|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  18 / 12 / 2015                          مصطفى محمد غريب                              كتابات أخرى للكاتب على مو

 
 
 



 هل استطاعت الولايات المتحدة جر أقدام روسيا للحرب السورية؟

مصطفى محمد غريب
(موقع الناس)

لا يمكن أن يخطر على البال ما آلت إليه الظروف المأساوية التي تمرُ على الشعب السوري في سنوات الحرب الداخلية الأخيرة، حيث بدأت من خلال المظاهرات السلمية وتطورت بعد استعمال العنف غير المبرر بالضد منها، ولو استعمل العقل السياسي المتوازن لحل قضية المطالب البسيطة للمتظاهرين وباعتقادنا لما آلت إليه الأوضاع إلى هذه الدرجة المخيفة، دمار شامل للأبنية والبنى التحتية، ضحايا بمئات الالاف، ملايين من المهجرين والمهاجرين والهاربين من جحيم الاقتتال وغارات الطائرات الحربية لجميع دول العالم، احتلال مناطق واسعة من قبل داعش الإرهاب وجبهة النصرة القاعدة وغيرهما ، أوضاع اقتصادية ومعيشية مزرية، بطالة وفقر متقع شامل، تدني قيمة الليرة السورية حتى فقدت قيمتها، ، انتشار العديد من مخيمات النازحين البائسة في دول الجوار التي تضم مئات الالاف من العائلات والأطفال والنساء والشيوخ التي لا يتوفر فيها ابسط المعالم الإنسانية ، وتدخل خارجي من قبل إيران وحزب الله وروسيا أخيراً.

إن دخول روسيا في الحرب السورية عبارة عن حدث خارج عن المألوف في ظروف روسيا السياسية والاقتصادية ومشاكلها الداخلية في الشيشان أو حروبها في جورجيا ثم أوكرانيا تلك الحروب التي كلفت الروس الكثير من التبعات والتداعيات إضافة للموقف الحذر وأحيانا ألعدائي من أكثرية دول البلقان والعديد من دول أوربا الشرقية وحصارها بطوق من التحالفات العسكرية وبخاصة حلف الناتو، والوحدة الأوربية، روسيا طوال سنين الأزمة السورية لم تتدخل بشكل مباشر عسكرياً في سوريا لكنها كانت طرفاً مهماً في مساندة بشار الأسد والحكومة السورية وقدمت دعماً مادياً من خلال السلاح ودعماً معنوياً في مختلف الجوانب وبخاصة في مجلس الأمن، إلا أن ذلك لم يبق محصوراً في تقديم السلاح والدعم السياسي بل تجاوزه إلى المشاركة الفعلية في الحرب إلى جانب بشار الأسد بينما كانت روسيا في البداية تطالب الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو بعدم دعم المعارضة السورية على الأرض وتمانع في اتخاذ خطوات عملية عسكرية ضد حكومة بشار الأسد وهنا اختلف المنطق في مسالة التدخل العسكري، وقد يظن البعض أن روسيا بتدخلها العسكري سوف تعيد الأمور إلى نصابها أو تستطيع القضاء على داعش والمنظمات الإرهابية وعلى ما نرى انه حلم لن يتحقق لان الأرض هي غير السماء على الرغم من الفوائد العسكرية الجمة التي يحققها الطيران الحربي، لكن ذلك يحمل وجهاً آخر للتدمير والخراب وآلاف الضحايا من المدنين الأبرياء بالمغزى الواضح قصف الجميع تقريباً بدون استثناء، وهنا الطامة الكبرى لان المدنيين العزل هم كبش الفداء على الأرض أو من السماء. الولايات المتحدة الأمريكية وعلى لسان رئيسها باراك اوباما والعديد من المسؤولين والقادة العسكريين كرروا منذ البداية عدم المشاركة في حرب سوريا الداخلية مع انحيازهم بشكل كامل للتخلص من النظام السوري ورفض رئاسة بشار الأسد لكنها استغلت الحرب ضد داعش في العراق لتبعث بعض طلعات طيرانها الحربي كما قالت ضد داعش وهي تكرر هذا القول يومياً " لا نتدخل بجيش على الأرض لكننا نقوم بمساندة المعارضة وتدريب البعض منهم " كيف يمكن فهم ذلك؟ وكيف يصدق هذا القول والكل يعرف مواقف الولايات المتحدة من بشار الأسد؟

حسب الفهم السائد إن التدخل الروسي في الحرب بشكل مباشر حقق جزء من مخطط الولايات المتحدة الأمريكية الهادف إلى جر أقدام روسيا للمستنقع السوري الذي يكلف الاقتصاد الروسي أكثر من طاقته وهي مسالة معروفة لان الحروب استنزاف ليس للأموال فحسب بل لجوانب مهمة في حياة المجتمع ، والمجتمعات التي عاشت الحروب دفعت الثمن باهظاً حتى استطاعت أن تقف على أقدامها مرة أخرى وخير مثال بلدان أوربا وروسيا نفسها بعد الحرب العالمية الثانية.

الولايات المتحدة التي اعترضت على تدخل روسيا العسكري المباشر كان اعتراضاً صورياً هدفه دفعها للمشاركة الفعلية التامة، ومن هذا المنطلق فقد رفعت عن كاهلها الضغوط التي كانت تطالبها بالتدخل على الأرض السورية لإسقاط بشار الأسد وهذا الأمر أصبح في أروقة النظام الروسي وبدأ يتحرك باتجاه " سوريا القادمة بلا بشار الأسد" ولكن بطرق مختلفة عن الطرق الأخرى فهي من جهة

1 ـــ قامت بكسب التأييد على تدخلها العسكري المباشر من قبل الرئيس السوري بشار الأسد أي كسب ثقته ومن معه حول تحركها السياسي بما فيها الاتفاقات مع الولايات المتحدة والبعض من دول حلف الناتو على " الحل السياسي " وهذا يعني جمع المعارضة وحكومة بشار الأسد إلى طاولة المفاوضات على الرغم من تأكيد بشار الأسد أن هناك قوى إرهابية في وفد المعارضة ، أما الوجه الآخر ..

2 ـــ فإنها إي روسيا بدأت تدرك قوة المنظمات الإرهابية داعش وجبهة النصرة " القاعدة" وان الحل العسكري لوحده على الرغم من أهميته لن يجدي نفعاً ولن يحقق الهدف.. وبهذا أخذت روسيا تتحرك باتجاه أما ..

1 ـــ إقناع بشار الأسد بالتخلي بشكل تدريجي أو بطرق قد لا تكون على البال ولا على الخاطر، وبهذا ..

2 ـــ استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تقود العملية بشكل غير مباشر وأن تسحب البساط من تحت أقدام روسيا الرافضة في السابق لأي حل بدون بشار الأسد والداعمة له بالسلاح، هذا الموقف الجديد عززه إسقاط الطائرة الحربية سوخوي من قبل الطائرات الحربية التركية وفضح البعض من الأمور التي حاولت روسيا سابقاً إبقائها بعيداً عن الأضواء، وأخذت تدرك أيضاً وبخاصة بعد الغارات الحربية الكثيرة أنها لن تهزم داعش أو أي منظمة إرهابية أخرى حيث أشار الكثير من الخبراء العسكريين بان الغارات استهدفت المدنيين السوريين والبعض من فصائل المقاومة غير الإرهابية وأشار وزير الخارجية التركية مولود جاوش أوغلو " أن 8% فقط من الغارات الجوية التي شنتها سوريا استهدفت داعش، في حين تركزت الـ92% الأخرى على جماعات معارضة للأسد".

اليوم ونحن نتتبع العديد من اللقاءات التي تمت بين وزير الخارجية الأمريكية كيري وبين العديد من المسؤولين الأتراك من بينهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أو وفوداً من الدول الغربية ولقاءاتهم مع مسؤولين روس وخلال اللقاءات طرحت العديد من الأفكار والتوافقات الأولية حول الحل السياسي بدون بشار الأسد إلا أن التفاصيل بقت طي الكتمان، في 15/12/2015 وصل وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إلى موسكو على أمل اللقاء بوزير الخارجية الروسية وبحث مشروع الاجتماع للمجموعة الدولية حول سوريا الذي سيعقد يوم الجمعة 17/12 / 2015 في نيويورك ولقد جرى التأكيد من قبل وزارة الخارجية الروسية بان وزيري الخارجية اتفقا " هاتفياً " على شروط مسبقة لعقد الاجتماع بنيويورك وقد تكون المباحثات لتبديد الاختلافات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية" بشأن دور الرئيس السوري بشار الأسد في أي انتقال سياسي " وهكذا أصبحت روسيا في خضم الصراع العسكري السياسي في سوريا وهذا ما كانت تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في حلف الناتو لان تحرك روسيا السابق وعدم معرفة مخططاتها وأهدافها البعيدة كانت محط اهتمام الإدارة الأمريكية، أما الآن وقد ظهرت الحقيقة على المكشوف وأتضح دور روسيا وسعيها للحفاظ على مصالحها في سوريا والمنطقة وهو أمر لن يقلق الإدارة الأمريكية بل العكس يريحها لتقريب وجهات النظر حول الحفاظ على المصالح المشتركة والمصالح المنفردة برحيل بشار الأسد وتحقيق الحل السياسي بقيام حكومة سورية متوازنة تخلو من المنظمات الإرهابية ولا سيما داعش وجبهة النصرة بدون انفراط الجيش السوري وبخاصة الاستفادة من تجربة العراق وحل الجيش العراقي بطريقة عشوائية، بل السعي لتقوية الجيش السوري وضم الجيش الحر إليه ثم التوجه لتخليص سوريا من الإرهاب والمنظمات الإرهابية وإعادة بناء ما خربته الحرب وفي مقدمتها إعادة ملايين السوريين إلى مناطقهم وتحقيق الأمن والاستقرار لهم، لكن ذلك يبقى على أمل نجاح الأطراف المتصارعة والاتفاق بينها ووضع برنامج عملي وواقعي، كما يبقى أمل يراود ملايين السوريين وغير السوريين ومن يعرف قد " تجري الرياح بما لا تشتهي السفن" ويستمر نزيف الدم في سوريا كما هو حاصل في العراق الذي تتصارع على قيادته القوى المتنفذة التي تهمل مصلحته في الوحدة والتصالح والتخلص من عقلية الهيمنة وإلغاء الآخر.



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter