|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  3 / 3 / 2016                    مصطفى محمد غريب                        كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 
 



 النزوح واللجوء المأساة والتهجير القسري في العراق

مصطفى محمد غريب
(موقع الناس)

لم يشهد العراق هذا الكم الهائل من النزوح والهجرة والتهجير القسري الذي يعد بالملايين إلا في عهود قريبة بداية من مجيء حزب البعث والقوى القومية للسلطة ولم يكن هناك نزوح بمئات الالاف في العهد الملكي أو ثورة 14 تموز 1958 ، ففي هذين العهدين لم تكن الهجرات والتهجير القسري أو النزوح هرباً وخوفا من الحروب وإرهاب الدولة الشامل ضد مكون دون المكونات الأخرى، ولا تتعدى حالات الخروج السياسي أصابع اليد بما فيها الإبعاد القسري عن البلد لأسباب سياسية وبخاصة السياسيين الذي يتم ملاحقتهم لاعتقالهم أو تقديمهم إلى محاكمات صورية سرعان ما تحكم محاكم السلطة بالسجن وبعد انتهاء مدة الحكم يجري تنفيذ عقوبة تحدد زمنياً وهي الإبعاد إلى مناطق داخل العراق مثل " بدرة وجصان وغيرهما أثناء الحكم الملكي، وكان نصيب الشيوعيين العراقيين هو الأكبر والأوسع "، إلا أن الأمر تغير بشكل جذري عما ألفناه وبخاصة بعد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي حيث بدأت أمواج الهروب والاختفاء والهجرة والنزوح وحمل السلاح بسبب إرهاب السلطة البعثية والملاحقات المخابراتية والأمنية وفي البداية كانت هذه الهجرات أو الهروب خارج البلد بأعداد ليست بالكبيرة والملموسة وتوقفت نوعاً ما بعد الانقلاب العسكري في 18 تشرين 1963 ، لكن سرعان ما عادت عمليات التهجير القسري والهجرة بعد انقلاب 17 تموز 1968 ومجيء حزب البعث العراقي للسلطة ثانية بشعارات تمويهية، وقد تنوعت أساليب القمع التي طالت المعارضين لنهج حزب البعث العراقي وأساليبه الوحشية للنسيج الاجتماعي العراقي، فإضافة إلى الهروب وحمل السلاح واللجوء إلى دول الجوار وأوربا فقد بدأت عمليات تهجير الكرد الفيلين في البداية إلى إيران بحجة أنهم من التبعية الإيرانية على الرغم من وجود وثائق عراقية أصلية من بطاقة النفوس وشهادة الجنسية العراقية ودفاتر الخدمة العسكرية، لقد توزعت آلة الإرهاب البعثفاشي منذ البداية بالضد من القوى الوطنية والديمقراطية وفي المقدمة الشيوعيين العراقيين، وتنفيذ فصل السياسة الإرهابية والصدّمات المتتالية بالاتهامات وفي مقدمتها العمالة للأجنبي واتهام الشيوعيين بالعمالة لموسكو، فقد نال المواطنين العراقيين الكرد الفيلين اضطهاداً مزدوجاً  :

أولاً: لأنهم كرد
وثانياً: الاتهام بأنهم تبعية لدولة أجنبية " إيران ".

ولهذا كان اعتقال آلاف الشباب منهم وسجنهم وتعذيبهم حتى غياب العديد منهم لا لذنب اقترفوه إلا اللهم انتماءهم القومي ولكنهم وإبائهم ولدوا في العراق، كما طبق النظام الدكتاتوري سياسة التهجير القسري لآلاف العائلات والأفراد وطردهم والاستيلاء على ممتلكاتهم ورميهم على الحدود العراقية التي كانت مملوءة بالألغام مما أدى إلى عشرات الضحايا وبخاصة النساء والأطفال وكبار السن منهم، أما الهجرة التي بدأت تتسع وتتسع منذ نشوب الحرب العراقية الإيرانية وبعد تحرير الكويت وفشل الانتفاضة فقد أصبحت ظاهرة تماماً حيث بدأت أفواج من الهاربين من الجنود وغيرهم ومن مختلف المكونات العراقية يتوجهون عبر ممرات وطرق الموت إلى إيران هرباً من أتون الحرب والإرهاب، والذين استطاعوا النجاة اسكنوا في مخيمات " اردوكات " كانت موجودة تضم المئات من العائلات العراقية وعندما بدأت المضايقات على البعض من العراقيين وعائلاتهم في المخيمات " الاوردكات الإيرانية " اختار الكثير منهم الانتقال إلى سوريا بطرق عديدة ( علنية وسرية ) ثم أصبحت الهجرة نحو دول اللجوء وبخاصة الدول الاسكندنافية وأوربا وأمريكا وكندا واستراليا، وتنوعت المكونات التي تشكل المجتمع العراقي الطالبة للجوء من عرب وكرد وتركمان وكلدو آشوريين ومن المسلمين والمسيحيين والازيديين والمندائيين وغيرهم، وعلى مر السنين ازدادت أعداد الهاربين من جحيم الدكتاتورية إلى الدول العربية وبالأخص سوريا والأردن ومصر كمحطات أولى للانتقال إلى دول اللجوء المذكورة أعلاه وقد قدر حسب إحصائيات من قبل منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والبعض من المؤسسات الرسمية عدد النازحين والهاربين وطالبي اللجوء بمئات الالاف والبعض من هذه المؤسسات أشارت بان الإعداد تجاوزت (2) مليون مواطن عراقي وهو رقم غير قليل إذا ما قدرنا حينذاك نفوس العراق.

عندما سقط النظام الدكتاتوري بفعل الاحتلال الأمريكي وبريطانيا أصبح أمل يحدو الكثير من العراقيين لتحقيق عودتهم إلى البلاد وإنهاء فواجع الغربة والبعاد القسري والانضمام إلى عائلاتهم الباقية وأهلهم ومرتع الصبا والى مجتمعهم العراقي، وعلى الرغم من الأسى والألم المر الذي أصابهم بالاحتلال فقد كانت الفرحة بسقوط النظام الدكتاتوري غير قليلة، ومثلما اشرنا تجدد الأمل بالرجوع إلى الوطن، إلا أن هذه الفرحة وهذا الأمل اصطدم أول ما اصطدم بهيمنة الاحتلال التامة على أكثرية مرافق الدولة المنهارة وهيمنة أحزاب الإسلام السياسي باتجاه بناء الدولة الإسلامية الطائفية ووجود ميليشيات طائفية مسلحة قديمة كانت خارج الوطن وتأسيس أخرى بعد الاحتلال، ثم توسع رقعة الإرهاب بحجة الاحتلال لقتل العراقيين الأبرياء، لقد أصيب العراق والشعب العراقي في الصميم عندما تبدد حلم العودة وبناء الدولة المدنية والتخلص من الاحتلال، وتغيرت معادلة الرجوع والاستقرار إلى العودة للنزوح واللجوء والهجرة إلى دول الجوار مرة ثانيةً وكانت هذه المرة أكثر اتساعاً مما حصل في عهد النظام الدكتاتوري، ثم ظهور حالة داخلية من التهجير القسري من المناطق لأسباب طائفية أبطالها الرئيسين الميليشيات الطائفية والمنظمات الإرهابية وفلول النظام والبعث العراقي والقاعدة ثم داعش، وهذا النزوح الداخلي هرباً من البطش الطائفي الإرهابي لم يحدث في السابق بل حدث تقريباً لأول مرة في العراق وبخاصة المناطق الغربية والبعض من المحافظات الجنوبية والوسط، حيث تترك العائلات والأفراد مواقع سكناهم وأعمالهم وأملاكهم لتنتقل إلى مواقع مناطق ثانية، والأجهزة الأمنية الحكومية عاجزة عن حمايتهم لا بل البعض من الميليشيات الطائفية المسلحة استغلت مظلتها من ارتداء الألبسة العسكرية واستخدام السيارات الحكومية، وفي الجانب الثاني لم تتوان المنظمات الإرهابية التكفيرية وبخاصة داعش الذي سيطر على حوالي 17% من البلاد في تهجير مئات الالاف ولا سيما في مناطق النزاعات المسلحة التي أدت إلى نزوح ما يقارب (3) مليون مواطن إلى مناطق أخرى، وهؤلاء يعانون من الظروف المأساوية فضلاً عن غياب المسؤولية التي تقع على عاتق الحكومة في تقديم المساعدة والعون لتشمل قضايا السكن والإيواء والقضايا الصحية والمعيشية، وبسبب سوء الأوضاع عامة فقد توجه آلاف منهم إلى إقليم كردستان العراق في ظروف أزمته الاقتصادية المعروفة ومحافظات أخرى وهناك أقسام منهم لجأ إلى دول الجوار وبخاصة إلى تركيا وقسماً توجه طالباً اللجوء في الدول الأوربية، وكلنا اطلع على المآسي والمخاطر التي ألمت باللاجئين الذين توجهوا عبر البحر أو خرقاً للحدود والذي خلف ضحايا شملت ليس العراقيين فحسب بل السوريين الذين يعانون من الحرب الطاحنة التي دمرت بلدهم، لقد أشار تقرير المرصد العراقي لحقوق الإنسان إلى " أن النازحين تحولوا إلى قنبلة موقوتة، فلا منازل يمكن أن يعودوا إليها بعد أن عمدت ميليشيات الحشد الشعبي إلى تسويتها بالأرض" وعلى ما يبدو أن الحرب الضروس ضد داعش الإرهاب سوف تطول أكثر من المتوقع وهذا الأمر يؤكد على ما تحمله هذه الحرب من كوارث وفواجع تفوق كل التوقعات بخصوصها.

إن تردي الأوضاع في العراق أصبح مثالاً سيئاً يضرب به حيث شملت جميع مرافقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والأمنية والسبب الرئيسي هو نهج السياسة الطائفية والمحاصصة التي دمرت البلاد وشردت مئات الالاف من المواطنين العراقيين داخلياً وخارجياً وهي سوف تستمر إذا لم يجر إصلاح الأوضاع بروح الوطنية والتخلص من الفساد ذا الأوجه العديدة، ولا بد من الاعتراف أن هذا النهج المدمر هو الذي أوجد مأساة ونتائج التهجير القسري الداخلي والنزوح إلى مناطق أخرى ثم الهجرة طلباً للجوء للتخلص من القتل الجماعي والفردي وضنك العيش، ولقد تساءلت منظمة الهجرة العالمية بعدما أثقلتها أعداد المهاجرين والنازحين وطالبي اللجوء الذي تجاوز عدد (2,2) مليون مواطن داخل البلاد و(2) مليون في الخارج عن أسباب تدني وتقاعس الدول عن تقديم المساعدة في داخل العراق أو خارجه فأكدت " في الوقت الذي تعترف فيه المجموعة الدولية بوجود أزمة إنسانية كبرى في العراق، قد يصبح من الصعب إدراك أو تفسير أسباب عدم تخصيص المجموعة الدولية إلا لمبالغ ضئيلة لمساعدة من هم في حاجة لمساعدة؟"، وتبقى قضية النازحين عن مناطقهم داخلياً والهاربين من جحيم الإرهاب وبالذات داعش ومن إرهاب وهيمنة الميليشيات الطائفية قيد التعقيد إذا لم تجر إطلاق مبادرة وطنية حقيقية لحل المشاكل بين القوى المتصارعة على الكراسي وبكل صراحة نحن لسنا بالضد من إعلان رئيس الجمهورية فؤاد معصوم بالدعوة لعقد اجتماع يوم الأربعاء 2/ 3 / 2016 للقيادات السياسية " لبحث المستجدات الأمنية والاقتصادية في البلاد " إنما نبحث عن إنهاء المراوحة والخروج بنتائج تخدم الشعب والبلاد وليس كما كانت تعقد مؤتمرات المصالحة الوطنية في عهد نوري المالكي لكنه سرعان وبمجرد خروجه من المؤتمر يتعاكس مع جميع القرارات التي اتخذت نحو التصالح والدخول في أزمات جديدة، كما نرى ضرورة أن تهيمن الدولة على الميليشيات الطائفية المسلحة والسلاح غير القانوني وإضفاء أجواء الثقة والتسامح وإنهاء النهج الطائفي اللاوطني، النزوح والتهجير القسري واللجوء عبارة عن وصمة عار في جبين الحكومات المتعاقبة على الحكم في العراق.





 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter