول المنظمة لهذه الحركة كانت تلتزم الحياد ما بين المعسكر الرأسمالي وحلفهم العسكري الناتو وبين الاتحاد السوفيتي والدول الأعضاء في حلف وارسو، إلا أن الحقيقة لم يكن هناك حياداً بالمعنى المطلق حتى وان أطلق البعض من قوى أحزاب الإسلام السياسي أو الأحزاب القومية العربية ذلك الشعار البائس " لا شرقية لا غربية " ، فكثير من هذه الدول وبخاصة الدول النامية كانت تقف بالضد من الدول التي استعمرتها بهذا الشكل أو ذاك وتنحاز إلى ما يسمى حينذاك " المعسكر الاشتراكي " وقسماً من الدول الأخرى كانت تميل نحو الدول الرأسمالية وتتعاون معها سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وحتى اليوم نجد أن هذه الحركة تتراوح ما بين الدول صاحبة النفوذ النووي وبخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين... الخ أي ان الحياد الذي في تصور البعض هو ليس بالحياد التام لأن مصالح الدول في كافة المجالات تحتاج إلى نوع من الاتفاقات التي تجعل من الحياد نفسه مشلولاً وغير قادر على الاستمرار بمفرده وهذا ما ينطبق على حركة عدم الانحياز في الظروف الحاضرة، ولمجرد التدقيق في الدول التي حضرت اجتماع طهران سيجد المرء التباين في المواقف السياسية والعلاقات بين الدول الرأسمالية الصناعية وتأثيرها السياسي والاقتصادي عليها، ومع ذلك تبقى حركة عدم الانحياز حركة سياسية ساهمت في دعم حركة التحرر الوطني ولعبت دوراً كبيراً في بداياتها من التخلص ولو نسبياً من تأثيرات الدول الاستعمارية وبخاصة الدول الرأسمالية، ولهذا فإن حركة عدم الانحياز كانت نتيجة طبيعية لما بعد الحرب العالمية الثانية 1939 ــ 1945 وفي ظروف الحرب الباردة ووجود حلف الناتو وحلف وارسو، فقد تأسست الحركة من حوالي ( 29 )) دولة وتم فيه الإعلان عن " مبادئ باندونج العشرة ومن مؤسسيها الرئيس الهندي جواهر لال نهرو والرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو ولقد انعقد المؤتمر في عاصمة يوغسلافيا بلغراد عام 1961 حضرته حوالي ( 25 ) دولة وقد فضل أن يكون اسمها حركة وليس منظمة لكي لا تخضع لبيروقراطية التنظيم الروتيني وفي الحقيقة أن هذه الحركة لعبت دوراً غير قليل في قضايا حركة التحرر الوطني وتبيّن ذلك من المبادئ العشرة التي أطلقتها

1- احترام حقوق الإنسان الأساسية، وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

2 ـ احترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها.

3 ـ إقرار مبدأ المساواة بين جميع الأجناس، والمساواة بين جميع الدول، كبيرها وصغيرها.

4 ـ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى أو التعرض لها.

5 ـ احترام حق كل دولة في الدفاع عن نفسها، بطريقة فردية أو جماعية، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.

6 - عدم استخدام أحلاف الدفاع الجماعية لتحقيق مصالح خاصة لأيّ من الدول الكبرى. ب- عدم قيام أي دولة بممارسة ضغوط على دول أخرى.

7 ـ الامتناع عن القيام، أو التهديد بالقيام، بأي عدوان، والامتناع عن استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة.

8 ـ الحل السلمي لجميع الصراعات الدولية، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.

9 ـ تعزيز المصالح المشتركة والتعاون المتبادل.

10 ـ احترام العدالة والالتزامات الدولية.

هذه المبادئ العشرة كان من الضروري أن توحد هذه الدول وبخاصة حقوق الإنسان ومبدأ المساواة بين جميع الأجناس وغيرها وكان المفروض أن تطبقها الكثير من دول حركة عدم الانحياز على الأقل داخل بلدانها فضلاً عن علاقاتها الخارجية التي تُلزم كل دولة الامتناع عن التهديد وقيام العدوان واستعمال القوة ثم التوجه للحل السلمي لجميع الصراعات.. الخ وما يؤسف له أن العديد من هذه الدول في حركة عدم الانحياز لم تطبق حتى هذه المبادئ على نفسها، فنجد، لا احترام لحقوق الإنسان وعدم تطبيق للوائح حقوق الإنسان بل هناك خرق فاضح لهذه الحقوق وللحريات المدنية ومحاربة القوى المعارضة بشتى الأساليب غير الإنسانية ما عدا البعض منها وفي مقدمتها الهند، كما هناك عدم التطبيق الموضوعي في قضية المساواة بين الأجناس وعدم الاعتراف بحقوق القوميات والأعراق، وما زالت بعض الدول تنتهج نهجاً يلغي ولا تعترف بالقوميات الأخرى وفي مقدمتها جمهورية إيران الإسلامية التي عقد المؤتمر الأخير على أراضيها وكذلك سوريا ودول أخرى، أما الصراعات بما فيها الصراع المسلح بين بعض الدول فحدث فلا حرج ونستطيع أن نذكر العديد من التدخلات في الشأن الداخلي والحروب واحتلال أراضي الغير بالقوة والتهديدات وعدم اللجوء للحلول السلمية بواسطة الحوار الحضاري، وخلاصة القول أن الكثير من هذه الدول وعلى الرغم من التوقيع والاتفاق حول المبادئ العشرة لم يجر الالتزام بشكل حقيقي بما جاء فيها، ومع كل هذه السلبيات لا يمكن إنكار الايجابيات التي تركها اجتماع مؤتمر باندونج الإفريقي ـ الآسيوي في 18 / 4 / 1955 حيث حضره حوالي ( 29 ) دولة وتم فيه الإعلان عن " مبادئ باندونج العشرة " ثم مؤتمر بلغراد مثلما ذكرنا وغيرها من المؤتمرات والقرارات والنداءات التي صدرت عنها.

لقد كانت الفترة قبل وأثناء الحرب العراقية الإيرانية وما تلاها من أحداث جعلت من حركة عدم الانحياز عبارة عن حركة روتينية لم تستطيع اتخاذ مكانها الطبيعي بل تراجع دورها عن السابق وضعفت تأثيراتها في الأوضاع التي سادت الكثير من دولها وفي مقدمتها يوغسلافيا السابقة وأصبحت اجتماعاتها متشابهة لاجتماعات قمم الجامعة العربية حيث تصدر القرارات والنداءات وبمجرد انتهاء الاجتماع يجري نسيان ما اتخذ في هذا الصدد، وعلى ما يظهر أن القمة ( 16 ) لدول عدم الانحياز الذي عقد في طهران لم تختلف عن تلك القمم التي خضعت إلى الروتين بالدرجة الأولى بل العكس فقد ظهرت إشكاليات سخفت عملية التعاون بينها وخلقت مشاكل لم تستطيع من تجاوزها ومنها ما فاجأ الجميع وهو كمثال نستطيع أن نستنتج مدى ضعف العلاقة والتنسيق وعدم الالتزام حتى باسم الحركة ومبادئها العشرة، هذا المثال هو تحريف لما جاء في خطاب الرئيس المصري محمد مرسي والبعض من فقراته وهي حالة لم تحدث في السابق بهذا الشكل البعيد عن ابسط العلاقات الدبلوماسية المتعارف عليها بين الدول، وبمجرد كشف هذا التحريف فقد أثار موجة من الاحتجاجات بين المصريين والسوريين والمتابعين لمجريات المؤتمر كما احتجت حكومة البحرين بوضع اسمها بدلاً عن اسم سوريا وطالبت حكومة طهران بالاعتذار لهذه الإساءة المقصودة بحقها، وقد اعتبر المراقبون أنها بحق فضيحة إيرانية غير مسبوقة الشكل والجوهر، فالتحريف الأول جاء بإلغاء ما ذكره موسى حول الخلفاء الراشدين الأربعة في بداية خطابه كما تم تغيير فيما يخص الشعبين الفلسطيني والسوري فقد ذكر الخطاب " الشعبان الفلسطيني والسوري يناضلان من اجل الحرية والعدالة" لكن الجانب الإيراني وضع اسم دولة البحرين بدلاً من سوريا، ولما أعلن مرسي التضامن مع الشعب السوري ضد الظلم والقمع وأشار أن النظام السوري فقد شرعيته فقد قلب الجانب الإيراني وحرف القول إلى " نحن نتضامن مع الشعب السوري ضد المؤامرة الموجهة ضد هذا البلد "وعلى ما ذكرته العديد من الجهات ووسائل الإعلام إن ذلك كان مخططاً له وليس عن طريق المصادفة أو خطأ في الترجمة.. ولهذا عندما دعا محمد مرسي إلى وحدة المعارضة السورية وأكد على أنها ضرورية فقد حرفها الجانب الإيراني إلى " نأمل ببقاء النظام السوري المتمتع بقاعدة شعبية " وهنا يدل على عدم حيادية الدولة الإيرانية التي تدعو إلى الحياد وترأس حركة عدم الانحياز وتقف بالضد من المجتمع الدولي، لا بل تهدد أحياناً دولاً في المنطقة وتتدخل في شؤونها الداخلية مثل اليمن ولبنان والبحرين والعراق وخير ما نسب إلى رئيس الشورى الإسلامي الإيراني علي لاريجاني وتم نقله من قبل محطة المنار اللبنانية " إذا كانت الصهيونية الأمريكية تحاول أن تسقط الأسد فنقول بكل صراحة إذا سقطت سورية اليوم فذلك يعني سقوط الكويت غداً وافهموها كما شئتم" وبما أن التصريح المنسوب أثار ضجة واستنكاراً فقد سارع سفير الكويت في طهران إلى نفي التصريح إلا إن الكثير لم يصدقوا هذا النفي لما لحكام إيران من سوابق في التدخل في شؤون البعض من دول المنطقة كما أن بيان وزارة الخارجية البحرانية الذي أشار حول حشر اسم البحرين بأنهُ "إخلالا وتزويرا وتصرفا إعلاميا مرفوضا يشير إلى قيام أجهزة الإعلام الإيرانية بالتدخل في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، وخروجا عن القواعد المتعارف عليها".

وكان المفروض أن تقوم إيران بدور الحياد على الناقل النسبي فيما يخص القضايا المذكورة وتحاول أن تلعب دوراً يتماشى مع نهج حركة عدم الانحياز وتبذل جهدهاً في إنقاذ الشعب السوري من هذا التهور الفظيع والقتل المريع الذي كما نشر قد تجاوز ( 25 ) ألف قتيل لكنها أكدت أنها دولة منحازة 100% ولا تملك ذرة من عدم الانحياز وبموقفها هذا وبدلاً من تعاضد دول عدم الانحياز وضعتها في إطار حرب طائفية بين الأكثرية السنية في الدول العربية والإسلامية وبين الشيعة في إيران والبعض من البلدان الأخرى وهو توجه خطر ليس على حركة عدم الانحياز فحسب بل حتى على العلاقات التاريخية بين مكونات المجتمعات التي تتعايش منذ آلاف السنين بشكل طبيعي كما أن هذا التوجه يجعل من اشتعال حرب جديدة في المنطقة ليس ببعيد وبالأخص البرنامج النووي ومحاولات إيران للحصول على السلاح النووي الخطير.

إن الاجتماع الأخير لدول حركة الانحياز في طهران لم يكن بالمستوى المطلوب حتى انه لم يستطع إعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر التي كانت ترأس الحركة وبين إيران التي بدأت رئاستها للحركة فضلاً أن ما خرج عن الاجتماع المذكور لن تكون له فائدة ولن ينفذ ما اتخذ بسبب التباين الكبير في المواقف السياسية الذي يجعل من التعاون بين هذه الدول بشكل رسمي لا يتجاوز العلاقات الدبلوماسية الرسمية إذا لم تكن أسوأ ولهذا تحتاج هذه الحركة للعودة إلى الالتزام بالمبادئ العشرة التي جاء بها اجتماع باندونج قبل ( 57 ) عاماً لأنها مازالت حيوية ومهمة لجميع الدول المنظمة لحركة عدم الانحياز ولعل المهمة الأساسية أن تقوم الدول التي تنتهج سياسة قمعية ضد شعوبها والتي تفتقد إلى ابسط مبادئ الحريات العامة والديمقراطية بأجراء إصلاحات في هذا الإطار واعتماد الديمقراطية كأساس لتداول السلطة وليس التمسك بها وكأنها ورث شرعي لا يمكن التنازل عنه، أن الانحياز إلى جانب الشعوب وحقوقها وحقوق المكونات القومية والعرقية والدينية وبالضد من التدخل في الشأن الداخلي والهيمنة والاستئثار مهما تكن الحجج هو الطريق الصحيح لبقاء هذه الحركة كقوة فعالية في الساحة الإقليمية والدولية.

 

 

 

 



 

 
 
 
 
 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter