|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين 3/12/ 2012                               مصطفى محمد غريب                              كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

تداعيات الفتنة الطائفية في العراق

مصطفى محمد غريب

عادت للواجهة التفجيرات الطائفية التي حصدت في السابق أرواح العراقيين من جميع المكونات لتسجل رقماً جديداً من الضحايا بين قتيل أو جريح أضيف لما سبقه من جرائم بحق شعبنا العراقي، وعلى الرغم من مناشداتنا وكل الخيّرين بالتوجه بشكل حقيقي نحو هذه المعضلة التي أصبحت هاجساً يومياً يعيشه المواطن الذي يرى بأم عينيه ما يعانيه ليس من التفجيرات فحسب بل بما يساعد على استمرار تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية وسوء الخدمات والغلاء والبطالة وغيرها من الأمراض الاجتماعية بسبب تردي معالجات الحكومة بقيادة نوري المالكي وانشغالها بالأزمات التي تفتعلها أو تفتعلها القوى الأخرى أن كانت داخل التحالف الوطني أو خارجه ، اليوم يبرز رأس أفعى الكوبرا الطائفية بطريقة جديدة وبهدف مرسوم، فقد توزعت المهام لتشمل مواقع ومحافظات مختلفة المكونات وقد ارتفع عدد الضحايا ما بين قتيل وجريح إلى نحو ( 140 ) عراقي برئ لا ناقة له ولا جمل في هذا الصراع السياسي الجاري وشملت التفجيرات مدينة الحلة وكربلاء وفي الفلوجة والكوت ومحافظة واسط وبغداد وكركوك وطوز خرماتو والموصل وديالى ومناطق أخرى وهذا ما يظهر أن التفجيرات المجرمة في مدينة كربلاء مرتبطة لخلق فتنة طائفية وذلك بمحاولة تفجير مرقد الإمام أبو حنيفة النعمان في الأعظمية والتي تم إحباطها من قبل القوات الأمنية العراقية، وقد أشرنا مراراً أن القوى الإرهابية سعت وما زالت تسعى للحرب الطائفية وصولاً للحرب الأهلية وقد تميزت تفجيراتها بانتقاء مناطق فيها من مختلف المكونات لتفضي عليها الطابع الطائفي والقومي مثلما حصل في تفجيرات كركوك التي خص هذه المرة المناطق التي تسكنها أكثرية كردية ، إذن هي تعمل بهدف ولكن بعدة اتجاهات وتختار المناطق السنية كما تختار المناطق الشيعية وتمتد إلى المسيحية والازيدية والكردية وبهذا الخلط تحاول تبيان التفجيرات وكأنها من جهات عدة طابعها طائفي شامل بينما ثبت أن خلفها تلك القوى التي لا يهمها أي مكون شعبي بقدر اهتمامها بإشعال نيران الصراع غير المبدئي على الأقل لاستمرار الاضطرابات الأمنية ثم دفع عجلة التطاحن نحو مزيد من التفجيرات ليتسنى لها تقسيم العراق إلى مكونات طائفية وقومية ضيقة وبالتالي توسيع الفتنة الطائفية .

وعلى الرغم من وعي الأكثرية من الشعب ومعرفتهم الأهداف لكن الحكومة العراقية تبدو ثملة من استمرار هذا النزيف الدموي، وعندما تحرك ساكناً تكاد الأمور تسبقها بمسافات وتكون الضحايا قد ارتفعت أعدادها، ولطالما اشرنا أيضاً أن توجه القوى الإرهابية والميليشيات وكل من يريد تدمير البلاد لا يمكن أن ينتهي إلا بالمصالحة الوطنية ومشاركة كافة الأطراف الوطنية في خلق مناخ وطني له مقومات الثقة بين الأطراف لمعالجة أي ثغرة أو نواقص تظهر في سياق العمل، لكن كيف يمكن والبعض يخلق مقومات للتوتر لكي يبعد الحلول المنطقية ولا يراعي البعض أيضاً خطورة الأزمة وتداعياتها على مستقبل البلاد بينما البعض ينبري في دفع الاحتقان الطائفي تحت طائلة من الحجج ولا يعي أن الاقتتال والتطاحن الطائفي ليس فيه لا منتصر ولا مهزوم وهو عبارة عن آلة للخراب والتدمير، ولقد ضربنا أمثلة لا تحصى عن نتائج التنابز الطائفي بما فيها تقسيم البلاد والهيمنة على القرارات الوطنية بواسطة التدخلات الخارجية التي تعمل ليل نهار من اجل أن يبقى العراق ضعيفاً لا يستطيع النهوض بمسؤولياته الداخلية ولا الخارجية ، ومن منطلق الحرص على وحدة العراق الوطنية فان الضرر سيعم بشكل لا يمكن تقديره جراء السياسة المتهورة واللامسؤولة من قبل بعض الأطراف في الحكومة العراقية كما أنه سوف يشمل الجميع ولن يسلم منه أحداً، ولهذا يجب العودة إلى روح المسؤولية الوطنية وعدم ركوب الرأس وتبرير المواقف غير الصالحة وكأنها صالحة للعراق والشعب العراقي، وفي هذا الشأن دعا فؤاد حسين رئيس ديوان رئاسة الإقليم التحالف الوطني إلى تحديد موقف واضح تجاه سياسة رئيس الوزراء نوري المالكي وتعنته لمواجهة الكرد لأنها سوف تفضي إلى إلحاق الضرر بكل العراق وليس كما يتصور بجزء منه فقط، وبخاصة إذا فكر في اعتماد المواجهة العسكرية مع قوات البيشمركة وقال فؤاد حسين " "الأمور تتجه نحو المزيد من التصعيد، وحان الوقت لقيادة التحالف الوطني لبيان موقفها الصريح والواضح من كل ما يجري، فلم يعد السكوت أو الحياد أمرا مقبولا" وكما يقال أن السكوت علامة الرضا والسكوت على سياسة الاستئثار والتعنت التي يتبعها نوري المالكي بحجة الجيش العراقي تؤدي إلى مزيداً من العزلة ومن تداعيات للوضع الأمني الذي لم يعد خافياً من الثغرات التي تتحرك من خلالها قوى الإرهاب والميليشيات المسلحة، حتى أن رئيس الجمهورية جلال الطلباني الذي وقف الى جانبه في قضية الاستدعاء للبرلمان بهدف عزله قال في مقابلة مع العربية ليس من صلاحية رئيس الوزراء نوري المالكي أن " يزج الجيش في أمور من اختصاص الشرطة" وانتقد تشكيل قيادة عمليات دجلة ونشرها في المناطق المتنازع عليه لمالها من خطورة على الأوضاع الأمنية، وأكد الطلباني على أن حالة الطوارئ تُعلن بموافقة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء " وهو على حد قوله لم أوافق " وشبه الطلباني ما قام به الفريق الركن على غيدان قائد القوات البرية " بوضع قوات الشرطة وكل القوات المحلية تحت قيادة عمليات بغداد عبارة عن إعلان حالة الطوارئ "

إن الأمر المستغرب تكرار العمليات الإرهابية والتفجيرات بسيارات مفخخة والعبوات الناسفة حيث لم تسلم أي منطقة منها وكأنها مثل المسلسلات الأمريكية التي تختلق الحوادث والمواقف لتشد المشاهد للمسلسل، والمواطن العراقي مشدود في كل لحظة من اللحظات الى حدوث تفجير يؤدي بحياته أو حياة البعض من أفراد أسرته وأقربائه وأصدقائه بما فيها الأعمال الإرهابية الأخرى، كالاغتيالات بكاتم الصوت، وفي كل حالة تفجير يروح فيها ضحايا أبرياء يخرج المسؤولون ليعلنوا استنكارهم واتهام الأجهزة الأمنية بالتقصير، وهكذا تستمر عمليات التفجير والقتل واستنكار المسؤولين لها بدون أي معالجة حقيقية تخفف من معاناة المواطنين، وفي ما يخص التفجيرات الإجرامية الأخيرة استنكر كالعادة العديد من المسؤولين الحكوميين وعلى رأسهم إسامة النجيفي رئيس البرلمان وقد طالب ضرورة " معالجة الخلل في صفوف الأجهزة الأمنية "وهو أمر مبهم فعلاً على المواطنين الأبرياء، فإذا كان رئيس البرلمان ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية والناطقين باسم المرجعية الدينية وغيرهم يعلنون الاستنكار ويدينون التفجيرات الإرهابية ويتهمون القوات الأمنية بالتهاون والغفلة فذلك أعجب الأعاجيب على قول السيد احمد الصافي ممثل السيد علي السيستاني خطيب الجمعة في كربلاء ودعوته للحكومة والأجهزة الأمنية للحيطة والحذر وتبني حلول لمشكلة الأمن وتأكيده "على الأجهزة الأمنية اخذ الحيطة والحذر وأن لا يمكن لرجل الأمن أن يغفل .. فالغفلة لا تناسب رجل الأمن فالاستهداف باقي والتحديات باقية" فإذا هي القضية محصورة في الحيطة والحذر وبعد حوالي عشر سنين فذلك يعني كم نحتاج من السنين للتخلص من الفساد المالي والفاسدين الكبار الذي أشار له ممثل السيد علي السيستاني " أن هناك رؤوسًا فاسدة في الدولة إذا لم تبدل سيبقى الوضع على ما هو عليه متسائلاً عن دور السلطة في مواجهة الفساد. وقال إن على الحكومة واجب تشريع القوانين والأنظمة التي تقي المواطنين غائلة الفساد " وكم نحتاج من السنين كي يتم بناء مؤسسات أمنية وطنية مخلصة غير مخترقة من القوى الإرهابية وميليشيات البعض ممن يشارك في الحكومة العراقية تحافظ بحق على امن وسلامة المواطنين والوقوف بالضد من المخطط الإجرامي لخلق الفتنة الطائفية.. جواب عسير ونحن في ظل هذا الوضع المربك وفي ظل هذا الجو السياسي المشحون بالتربص وفي ظل تداعيات الفتنة الطائفية المتربصة خلف كل تفجير واغتيال وأزمة، وبفقدان روحية التأني والعودة للمسؤولية الوطنية التي تعتمد الحل الوطني السليم بدلاً من الصراع على المناصب والكراسي حسب رؤيا طائفية بغيضة .

 

 



 

 
 
 
 
 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter