|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت 16/3/ 2013                               مصطفى محمد غريب                              كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 


مكونات الفتنة الطائفية

مصطفى محمد غريب

الفتنة الطائفية التي تطل مجدداً برؤوسها على البلاد أخذت بالتوسع ورغم محاولات رئيس الوزراء نوري المالكي أو غيره من الذين شاركوه في الحكومة وتحالفوا معه إنكارها أو عدم تخويف المواطنين بها فقد أصبحت حقيقة ملموسة بسبب السياسة الخاطئة التي تعتمد على النفس الطائفي المرئي وغير المرئي، وتجلت أكثر فأكثر بما حملته بعض الشعارات التي رفعت سابقاً من قبل أعضاء في حزبه وائتلافه وحكومته أو أثناء المظاهرات في أكثرية المحافظات الغربية أو في التصريحات التي يطلقها البعض من المسؤولين في ائتلاف دولة القانون وكذلك الميليشيات والأحزاب المسلحة التي أخذت تهدد بإشعالها وتصدر البيانات التهديدية لتهجير من تهدف إلى تهجيرهم من مناطقهم ومنازلهم، لم أكن ارغب أن اكتب عن الفتنة التي بدأت توضح خطوطها منذ أن ارتفع الحديث الطائفي عن حقوق الأكثرية وواجبات الأقلية التي يجب أن تطيع حتى النخاع وكأن الأغلبية التي باتت تحكم كانت أقلية في زمن ما ولم تكن لها لا رؤساء وزراء ولا وزراء ولا قيادة أو قادة عسكريين ولا مسؤولين كبار وحزبين معروفين ولا ولا ولا، ولهذا فالذين جاءوا بالقول أنهم يمثلوها ويقررون بدلاً عنها ونعترف أنهم ليسو كذلك فهم يمثلون نهجهم الحزبي الطائفي الضيق ويريدون أي يحيوا تراث ثقافة الهيمنة والتفرقة والشقاق تحت طائلة ادعاءات وشعارات أتباع أهل البيت وأعداء أهل البيت ليختزلوا الوحدة الوطنية التاريخية الممتدة لمئات السنين والمتداخلة عائلياً وعشائرياً وقومياً وباتوا يتعكزون على من يريدون صب الزيت على النار ودفعها للاشتعال دون التوقف حتى أنهم أخيراً استطاعوا بعض الشيء أن يزرعوا في الفتنة فتنة أخرى لا تقل خطورة ولا اتساع عن الأولى التي كانت تقريباً في المهد والمراد بها أن تكون هي المقياس والأساس في العلاقات، وفيما النار تستعر وتتحرك نحو التصعيد انبرى رئيس الوزراء نور المالكي في تصريحه الأخير بالقول أن " الحرب الطائفية على الأبواب ولن يسلم منها أحداً " هذا التصريح هو بمناسبة احتفالية يوم المراة العالمي في 8 آذار 2013 وهو لم يكتف بهذا القدر من التصريح بل زاده في تحذير غير مسبق يحمل تهديداً ولكن بلغة النصح فهو الناصح بما معناه أن يعود المتظاهرون والسياسيون إلى رشدهم " ويحذروا من التهاون مع الأزمة الحالية التي تشهدها البلاد " وكأنه ليس برئيس للوزراء ولا القائد للقوات المسلحة والمسؤول الأول في الدولة والحكومة العراقية، وليس له قابلية إيجاد الحل الصحيح للمشاكل التي تجابه البلاد، بينما التهديد والوعيد على لسانه ولسان صحبه الذين ينظرون بمنظار ضيق ويعتبرون تلبية المطالب المشروعة للجماهير تنازلا سياسياً طائفياً بدون الشعور بالمخاطر التي لن يسلم منها لا هو ولا ائتلافه ولا الشعب العراقي وبالعكس فإن تلبية هذه المطالب سوف يخفف من غلواء المشاعر العدائية ودفع عجلة العملية السياسية إلى الأمام.

لقد اقر الكثير من المتابعين للأوضاع السياسية في العراق أن تصريحات نوري المالكي بدلاً من تخفيف اللهجة الطائفية زادتها سعيراً، وهذا ما جاء من اتهام صريح على لسان جواد الحسناوي من كتلة الأحرار الحليف لائتلاف دولة القانون ونوري المالكي بالقول " أن المشكلة في البلد هي نوري المالكي وبقيادته للدولة وليس الشعب .. وان اللعب على وتر الطائفية يعتبره بعض القادة السياسيين ديمومة بقائهم في السلطة وهذا ما جعل البلاد بهكذا حدة من الأزمات" ليس هذا الاتهام هو الوحيد بل أن هناك الكثير من الاتهامات والتصريحات الأخرى بخصوص الهيمنة والاستئثار واستخدام الأساليب غير الشرعية فضلاً عن التوجه الطائفي وهي حقيقة نابعة من النهج الذي يقود البلاد إلى الخراب والدمار وتدمير الوحدة الوطنية، إلا أن ما يحير في الموضوع أن رئيس الوزراء نوري المالكي وصحبه يستخدمون الأساليب والاتهامات نفسها بالضد ممن يختلفون معهم ويتهمونهم أما بالإرهاب ووفق المادة ( 4 ) أو التحذير من الطائفية مثلما اشرنا لها في تصريحات نوري المالكي الأخيرة فاختلط الحابل بالنابل على الكثير من المواطنين المرعوبين من سياسة عودة الاحتقان الطائفي والقتل على الهوية ما بينه وبين معارضيه، فمن جهة نجد حراك القوى الإرهابية باتجاه دفع الفتنة وزيادة التفجيرات والاغتيالات من كلا الطرفين لتشمل كل مكونات شعبنا وفي المقابل فان التهديدات والممارسات التي تقوم بها المليشيات والأحزاب الطائفية المسلحة لا تقل خطورة عن نهج القوى الإرهابية والتكفيرية، بينما تتبارى التصريحات والاتهامات من قبل ائتلاف دولة القانون وبشخص رئيس الوزراء مع الكتل الأخرى وفي مقدمتها العراقية والتحالف الكردستاني أو التيار الصدري وقد جرى تحميل ائتلاف دولة القانون مسؤولية الأزمات السياسية بما فيها الأزمة الأخيرة مع القوى الأخرى وعدم الالتزام بالاتفاقيات المبرمة وقد تكون تداعيات هذه التوجهات الطائفية والنهج الاستئثاري التسلطي إعلان انسحاب العراقية والتحالف الكردستاني من العملية السياسية وهو توجه خطر مهما حاول ائتلاف دولة القانون ونوري المالكي تبسيطه حسب تصنيف الأكثرية والأقلية في مجلس النواب وتمرير القوانين تحت هذه الصيغة البائسة التي كان من المفروض الاتفاق عليها بدلاً من الاتفاق على المحاصصة الطائفية والحزبية.

إن النفس الطائفي ليس كما يصوره البعض بأنه طارئ على العملية السياسية بل أصبح طرفاً رئيسياً منذ الاحتلال وممارساته التي شجعته وكونت عناصره في رسم منهج خاص لم يكن سابقاً وهو يتحرك في جميع الظروف تحت مسميات عديدة ليتغلغل إلى ابعد حد في المجتمع العراقي حتى يكون إلزامياً يؤدى إلى التقسيم على المستوى الشعبي وليس فقط على المستوى الحكومي أو إدارة الدولة وهنا يكمن منبع الخطر، وعلى ما يظهر أن القوى المتربصة التي تسعى لزيادة الانشقاق بواسطة الطائفية تراهن على ذلك بعدما فشلت في مجالات ثانية، وقد تداهمنا الحوادث والمواقف حيث لا يمكن اللاحق بها وعندما يشج الرأس فعند ذلك يصعب إيجاد العلاج لهذه المرض الخبيث، لابد إن يعي المواطنين من مختلف المكونات ما ينتظرهم من مستقبل أكثر دموية وأكثر خراباً وأكثر انشقاقاً وقد تصل الأمور إلى ليس تقسيم المحافظات فحسب بل إلى تقسيم المناطق وإحياء السكن وحتى إلى حرب أهلية طاحنة تحرق الأخضر واليابس، والكارثة الكبرى أن من يقود العملية السياسية مستمر في غيه وعناده وأنانية مصالحه الفئوية والحزبية ، علي المواطنين العراقيين الشرفاء الذين تعز عليهم قضية العراق ووحدته أن يقفوا بالضد ممن يسعى إلى هذا الهدف الشرير والذي يتربص بهم على الرغم من حججه بأنه يمثلهم، على المواطنين أن يقولوا كلمتهم بالرفض لهذا المخطط والوقوف في جبهة واحدة لتحقيق المطالب المشروعة وهذا يعني الوقوف بالضد من القوى الإرهابية والتكفيرية والمليشيات الطائفية المسلحة وبالضد من النفس الطائفي الذي يروجه البعض من المسؤولين بحجة الدفاع عن الوطنية ووحدة الشعب.

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter