|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء 25/12/ 2012                               مصطفى محمد غريب                              كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

معاداة الثقافة والفنون والإعلام بذريعة الشريعة الإسلامية

مصطفى محمد غريب

من بين المقاييس التي تقاس بها حضارات البلدان والشعوب هي الثقافة بمفهومها العام والخاص باعتبارها أنماط من النشاط الجماهيري والاجتماعي المختلف التي تشمل الأفكار والأعراف والتقاليد والقيم، ولا نريد الاستطراد بالحديث عن الثقافة والفنون والتفسيرات النظرية العلمية فلقد أسهب فيه الكثير من المثقفين والفلاسفة لكننا نحاول أن نتتبع موجة العداء لما يسمى من قبل أكثرية أحزاب الإسلام السياسي من الطرفين بقذارة الفن وقذارة المثقفين غير الإسلاميين أو الإسلاميين غير المتزمتين والعلمانيين، هذا العداء العملي الذي أثبتته الفترة بعد ما يسمى الربيع العربي بعد استلام السلطة من قبلهم، ونحن لم يغب عن بالنا هذا المشهد بعدما انتصرت الثورة الإيرانية ثم استيلاء الملالي الإيرانيين بشكل مطلق على السلطة على أساس التفويض الإلهي بدعوى " ولاية الفقيه " ومواقف السلطة العدائية بشكل عام ليس من الثقافة والفنون التقدمية والحرة فحسب بل من أكثرية المثقفين والفنانين الإيرانيين الذين هربوا من إيران خوفاً من البطش والتعسف تحت طائلة الشريعة الإسلامية كما تقدر أعداد الهاربين واللاجئين بالملايين من مختلف فئات الشعب، هذا التوجه لم يكن بعيداً في السابق عن الرؤيا الصحيحة على الأقل نظرياً من أن أحزاب الإسلام السياسي وبعد استلام السلطة سوف تنقل مشروعها الباطني وتبديل خطابها أثناء وجودها في المعارضة نحو تعزيز توجهاتها لإنجاح مشروعها الثقافي الرجعي المرتبط بقيام الدولة الدينية الثيوقرطية إذا أمكنها ذلك، ولهذا وقبل أحداث ما يسمى بالربيع العربي فقد بدأت أحزاب الإسلام السياسي وبخاصة القسم الشيعي في العراق بعد السقوط والاحتلال وهيمنتهم على السلطة باتجاه تنفيذ المشروع ( هذا لا يعني أن القسم الآخر يرفض هذا المشروع ) .

في العراق تخصصت أحزاب الإسلام السياسي التي قامت بإنشاء ميليشيات مسلحة طائفية وبدأت عملياً بمحاربة دور الثقافة والفنون واتجهت لغلق دور السينما والمسارح والنوادي الثقافية بالتهديدات والاعتداءات والاغتيالات الموجهة بالضد من رموز الثقافة الوطنيين والديمقراطيين المعروفين، وبذلك حسمت هذا الموضوع بإعلان العداء لكل ما هو مخالف لرأيهم وتوجهاتهم الدينية الطائفية حتى فيما يخص بناء الدولة المدنية، وأعلن البعض من المسؤولين والبعض من علماء الدين منهم صراحة الموقف من الفكر والرأي الآخر بما في ذلك موقفهم من الكتب والروايات التي تصارع من اجل الديمقراطية وحقوق الإنسان وحول المجتمع والدولة المدنية، وهم يفرضون الشروط المتزمتة فيما يخص مفهوم الثقافة والفنون والتي لها طابع حضاري وإنساني ويعتبرونها أدوات ضلالية منافية للدين وليست مهمة ، فالرسم والنحت والمعالم التاريخية من آثار وفنون إنسانية محرمة والموسيقى والغناء محرمان والتمثيل محرم إلا إذا كان موجهاً بشكل ديني، والزينة محرمة والحجاب يفرض فرضاً وبقوة التجاوز والاعتداء بطرق غير دينية ولا أخلاقية على النساء غير المحجبات وفرض الحجاب حتى على الطالبات الصغيرات في الابتدائية، ومحاربة الحلاقين والصالونات النسائية ودور الأزياء كل ذلك بحجة الشريعة الإسلامية البريئة منهم، وبالتالي هم يريدون إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء ويغرقون المجتمع بالجهل والأمية والتخلف مثلما فعلت طلبان في أفغانستان، وهذا يعني في جوهره تدمير الثقافة بمفهومها الإنساني والحضاري واستبدالها بالثقافة الرجعية المتخلفة وإبطاء عمليات الوعي الاجتماعي، ومن هذا المنطلق يقفون ضد حقوق شغيلة اليد والفكر وحقوق الفئات والطبقات الكادحة وإلغاء الطابع القومي والديني لغير المسلمين الذي يشكل فسيفساء المجتمع وبفرض قوانينهم ومخططاتهم الدينية المخالفة أساساً للدين ومنها يقوضون التوجهات التي تحاول الاستمرار والتطور من خلال البنية الثقافية والفنية الإنسانيتين اللتين ترى في الإنسان صانع التاريخ .

اليوم تشهد البعض من البلدان العربية التي تخلصت من أنظمتها الاستبدادية وفي مقدمتها مصر إلى تحركات لإنتاج النظام الاستبدادي بأسلوب جديد يختلف عن الأساليب القديمة التي اعتمدت الانقلابات العسكرية أو الوراثية بسبب أن الجماهير الشعبية الواسعة ليست لها تجربة مع أحزاب الإسلام السياسي وهي في قمة السلطة، وأنها وتحت تأثير التوجهات الدينية من قبل هذه الأحزاب التي كانت تهدف لاستلام السلطة حاولت بث روح التفاؤل بما ستقدمه من حلول حول الأوضاع المعيشية والسكنية والصحية السيئة والقضاء على البطالة وتحسين الخدمات فضلاً عن الوعود بالجنة ونعيمها الخالد، وهي سياسة ميكافيلية كان الهدف منها تحنيط الوعي الاجتماعي لدى أكثرية الجماهير وقيادتها تحت تأثير الواعز الديني والشريعة الإسلامية وبمجرد انتهاء التصويت على رئاسة الجمهورية وفوز محمد مرسي المشكوك في فوزه كشر الأخوان وحزبهم حزب الحرية والعدالة وحزب النور عن أنيابهم في الإعلان الدستوري ثم صياغة مسودة الدستور من طيف واحد، ثم بدأ الهجوم على المثقفين والثقافة والفنون بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي مثال صارخ عن تصريحات ودعوات الإساءة للفنانات وفي مقدمتهم الفنانة الهام شاهين ما يسمى الدكتور الشيخ عبد الله بدر الذي تبين انه لا دكتور ولا هم يحزنون، والمطرود من الأزهر حسبما أشار محاميه بعد حبسه (10) عشرة سنوات، لقد كانت الإساءة الموجهة لهذه الفنانة ليس كما يتصور البعض شخصية بل لها أهداف سياسية ودينية بالضد من أكثرية الفنانين والفنانات وقد سبق وان حورب عادل إمام وقدم للمحاكمة بسبب مشاهد من فيلم عرض في زمن مبارك، وتجاوزات على فنانين ومسرحيين ومؤلفين، وبعد أن كسبت الفنانة الهام شاهين الدعوة وصدر حكم بحبس عبد الله بدر سنة وغرامة ( 20 ) ألف جنيه دعى هذا المدعي بالدرجة الأكاديمية إلى خروج مليونية الضد من " لا للقذارة باسم الفن " أمام نقابة الفنانين، فهب الفنانون المصريون للدعوة إلى مليونية بعنوان " ضد الكذابين والمتاجرين بالدين " وصرحت الهام شاهين "كيف يصدق الناس رجلاً ادعى أنه دكتور ومدرس بالأزهر، في حين أن الأزهر نفى هذا الأمر جملة وتفصيلاً، وأبلغها أنه لا ينتمي له لا من قريب ولا من بعيد، وكيف تقوم قناة تدعي أنها إسلامية، وتتحدث باسم الإسلام، بأن تصفه على شاشتها بأنه أستاذ علم تفسير القرآن بالأزهر؟ " كما قام أكثر من فنان وفنانة بالهجوم على هذا الداعية واعتبروا التوجه لقيام مليونية لمحاربة الفن والفنانين عبارة عن خطر يلحق بالوحدة المصرية وبالحريات العامة والديمقراطية، ولم يشهد تاريخ مصر الفني منذ بداية القرن العشرين أي هجوم معلن ودعوات باعتبار الثقافة والفن التنويريين عبارة عن قذارة باسم الفن إلا في عهد الأخوان المسلمين وحزبهم الذي مازال في شهوره الأولى، ولم يسلم حتى الإعلام من الهجوم من أجل أسلمته فقد شهدت مصر لأول مرة توجهات تهديدية إرهابية علنية من خلال الدعوة لحصار مدينة الإنتاج الإعلامي من قبل السلفيين بقيادة حازم صلاح أبو إسماعيل المرشح الرئاسي المستبعد وهم يحملون الرايات السوداء وحاولوا اقتحام المدينة لكن القوات التي كانت تحافظ عليها منعتهم، وطالبوا على حد قولهم وأهدافهم السلفية السياسية محمد مرسي بالهتافات " طهر طهر يا رئيس ــ من الإعلاميين الكذابين " لكي يبقى الإعلام خاضعاً وموجهاً وخالياً من أي معرضة او اختلاف بالرأي.. فكيف إذا استمر حكمهم سنين ؟ والجواب واضح هم باتجاه اسلمة المجتمع المصري بالقوة والإرهاب والسعي لحجب الحريات وتحييد المكونات الدينية الأخرى لبناء الدولة الدينية الدكتاتورية الثيوقراطية ( من اليونانية الأولى ( ثيو ) تعني إله والثانية ( قراط ) وتعني الحكم ) على طراز جديد يختلف عما عليه في أوربا أبان حكم الكنيسة، وهذا الاختلاف يكمن في مشاركة غير رجال الدين في البعض من المسؤوليات إلا إن التوجهات لا تختلف بحكم الشريعة، ولدينا مثال حي على ذلك حكم " ولاية الفقيه " في إيران أو الذين يقلدونها حيث تجتمع السلطة بيد مجلس مصلحة النظام ورجال الدين والمرجعية الدينية والمرشد الأعلى وتعيين رئيس الجمهورية والوزراء والمسؤولين وفق مفهوم التفويض الإلهي وتحقيق أرادتهم ورضاءهم في هذا الاتجاه، وقد لا تسمح الظروف مثلما سمحت في إيران قيام مثل هذا النمط من الحكم الغريب في مصر أو أي حكم فدولة أخرى مثل تونس لكن هذا لا ينفي وجود سياسة الاستحواذ العنفي التي تحاول بسط هيمنة أحزاب الإسلام السياسي، وفرض مفاهيم الإحكام الدينية وكأنها تفويض إلهي كي تذعن الجماهير الكادحة وعدم المخالفة أو الاعتراض على إحكام الله والشريعة .

هل تستطيع أحزاب الإسلام السياسي بشقيها بعدما يسمى بالربيع العربي النجاح في قيام الدولة الدينية على غرار التجربة الإيرانية أو السودانية وغيرهما؟ سؤال فيه احتمالات عديدة لأن التجربة في العراق وفي تونس والصراع الحالي في مصر يدل على انه من الصعب التأكد من ذلك، لأن الجماهير بدأت تعي مفهوم الدول المدنية والحقوق المدنية وبخاصة شغيلة اليد والفكر والطبقات والفئات الكادحة التي ترى في الحريات العامة والديمقراطية ونظام الحكم المدني الديمقراطي خير علاج لأمراضها المزمنة نتيجة الحكومات الاستبدادية غير الديمقراطية وهذا صحيح جداً، وما أثبتته التجربة في السودان بعد الانقلاب العسكري على الحكومة المنتخبة وإعلان عمر البشير الدولة الإسلامية كيف آلت الظروف من السيئ إلى الأسوأ حتى وصولاً بانفصال الجنوب، وفي العراق مثلاً آخراً أن هذه الأحزاب ومنذ أكثر من ( 8 ) سنوات لم تستطع التخلص على الأقل من ارث الماضي ومازالت تحكم بأكثرية قوانينه وعلى الرغم من المليارات الأسطورية من الدولارات فان أكثرية الشعب مازالت تعاني من الفقر والتهميش والبطالة وسوء الخدمات وعدم وجود وضع أمني مستقر فضلاً عما يراه من صراعات طائفية وفئوية على كراسي السلطة بدون اعتبار لمصالح المواطنين ومصالح البلاد.
 


 

 

 

 



 

 
 
 
 
 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter