|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  28 / 1 / 2016                    مصطفى محمد غريب                        كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس   

 
 
 



 من الذي دعم ويدعم التطرف الديني والعنف الطائفي؟

مصطفى محمد غريب
(موقع الناس)

التطرف الديني الذي نراه ونلمسه في الوقت الراهن ليس بالجديد أو وليد ظروف جديدة بل هو امتداد تاريخي لحقب طويلة مرت على البشرية وقد نستعين إذا رغبنا بالتاريخ لنبين تاريخ التطرف وأنواعه وتنقله بين البلدان ذات الديانات والمعتقدات المختلفة، ففي تاريخ هذه البلدان سجل حافل بالتطرف الديني وحتى الطائفي، صراعات دموية وقتل وتهجير وهجرة وحروب داخلية وخارجية طاحنة راح ضحيتها مئات الالاف من البشر إضافة إلى تأسيس منظمات وحتى أحزاب متطرفة دينياً وطائفياً بما فيها الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية وغيرهم من الدول المتطورة صناعياً، وللتطرف الديني الطائفي تاريخ طويل في البلدان غير المتطورة لا بل أن العديد من حكوماتها كانت لها يد الطولى في تشجيع التطرف وان لم تعلن عنه بشكل مكشوف، ومثلما اشرنا أن الاستعانة بالتاريخ والوقائع سيقرب الحقيقة القائلة أن لا بلد من البلدان ولا دين من الأديان ولا معتقد من المعتقدات خلت من التطرف الديني والعنف النفسي والجسدي ولهذا فنحن سنبتعد عن الشرح والتفصيل الواسع وعن تلك الحقب التاريخية وقضايا التطرف الديني والعنف الذي حمل نتائج مؤلمة وجرائم لا تغتفر بحق الذين يختلفون مع المتطرفين الذين يرون الأحقية في أفكارهم ومعتقداتهم ويحجبونها عن من يختلفون معهم، وسنكتفي في متابعة الظروف الحالية التي جعلت من التطرف الديني في مقدمة الأحداث في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين وخاصة في بعض البلدان الإسلامية والعربية وفي مقدمتها أفغانستان وإيران والعراق وسورية.. أوضاع أفغانستان معروفة تاريخياً وهذا التاريخ ليس بالبعيد فمنذ قيام أفغانستان الديمقراطية بقيادة حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني تكالبت عليها القوى الإمبريالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وعاونتها بشكل واسع القوى الرجعية في الدول الإسلامية والعربية بما فيها تقديم الدعم اللوجستي المتنوع للقوى الإسلامية الأفغانية المتطرفة ثم الدعم المنقطع النظير لتنظيم القاعدة بقيادة ابن لادن وهذا الدعم وصل إلى إرسال حتى المتطوعين المتطرفين من الدول العربية الذين أطلق عليهم " عرب أفغانستان " الذين انقلبوا على من أرسلهم وقدم لهم الدعم المختلف بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية التي ساهمت بشكل كبير في مدهم بكل ما يلزم لإسقاط حكومة حزب الشعب الأفغاني، هذه المرحلة تعتبر تطور واسع للقوى الإسلامية المتطرفة فضلاً عن دعم الثورة الإيرانية 1979 بقيادة الخميني وشعارها تصدير الثورة وهذا يعني تصدير وتشجيع ودعم التطرف الديني ومساعدة القوى المتطرفة في المنطقة وبخاصة الدول العربية والدول المجاورة لها، ولم تكن بريئة الحكومات التي ساعدت ابن لادن أو القوى الإسلامية المتطرفة بما فيها تنظيم القاعدة وحتى حركة طلبان لم تكن بريئة من المساهمة الفعلية في انتشار التطرف والإرهاب بعد ذلك ليعم مناطق واسعة من العالم بما فيها الدول التي ساعدت هذه القوى المتطرفة ومكنتها من التواجد الواسع وتعاونت معها بالضد من خصومها مثلما لمسناه من قبل أنظمة عربية في مقدمتها الأنظمة الدكتاتورية والرجعية التي لا تؤمن بالحريات العامة والشخصية، لقد تطورت قوى الإرهاب وبخاصة القوى الإسلامية المتطرفة في كلا الجهتين وأصبحت بالقوة في مكان لا يمكن التخلص منها بسهولة أو الحد من انتشار التطرف الذي يمارس العنف المسلح والجسدي بدون استثناء حتى المواطنين الأبرياء اكتووا وأصبحوا ضحايا يدفعون الثمن من دمائهم وأوضاعهم الأمنية، واليوم بمجرد متابعة ما يجري في سوريا من حرب مدمرة نرى هيمنة القوى الإرهابية داعش والقاعدة وغيرهما وهي نتيجة لسياسة الباب المغلق وعدم حل القضايا والمشاكل بالحوار والتفاهم وعدم اللجوء للعنف الذي يولد عنف مضاد بالتأكيد، كما نشاهد وبعد أن سقط النظام الدكتاتوري في العراق وجاء الاحتلال بقيادة أكثرية أحزاب الإسلام السياسي تتجلى مظاهر التطرف في أطراف عديدة في مقدمتها داعش والقاعدة وتنظيمات حزب البعث العراق من جهة ومن جهة ثانية التنظيمات والميليشيات الطائفية المسلحة الموزعة على أحزاب وجبهات وأسماء مختلفة، أكثرية هذه التنظيمات تتبنى التطرف الطائفي وتنتهج العنف كأسلوب وحيد في تصفية حساباتها وتنفيذ مخططاتها بينما يبقى المواطنون العراقيون ضحايا يدفعون الثمن، وتنتهج جميع هذه المنظمات والأحزاب المتطرفة أيضاً أساليب التهديد والابتزاز وبث الإشاعة ومنع المواطنين بالوعيد لترك مهنهم التجميلية أو تحريم قضايا الفن والموسيقى والتجميل إضافة إلى ضغوط لا تخلو من التبشير بالعقاب الرباني وبجهنم الحمراء والعقاب الجسدي فمثلاً ظهرت مؤخراً ملصقات جدارية في العديد من شوارع بغداد وقرب السيطرات ونقاط التفتيش وعلى جدران البعض من المتنزهات والحدائق العامة تدعو بشكل مباشر وعلني لتحريم " الغناء وتبرج النساء " مثلما كانت تدعو في السابق غلق محلات الحلاقة أو محلات بيع الكاسيتات الغنائية والدعوة لمنع السفور وحتى الاعتداءات على النساء السافرات....الخ هذه الملصقات والتهديدات والاعتداءات ترمي لمحاربة وقمع التيار الوطني الديمقراطي المدني حيث تتضمن أحاديث نبوية وأحاديث لآل البيت تدعو إلى عدم السماح للنساء بالسفور أو التبرج وهو ما يظهر تزايد نشاط التيارات الإسلامية المتطرفة وعدائها وكراهيتها لتعدد الثقافات في المجتمع العراقي الذي يتكون من مكونات وثقافات مدنية وحضارية وهو توجه مدعوم من قبل قوى طائفية منظمة ومسلحة وهذه الملصقات أثارت الغضب والدهشة لأنها بقت على راحتها حتى بدون إي تعليق من قبل الجهات الحكومية، والذي يتتبع هذه الأعمال يجدها مطابقة مع ما قامت به داعش الإرهاب وما تقوم به من حجب الحريات والاعتداء على كرامة الإنسان والعودة إلى السبي الجاهلي وسوق النخاسة واغتصاب النساء ومنع أي صلة بالحضارة والفنون.

أن التطرف الديني لم ينشأ من فراغ بل لعبت القوانين التعسفية وحجب الرأي وسلب الحريات وعدم التمتع بالديمقراطية والانتخابات الحرة وتزايد معدلات البطالة والفقر دوراً مهما في توسيع التطرف واستغلال القوى الدينية الرجعية هذه الظروف للتحريض وتعْبئة آلاف الشباب العاطل والفقير وبسبب ضعف الوعي واستغلال الطائفية لتدفعهم نحو العنف والعنف المسلح والانتماء للمنظمات الإرهابية والميليشيات الطائفية كما هو مسجل ومعروف، والتطرف الديني له تداعيات على الكثير من الدساتير الإسلامية والعربية لان أكثرية الدساتير تعتبر الإسلام دين الدولة الوحيد، وتتضمن أكثرية الدساتير تثبيت الشرع الإسلامي أساس سن القوانين والدستور وإن هناك " شطحات " تشير إلى باقي الأديان بشكل خجل ومن هذا النص تنشأ فكرة إلغاء الآخر، كما أن المنظمات والأحزاب الإسلامية بدون استثناء تقاتل من اجل تثبيت هذا الحق المكتتب من تاريخ الإسلام نفسه ولا تسمح مطلقاً بفصل الدين عن الدولة لأنها لا تستطيع أن تستوعب إبعاد الدين والتشريعات عن السياسة والتحزب الضيق، ولرجال الدين دور كبير لكي يبقى تأثيرهم على وعي الناس وتوجيههم حسب المطلوب، وتتبارى أحزاب الإسلام السياسي فما بينها بعدالة وجهة نظرها المذهبية والطائفية وهو منطلق لخلاف فكري عميق يصل أحياناً إلى تكفير الآخر لا بل يصل إلى التحارب بالسلاح .

أن الجهات الخارجية والداخلية التي دعمت وما تزال تدعم العنف وتأجيج الحقد الطائفي معروفة وغير مخفية والدعم هذا يبدأ على شكل توجيهات دينية ظاهرياً لكنه باطني يهدف التفرقة والإرهاب وهذا الدعم يقدم أيضاً من قبل دول إلى بعض التنظيمات الإرهابية والطائفية ويشمل الدعم مناحي عدة منها ما هو تقديم المال أو السلاح ومسائل أخرى منها الإيواء والحماية والتدريب وتقديم المعلومات، لقد كان التدخل أحد أسباب انتشار التطرف الديني في أفغانستان وغيرها وتقديم الدعم للمنظمات الإسلامية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة بقيادة بن لادن واحتلال العراق وتنامى دعم الميليشيات الطائفية من قبل إيران وتداعيات تسليم قيادة العراق للأحزاب الإسلامية وما قامت به المنظمات الإرهابية ، القاعدة وتنظيم داعش وبالمقابل عمليات الميليشيات المسلحة، أما على المستوى الداخلي فهو دعم يقدم من بعض المسؤولين المؤثرين أو من قبل البعض من العاملين في المؤسسات الأمنية كطابور خامس أو حتى من قبل الحكومات التي تسعى للتخلص من معارضيها، ويبقى الدعم للتطرف والعنف الديني والطائفي من اخطر القضايا التي تجابه مستقبل وتطور البلاد وهو يضعها أمام تداعيات الحرب الداخلية التي تؤدي إلى التهلكة والتبعثر وتقسيم البلاد وخير برهان تجربة دولة يوغسلافيا القديمة وتجارب أخرى معروفة.



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter