|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء 27/3/ 2013                               مصطفى محمد غريب                              كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 


النتائج الكارثية لاحتلال العراق بعد عام 2003

مصطفى محمد غريب

ما زال البعض يجاهر ويطرح ما معناه، أن احتلال العراق من قبل قوى خارجية لإسقاط النظام كان أمل الكثير من العراقيين للخلاص من النظام الدكتاتوري وأساليبه الإرهابية ومن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي أصبحت كابوساً يهدد حياة الملايين أثناء الحصار الدولي عليه، وهؤلاء طرحوا ومازالوا يطرحون مفهوماً فيه الغرابة ـــ بان الشعب العراقي كان يريد التغيير مهما كان حتى لو احتل العراق! والبعض ادعى حتى لو كانت الأداة هي دولة إسرائيل!! وهنا يبرز سؤال ملح ـــ أين أصبحت المسؤولية الوطنية تجاه الوطن الذي يتغنى به هؤلاء؟ لكن هذا الطرح أو المفهوم الغريب كل الغرابة عن الروح الوطنية العراقية والمحصور بشكل ذاتي بهدف التخلص من النظام الدكتاتوري دل على خطأ فاحش، لان الذي حصل ليس فقط إسقاط النظام العراقي وتخليص الشعب من الدكتاتورية، بل كان الهدف الرئيسي هو احتلال العراق الذي بقى محط أنظار القوى الاستعمارية لسنين طويلة بهدف السيطرة والهيمنة على موارده الطبيعية وفي مقدمتها النفط وما له من موقع استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، ثم التدخل في المنطقة بطرق مختلفة منها عسكرية لصالح إسرائيل واقتصادية وهي الأهم لأنها تخدم المصالح الثابتة للولايات المتحدة وحلفائها في الحرب التي رفضتها القوى الوطنية والديمقراطية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي الذي رفع شعاره المعروف " لا للدكتاتورية لا للحرب " معللاً خطورتها وتأثيراتها المستقبلية على الشعب العراق والمنطقة برمتها وكان استنتاجاً غير مشكوك فيه زكته الحياة .

لقد أطلت الذكرى العاشرة للاحتلال الأمريكي بنتائج وخيمة أصابت أكثر من 90% من المرافق الحيوية، اقتصادية وإنتاجية واجتماعية وثقافية وسكانية، ودمرت طاقات بشرية غير قليلة كان بالامكان أن تكون أداة لإعادة البناء والتقدموالتخلص من تركة النظام الدكتاتوري بوتائر سريعة وخاصة إذا كان قد حصل التغيير من الداخل وبالقوى الذاتية وليس كما حصل بواسطة العامل الخارجي الذي بانت أهدافه بأنها ليس كما أعلن عنها بأنها جاءت لخدمة مصالح الشعب العراقي وتخليصه من الدكتاتورية وأسلحة الدمار الشامل، بل من اجل خدمة مصالحه الثابتة التي تتجلى في الهيمنة ليس على العراق فحسب بل على المنطقة وبشكل مطلق، وهو ما أثبتته تجارب السنين ما بعد الاحتلال بعدما استلمت قوى الإسلام السياسي وبتحالف مع القوى الأخرى السلطة وحولتها وبخاصة دولة ائتلاف القانون والبعض من حلفائه في التحالف الوطني الشيعي وكأنها ملكاً خاصاً بها ثم بدأت بذور الانشقاق والصراع على الكراسي من اجل المصالح الضيقة التي أصبحت حجر عثرة أمام المصالح الوطنية .

إن احتلال العراق لم يكن نزهة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها أو القوى العراقية التي ساندت مفهوم إسقاط النظام الدكتاتوري بالاحتلال، فعلى الرغم من سقوط النظام الدكتاتوري المدوي وظهور نخبة سياسية جديدة تولت بعد ذلك أمور البلاد أثناء مجلس الحكم أو في ما بعد فقد أدى الاحتلال إلى خللٍ في العلاقات بين المكونات الداخلية فضلاً عن خللٍ في علاقات العراق بدول الجوار وشرعنة التدخل في شؤونه الداخلية بسبب التوجهات الطائفية لبعض القوى السياسية والدينية التي حاولت وتحاول ربط البلاد بأجندة خارجية ليس لمصلحة البلاد ولا الشعب العراقي إنما لمصلحة التطرف الطائفي والحزبي وتوسيع الشق بين مكونات الشعب، وبهذا ظهر بدون الشك أو الجدل بان تأثيرات الاحتلال هي احد الأسباب التي عقدت منذ البداية الأوضاع السياسية لأنها رسمت نهج المحاصصةوأثرت على الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما فيها التغيرات على التركيبة السكانية بعد تصاعد حدة الصراع الطائفي العنفي المسلح، وانجر هذا التوجه على الأقليات غير المسلمة من المسيحيين والصابئة المندائيين والآزيدين وغيرهم التي أخذت بالتقلص متخذة طريق الهجرة إلى خارج البلاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من براثن القوى المتطرفة من كلا الجانبين، وقد دفع العنف المزدوج إلى انتقال وهجرة مئات الآلاف من الشيعة والسنة من أماكن سكناهم أو مدنهم وحتى الخروج من البلاد بفعل التوجهات العنفية الطائفية ودور المليشيات الحزبية الطائفية المسلحة والقوى الإرهابية التي أفرغت مناطق وأحياء من ساكنيها، وكانت المليشيات المسلحة والقوى والجماعات التكفيرية المسلحة هي الآلات التي نفذت آليات مخطط زرع الفتنة وجر البلاد إلى حرب أهلية باتجاه تدمير ليس الوحدة الوطنية بل تجاوزتها إلى توسيع الشرخ الثقافي لتفريغ البلاد من العقول النيرة التقدمية والوطنية وحتى المستقلة لخلق ثقافة لا تمت للثقافة الوطنية بأي صلة إلا اللهم بالادعاء والشعارات الفضفاضة، وقد ساهمتْ هذه العملية أيضا في ترك عشرات العقول العلمية والثقافية والفنية والأدبية والصحافية البلاد خوفاً من الملاحقة والمتابعة والتضييق والاغتيال، ولو أحصيناً بشكل واقعي لوجدنا العشرات من الأكاديميين والعلماء والمثقفين قد تم اغتيالهم لمجرد أنهم يختلفون مع النظرة الضيقة والفكرة الظلامية التي تسعى لخراب عقول ووعي المواطنين ومحاربة القوى التنويرية التي تهدف إلى رفع المستوى الثقافي والوعي الاجتماعي للمواطنين من اجل الدفاع عن مصالحهم المشروعة، أو التحفظ على تدخل رجال الدين في السياسية وسياسة أحزاب الإسلام السياسي ومواصلتها التضييق على الحريات العامة والشخصية، أما بالنسبة للصحافيين فقد قتل حوالي ( 373 ) منذ احتلال العراق 2003 فضلاً عن استمرار الاعتداء عليهم ومنعهم من مزاولة أعمالهم الصحفية مما أدى إلى هجرة العشرات منهم إلى دول الجوار أو دولاً أخرى للحفاظ على حياتهم من التهديدات والاغتيال بكاتم الصوت الذي مازال يلاحق الكثيرين على الرغم من وجود المؤسسات الأمنية المكتفية عددياً ومادياً ومجهزة بالأسلحة المتطورة .

أن الملاحظة الرئيسية التي يلاحظها كل متابع للأوضاع الداخلية في الوقت الراهن وما حدث بعد الاحتلال الأمريكي بان مئات الآلاف من العراقيين يريدون ترك وطنهم أو مواقع سكنهم والانتقال من محافظة إلى أخرى، وقد شهد إقليم كردستان أيضاً انتقالات واسعة من الجنوب والغرب والوسط من اجل الأمان والعمل وهو دليل قاطع على التغيرات الكبيرة التي حدثت على التركيبة السكانية والاجتماعية بسبب الاحتلال والتوجهات الطائفية وتهديدات مليشيات الموت المسلحة، ولم يكن احتلال العراق إلا سيناريو نفذ على مراحل ومنذ زمن ابعد من 2003 ، ولما شنت الحرب تحت طائلة تبريرات عدة ومنها أسلحة الدمار الشامل أتضح أن الإدارة الأمريكية خدعت الرأي العالمي بما فيه الشعب الأمريكي وكان الادعاء بتخليص الشعب العراقي ونشر مفاهيم الديمقراطية عبارة عن اكبر كذبة أطلقتها الإدارة الأمريكية والرئيس الأمريكي بوش الابن، لقد كانت نتائج ما بعد الحرب وفترة الاحتلال وأثناء مسيرة الحكومات العراقية وبخاصة الفترة الأخيرة عبارة عن مسيرة متعثرة أفقدت البلاد الكثير من فرص التقدم والتخلص من مفاهيم إعاقة تحقيق الحريات بمفهومها الخاص والعام بما فيها قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبدلاً من تحقيق حلم العراقيين بإقامة السلام والأمان ونظام سياسي تداولي ووفق دستور وطني خالي من النواقص فان أدواة القتل والتدمير مازالت تتحكم في مصير مئات الآلاف من الأبرياء، ومازالت سياسة التهميش وتعطيل أحكام الدستور على الرغم من علاته ونواقصه، وعسى أن لا يفهم من ذكر هذه النتائج التي سببها الاحتلال بأننا نترحم على النظام الدكتاتوري الذي سلط الإرهاب والتعسف والحروب والمقابر الجماعية طيلة (35) عاماً على الشعب بل نقول أنها كانت مرحلة لها تداعياتها ونتائجها المأساوية ولا يمكن مقارنتها ومسواتها مع المرحلة الحالية التي اختلفت لكن نتائجها الملموسة تدل على مدى الابتعاد عن المصلحة الوطنية بتبني سياسة الاستحواذ والاستئثار التي تتميز بالتمايز الطائفي الحزبي الضيق بحجة حل مشاكل البلاد وهي قضية خاسرة حتماً، ولا نريد أن نكرر ما قيل حول الوضع الأمني والأوضاع الأخرى، لا يمكن أجراء مقارنة ساذجة مثلما يفعلها البعض من الساذجين أو من لهم هدف آخر حيث يسأل ـــ ايهما الأفضل النظام الدكتاتوري أم النظام الحالي؟ فنجيب لا يوجد أفضل بين إرهاب وإرهاب وبين قمع وقمع وبين التفرد والتلسط لكن من الممكن القول أن تلك المرحلة أصبحت مسوغاتها المأساوية معروفة، وهذه مرحلة لها حالة أخرى، ولهذا من الضروري أن تشخص كل حالة على انفراد لا تخضع للمقارنة التقليدية، دون الترحم على حالة أخرى لهدف مبيت.

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter