|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  3  / 12 / 2013                          مصطفى محمد غريب                              كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 


مدى الالتزام بالاتفاقية حول البرنامج النووي الإيراني

مصطفى محمد غريب

إن قضية البرنامج النووي الإيراني التي أخذت وقتاً طويلاً حوالي عشر سنوات في الصراع ما بين حكام طهران والدول الكبرى في مجلس الأمن بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية وأكثرية الدول الأوربية أسفر أخيراً عن اتفاقية جديدة تلتزم فيها إيران بعدم توسيع تخصيب اليورانيوم، كما أن هناك قلقا مشروعاً من قبل دول الجوار من هذا البرنامج الذي أعلن عنه باتجاه إنتاج القنبلة النووية تحت ادعاءات إيرانية غير صحيحة انه للطاقة النووية السلمية، القلق الذي صاحب الملايين من البشر سببه تعنت حكام طهران السابق لسنوات عديدة بالمضي في برنامجها النووي والكذب الذي كان يرافق التصريحات من قبل كبار الدولة بان البرنامج النووي ليس هدفه إنتاج السلاح النووي بل هو للقضايا السلمية، وبقى العناد والموقف العدائي طوال رئاسة احمدي نجاد وكلما كان يجري الاقتراب لحل هذا الإشكال تظهر عقبات جديدة من قبل حكام طهران وتُطلق التصريحات غير المنضبطة التي تهدد بها وتتوعد بمحو إسرائيل وضرب المصالح والمنشآت الصناعية والخدمية في منطقة الخليج والدول الأخرى، وقد استمر الحراك من قبل الأمم المتحدة والدول ذات العلاقة باتجاه محاصرة الملف النووي الإيراني وصولاً إلى إصدار عقوبات اقتصادية لكي يرضخ حكام طهران للواقع وان يتخلوا عن نواياهم التي تهدف فعلاً لتصنيع السلاح النووي تحت غطاء استعمال الطاقة النووية للقضايا السلمية ، الصراع الموما إليه بقى مستمراً حتى الانتخابات الإيرانية الرئاسية الأخيرة ومن خلال تصريحات حسن روحاني المرشح الجديد لرئاسة الجمهورية أُستشف بان الرجل وحسب تأكيداته حاول طمأنة المجتمع الدولي بالدعوة للحوار وحل المشاكل المتعلقة بالجانب النووي عن طريق الحل السلمي بما فيه التعاون مع مجلس الأمن والأمم المتحدة لحل الإشكالات المتعلقة بالملف النووي بالرغم من الشكوك الكثيرة التي صاحبت الانتخابات وما بعدها فقد صدق الرجل حيث جرت المفاوضات بين إيران والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى المانيا حتى تم التوقيع على الاتفاقية التي أشارت إلى التزام حكام طهران بالبنود التي تم التوقيع عليها وفي مقدمتها موافقة إيران على عدم توسع التخصيب إلا بحدود برنامجها النووي السلمي، وقد شكلت هذه الاتفاقية رؤيا جديدة بان التعنت والعناد الذي سلكه حكام طهران جلب الويلات الاقتصادية على الشعب الإيراني وان العقوبات الاقتصادية أدت إلى زيادة معاناة الشعب الاقتصادية والاجتماعية ، الاتفاقية كما ذكر جاءت انتصاراً لمنطق العقل والاعتدال اللذان سيخدمان الشعب الإيراني وشعوب المنطقة في السلم والتعاون الايجابي بين الدول وبين إيران في المستقبل ... الخ

لكن السؤال المحير الذي سيبقى يدور في الأذهان إلى أن يجري تحقيق ما تم الاتفاق عليه والتزام حكام إيران بالتنفيذ والتخلص من عقلية التهديد ومخاطر سياسة القبض على العصا من الوسط لحين إيجاد الفرصة للانتقال لطرفها الذي يعتمد على كسب الوقت والعودة للسياسة الرعناء نفسها وهذا أمر بالغ الخطورة، والملاحظ الذي أثار السؤال أعلاه بما صرح به السفير الإيراني رضا نجفي لدى الوكالة الدولية للطاقة النووية بخصوص تجميد إيران أنشطتها النووية وبين ما صرح به الرئيس الإيراني حسن روحاني في مقابلة مع صحيفة "فاينانشل تايمز" حول تفكيك المنشآت النووية، فمن جهة أعلن السفير الإيراني رضا نجفي لدى الوكالة الدولية " أن بلاده ستبدأ تجميد بعض أنشطتها النووية المثيرة للجدل بين نهاية ديسمبر وبداية يناير، وذلك تطبيقا للاتفاق الذي وقعته مع الدول الكبرى" كما أكد رضا نجفي على هامش اجتماع مجلس حكام الوكالة الذرية "نتوقع أن نبدأ تنفيذ الإجراءات التي توافق الجانبان بشأنها" ولم يكن حبر التصريح قد جف فقد أشار وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف " بأن النسبة المئوية لتخصيب اليورانيوم سوف تحدد من قبل إيران وفقا لمتطلبات البلاد في مختلف المجالات " وبدون أية مقدمات فقد راوغ بالقول أن " التفاصيل فقط قابلة للنقاش " ثم انبرى الرئيس الإيراني حسن روحاني وبالضد مع ما صرح به السفير رضا نجفي فقد قال أن تفكيك المنشآت النووية لبلاده " بأنه خط أحمر" وهو كما يبدو رد حازم على تلك التصريحات التي أطلقت حول التزام حكام طهران بتجميد البعض من أنشطتها النووية التي أثارت الجدل حول هدفها الأخير الذي يحقق تصنيع القنبلة النووية والتي تعتبر بدون أي شك تهديداً للأمن والسلام ليس للمنطقة فحسب بل العالم، التصريحات المتضاربة لن تكون المخرج الحقيقي لأزمة إيران مع المجتمع الدولي ولا لحل الأزمات المتعددة التي تعصف بالشعب الإيراني ومضارها على مستقبل إيران في حل المشاكل المستعصية التي تعصف بها داخلياً ثم التعايش السلمي في المنطقة وإذا لم يتخلى حكام طهران عن عقلية المراوغة والاستحواذ على السلاح النووي فسوف يلحق بإيران كارثة كبيرة اكبر مما يتصورها هؤلاء الحكام، وعلى ما يبدو أن التصريحات الأمريكية المتتالية إثناء عقد الاتفاقية أو فيما بعدها دليل على عدم وجود الثقة التي يتحدث عنها البعض من المعتدلين في إيران، فها هي الإدارة الأمريكية تؤكد على لسان جين ساكي المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية وهي تشدد حول " استئناف الأنشطة في المفاعل وإنتاج وقود نووي سيمثل خرقاً لاتفاق جنيف" وهو تحذير أمريكي بالضد من إنتاج المزيد من الوقود النووي فضلاً عن الحذر الشديد التي تبديها فرنسا حول الالتزام بما اتفق عليه بين إيران والدول الخمسة في جنيف فضلاً عن معارضة حكومة إسرائيل للاتفاق المذكور واعتبرته " خطأ تاريخي " لأنه لن يتوصل إلى حل جاد يؤدي إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني لكن إسرائيل المعروفة بامتلاكها السلاح النووي حسبما أشارت له الكثير من المصادر حتى من داخل إسرائيل نفسها غير مطالبة بالكشف على مفاعلها النووي لا من قبل مجلس الأمن ولا الدول الكبرى أو الأوربية مما يشجع إيران وغيرها لامتلاك السلاح النووي، وفي الوقت نفسه ما يشجع حكام إسرائيل على المضي في طريقهم العدائي العنصري بالضد من الشعب الفلسطيني وعدم التعاون مع الوكالة العامة للطاقة النووية هو التطرف في الخطابات التي تهدد بمحو إسرائيل من الوجود وكأن فلسطين والفلسطينيين خارج حدود الكرة الأرضية .

إن الاتفاقية التي تم توقيعها ما هي إلا خطوط عامة لخلق أرضية مشتركة لكي يتم تجاوز الخلافات مع الوكالة العامة للطاقة النووية والمجتمع الدولي ثم الوصول إلى قواسم مشتركة للحد من التوجه لامتلاك السلاح النووي الذي يهدد دول وشعوب المنطقة، إلا أن القلق المشروع الذي ينتاب الأكثرية هو عدم التزام حكام إيران بالاتفاقية بالتنصل منها بواسطة الحجج والاعتراضات حول التفاصيل وتفسير بنودها حسب رغبتهم الضيقة وتوجهاتهم التي تهدف كسب الوقت وتضيع الفرصة أمام الحل النهائي للمشكلة ، لعل الوقت هو الذي سيظهر مدى جدية حكام إيران لإنهاء هذه الأزمة وللوصول إلى حل معقول يخدم قضية السلم والتعاون بين إيران والمجتمع الدولي لان تباشير أولية الاتفاقية أظهرت مدى تنفس الشعوب الإيرانية الصعد وإنعاش آمالها بالعودة إلى طريق الحوار والتفاهم اللذان يخدمان مصالحهم كافة.

 


 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter