|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة 19/4/ 2013                               مصطفى محمد غريب                              كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 


المثقفون وهاجس التدجين السياسي

مصطفى محمد غريب

" عندما اسمع بكلمة مثقف أتحسس مسدسي "

ماذا كان يعني غوبلز وزير اعلام الدكتاتور النازي هتلر من وراء مقولته الانفة الذكر؟ هل كان يعني اي مثقف مهما كانت آرائه وأفكاره ومعتقداته؟ أم مثقف يختلف معه فيراه أخطر من أن يُبقي على حياته؟ مثقف يرى الحقيقة ولا يحيد عنها فيربط قضيته الخاصة مع قضية الناس وبالاخص سوادهم؟ مثقف لا يخضع للسياسي كآلة تتحرك وفق مقاييس سياسة خاصة وحزبية وطائفية! مثقف يرى في العنصرية والفاشية والدكتاتورية اعداء للقيم الانسانية ومبادئ حقوق الانسان.

لا يمكن فصل مقولة غوبلز النازي باعتبارها تهديداً عملياً ومباشراً ضد من يختلف معه فكرياً ومع نظامه وأيديولوجيته، ولهذا مارس بدون اي رادع لعبة المسدس " التهديد " بمعناه الواسع بجانب ممارسة العنف والحرب والاضطهاد والسجن والتعذيب والقتل وافران الحرق، ليس ضد من يعتقد أنهم ضد النظام النازي الشمولي من الانتلجنسيا فحسب وإنما ضد من يعارضون سياسته الارهابية.

هل انتهى التهديد المباشر وغير المباشر؟ هذا العنف والتدجين ضد المثقف الحر! وهنا نحن نبتعد عن مقولة غوبلز حوالي اكثر من ( 70 ) عاماً.. أم الحال مازال على وضعه ولو اختلفت الطرق والاساليب، واختلفت اللغة والتطبيق وإن بقى البعض منها ساري المفعول لكن يعتمدعلى جوهر المقولة المذكورة، فلا يتحسس مسدسه فقط لمجرد أن يسمع او يرى مثقفاً حراً وتنويرياً يختلف معه فكريا،ً بل يباشر باطلاق كاتم الصوت عليه حتى بدون انذاره مثلما هو الحال في العراق اليوم ، يشاهد مثقفاً يرى العالم بمنظار غير منظار الجريمة المنفلته من الارهاب والفكر الظلامي والمليشيات الطائفية التي تمارس ضد الملايين من البشر، منظار الاختيار الحر الديمقراطي لطريق الممارسة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الاختيار الذي لا يشهر المقولات الدينية الطائفية ولا يشهر الرشاشات والمدافع والمدرعات والطيارات وكواتم الصوت لأن الآخر اختلف معه في الفكر والايديولوجيا والاعتقاد.

عندما السؤال ـــ لماذا المسدس المتنوع الأصوات؟ ولماذا الاضطهاد الفكري والسجون والمعتقلات وأدوات التعذيب بقديمها وتحديثاتها التكنلوجبة؟ إذا كان الآخر لا يملك سوى فكره ولسانه! ولماذا هذا الخوف لحد الرعب من الفكر الحر الديمقراطي؟ ومن اصحابه العزل من اي سلاح سوى سلاح اللسان للنقاش والحوار واستخدام العقل والاحتكام الى الحياة، الحاكم العادل على اي خلاف في الرأي، أين مكان المثقف الحر في دولة التطرف الديني الطائفي التي تحكمها احزاب الاسلام السياسي المتطرفة؟ ما هي اختيارته الفعلية في تحقيق نصوص ابداعية تخرج عن إطار الفكر المفروض بقوة العنف والتهديد واطار القوة والعنجهية؟ الجميع يخضع للواحد الذي فوق الجميع.. إذا كان فرداً أو حزباً أو فئة محددة من القوم، الواحد الذي يرى المحيط كله ليس إلا انتاجاً لعبقريته ونشاطه ووعيه، فهو المقرر والمُنزه ذو الاسماء الحسنى الذي يستطيع إدراك الماضي والحاضر والمستقبل دون غيره

ان المثقف الحر لا يمكن أن يكون بعيداً عن الناس لانهم الرافد الحقيقي لابداعه، يعبر عنهم باساليب عديدة على الرغم من وجود حصار بشع متعدد الالوان والاتجاهات، ولهذا تقع على عاتقه مسؤوليات كثيرة، منها عملية تطوير مسالة الادراك وكشف البعض من الاسرارالتي تدور حولهم وهو سبباً لتطوير الوعي وزيادة المعارف والتخلص من الكليشهات الروتينية التي امتزجت مع حياتهم فاصبحوا يعتقدون بخلودها وابجدياتها وكأنها مسلمات لا يمكن المساس بها، كأنها من الأسرار العديدة التي تزيد من بعثرتهم وتجزئتهم أكثر فأكثر فلا يمكن نقلهم حتى الى التفكير بعالم موحد بإنسانيته تقريباً يستقطب في كل لحظة إلى جانبه الملايين الذين يحدوهم الأمل في الأمان والمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية والتخلص من الاستغلال والهيمنة والارهاب بأنواعه.

كيف اذا نسخ المثقف نسخاً ميكانيكياً بواسطة المسدس الكاتم وغير الكاتم والغرف المعتمة وآلات التعذيب الفكري والجسدي حيث يصبح كالآلة تنتج حسب مصالح ما لكها ومُسيرها، آلة لانتاج البضائع حسب الفكرة والهدف وان كان بالضد من مصالح المواطنين، ماكنة لا تتعذب ولا تتألم ولا تحزن ولا تبكي ولا تفرح فهي بدون مشاعر إلا اللهم مشاعر الكسب والربح والحركة الميكانيكية المتطبعة حسب نوع الطاقة المحركة لها، ماكنة تنتج دون التمييز ما بين الانسان المقهور المحكوم بالقهر والارهاب وبين من يفرخ الارهاب والقمع والاستغلال في كل لحظة، الآخر الذي يتحسس مسدسه واذا اقتضى الامر أن يدفع لشراء الذمم وما يراه مناسباً عندما يسمع بكلمة مثقف حر، الآخر الذي لا يسعه إلا وان يطلق مسدسه لمجرد اللمس وهو في قمة الفرح السادي في تغيب مثقف لا يتفق معه ولا يطيع مسلماته الفكرية الظلامية، والعودة للتاريخ فالحركة الفعلية في التحسس هي ما زالت نفسها وان تغيرت الاساليب بالانتقال من المباشرة والعلن الى السرية والتغطية والتمويه او التكفير والاتهام بالزندقة والالحاد، لهذا يعيش المثقف الحر هاجس التدجين في ظروف حكم احزاب الاسلام السياسي التي تريد تطبيق الشريعة واقامة الدولة الدينية، دولة الخلافة او ولاية الفقيه ، او في ظل الدول الشمولية والدكتاتورية، لا بل حتى الدول التي تدعي الديمقراطية بما فيها الدول الراسمالية تحت هاجس الطلقة او القرار القادم الذي سيفجر دماغه اما باسكاته الى الابد او تحويله الى مجرى القبول والخضوع، طلقة كاتم الصوت او الرشاش او التهديد والحصار والارهاب الذي يتلون حسب الظرف والمكان والزمان بلون الديمقراطية والحريات الشكلية المنتجة من ماكنة تنتج حسب الطلب والحاجة، كما يعيش المثقف الحر هاجس الخوف والرعب القادم من آليات الانظمة والاحزاب والجماعات التي تعادى الحرية الفكرية.. أما المثقف الذي اصبح كرجل المخابرات واخذ اضافة الى تشويهه الوقائع وخداع وعي الجماهير دور المُعذب النفسي للمعارضين، فهو على الرغم من كل هذا سيكون مصيره كما هو مصير المثقف الذي آمن بمقولة غوبلز ذو السمعة الفاشية النازية السيئة، هو يتحسس مسدسه لمجرد سماع كلمة مثقف يختلف معه ومعارض حر لا يتمثل بادوار الطاعة والخنوع، انما ديدنه الحقيقة والنص الابداعي الذي يقارع الارهاب والظلام وينتمي للانسان..

في العراق وفي بعض الدول العربية التي مرت ( بالربيع العربي!!) نجد ان البعض من المسؤولين السياسين الكبار الجدد وبخاصة ممن جاءوا بواسطة احزاب الاسلام السياسي ومن كلا الطرفين يرون في المثقف الحرالديمقراطي عدواً لدوداً غير مطيع، فبدءوا يطبقون منهجاً في التعامل معه ومع المؤسسات الثقافية والاجتماعية ويقحمون المؤسسة الامنية من شرطة وجيش باتجاه ارهابهم والهيمنة على مؤسساتهم ونواديهم واتحاداتهم الثقافية والاجتماعية، وهم يقحمون مقولات دينية  باسم الاسلام والشريعة، واخذوا يخططون لا بل في العديد من المواقع راحوا يشوهون الحقائق ولا سيما في مجال التربية والتعليم وحرية الاعلام  ودور الثقافة والفن لا بل تطاول البعض منهم لتغيير المناهج الدراسية ودفعها باتجاه الطائفية والمذهبية بدلاً من الوطنية،  وهذه العملية يراد منها ليس تدجين المثقف والثقافة فقط بل تدجين المواطنين، وعلى ما يبدو ان هؤلاء لم يتعضوا من التاريخ والحياة: بأن المسدس والارهاب صنوان كثيراً ما لاحقهم الفشل ولاحقتهم الهزيمة، فكل شيء يتغير ويتحرك، والتغيير الحقيقي نحو الافضل لابد منه وان يتأخر نسبياً بفعل القدرة العقلية الواعية والنيرة وبقدرة الناس وهم يتطلعون لعالم آمن وسعيد، وليتذكرمن يريد معرفة ماذا كان يعني الشاعر الالماني المعروف برتولد برشت..

" ما دمت على قيد الحياة لا تقل أبداً أبداً

ان ما هو أكيد ليس بأكيد

فالأشياء لن تبقى " قبل " عند أفول النهار.

والاشياء لن تبقى كما هي ولا يمكن ان يستمر الشر لأنه يتنافى مع الخير، مع كل ما هو جميل ومبدع في الطبيعة وفي الحياة الإنسانية، ولهذا فلن يكون التدجين شاملاً بل أنه سيكون حتفاً لكل من يريد اعاقة التطور او الوقوف امام العجلة، التدجين عبارة عن همجية لا تختلف عن اية ايديولوجية تميز بين الناس وتعتبرهم غير متساويين في الحقوق او كبشر.  

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter