|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  12 / 3 / 2015                          مصطفى محمد غريب                              كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



هذا هو الرئيس.. هذه هي سمة التواضع سمة الأخلاق!

مصطفى محمد غريب

التواضع في المسؤولية السياسية دليل على عمق الوعي الاجتماعي عند المسؤول الذي يقود أو يساهم في القيادة وهذه الصفة نادرة تقريباً عند أكثرية الحكام والمسؤولين في البلدان العربية ، البعض من هؤلاء يتصورانهم باقون في أعلى السلطة أو مراكز المسؤولية الحكومية إلى الأبد لا بل البعض منهم وبخاصة من رؤساء الجمهورية بعدما " تهرأت " الكراسي من تحت أعجازهم اخذوا يخططون بجعل الرئاسة وراثية لأولادهم وعائلاتهم ولدينا أمثلة حيّة ملموسة في الوقت الراهن نستطيع أن نسوقها ، وقد تفننوا في إيجاد التبريرات والحجج والمؤامرات إلى جانب استخدام القوة البوليسية والإرهاب والاضطهاد وبمنح الرتب العسكرية والسياسية العالية لأولادهم وأخوتهم والأقرباء منهم، وعلى حد علمنا لم يجرأ حتى الملوك على سلوكها بهذا الشكل المقزز والمضحك معاً، هؤلاء بنوا لهم جمهورية مالية وعسكرية وأمنية داخل الجمهورية نفسها لكنها في الحقيقة مَلكية أكثر من الملكية، وبدلاً من أن يتذكروا ماضيهم وانحدارهم الطبقي والاجتماعي مما يجعلهم أكثر تواضعاً وتضحية بالذات فقد انقلبوا إلى حكام أو مسؤولين مستبدين فوق الشعب ورسموا نهجاً مختلفاً عن المناهج التي تقول أن المسؤول يجب أن يكون خادماً للشعب، وبدلاً من هذا الفهم الواقعي فقد وضعوا أنفسهم في أبراج عالية ينظرون للمواطنين وكأنهم أدنى منزلة وعلى المواطنين واجب واحد بدون أية حقوق " الطاعة " لا بل الطاعة المطلقة، هؤلاء الحكام أو المسؤولين تناسوا أن الشعب هو مصدر التشريع ومصدر القوانين ومصدر السلطات الثلاث لكن التكبر ركب رؤوسهم الفارغة إلا من الدهاء والتسلط والقتل فجعلهم ينسون قول الأمام علي بن أبي طالب " من تكبر على الناس ذل " وهو قول مسؤول فيه الحكمة والتبصرْ، فالتكبر على الناس فيه إذلال للمتكبرين لان مكانتهم الحقيقية تظهر لا لبس فيها بفن المراوغة والرياء لا بل أن ريائهم يكشف ادعاءاتهم وكذبهم أمام الناس ويجعلهم يتعرون أمام الحقيقة عندما تحين الساعة مثلما حانت على البعض من الدكتاتوريين والحكام الطغاة وكيف عاقبهم الناس بالاحتقار والازدراء فضلاً عن عقاب القانون، ولقد قال الفيلسوف البريطاني المشهور جورج برناردشو وأحسن القول " يمكن للإنسان أن يصعد أعلى القمم، لكن لا يمكنه البقاء فيها طويلا "

لقد حمل التاريخ الكثير من الأمثلة عن التواضع وقيمته الفعلية الأخلاقية وذكر لنا العديد من الحالات التي بانت قيمها في التضحية والإقدام والشجاعة والبسالة والصدق والدفاع عن الحق وحقوق الناس وقد أشير عن تواضعهم في البداية وسماتهم في المسامحة والعلاقة الصادقة، بينما مع شديد الأسف عَيَشنا البعض من حكامنا والمسؤولين على صور الكذب والتزييف في ماضيهم وحاضرهم والادعاء بالتعالي والتكبر وكأنهم مخلوقات هلامية جاءت من الفضاء الخارجي أو هم مُعَينين من قبل قوة إلهية وضعتهم في مكانة التقديس الديني، فهم الرعاة الذين يوزعون الفتات لرعياهم ولكن بكبرياء فارغة وعدم التواضع بتصورهم الغبي أنهم محصنون برجال غلاظ وعسكر مدجج بالسلاح يخافون حتى من الهواء وكأنه سم قاتل لكن لا يفقهون معنى إذا دقت الساعة وأزف الوقت وخرج الناس من بيتهم لمحاسبتهم، وهنا يبرز سؤال مهم..

- أين سمة التواضع الإنساني والشعور بالمسؤولية الأخلاقية تجاه المواطنين؟
الحقيقة الجواب صعب لأننا لم نلاحظ إلا القليل جداً من حكام ومسؤولين يحملون صفة التواضع الأخلاقي تجاه شعوبهم وعلاقاتهم حتى مع الذين يختلفون معهم في الرأي، ولهذا فنحن سنمر على مثال حقيقي جاءنا من أمريكا اللاتينية وبالذات من الاوروغواي هذا البلد الذي أصبح اسمه على السنة الملايين ليس في القارة الأمريكية فقط بل عدّاها إلى أكثرية بلدان العالم وشعوبها حيث راح الناس يتداولون اسم " الرئيس الأفقر في العالم "الذي غادر منصبه الرئاسي بكل تواضع مثلما كانت حياته الرئاسية أو الخاصة، ترك رئيس جمهورية الاوروغواي " خوسيه موخيكا " منصبه بكل تواضع وسلمها للرئيس الجديد " تاباريه فاسكيز ".. نعم رحل خوسيه موخيكا من الرئاسة بكل هدوء وراحة بال..

- بكل هدوء لأنه لم يفتعل الأزمات لبقائه في الرئاسة مثلما فعلها البعض عندنا بل تركها بشكل سهل لأنه مقتنع بالديمقراطية وصعوبة المسؤولية مع الكبر بالسن.

- ورحل براحة البال وهو يعرف قيمته عند شعبه ومحبتهم له لأنه قدم الشيء الكثير لهم بتوجهات تكاد أن تقترب من الاشتراكية فقال وهو يغادر الكرسي : " لن أرحل. سأرحل عندما ألفظ أنفاسي الأخيرة، سأكون معكم أينما كنتم... شكرا أيها الشعب العزيز".

ليس هذا فحسب فقد عاش خوسيه موخيكا حياة بسيطة متواضعة جداً لا يمكن أن تقارن بأحد من الحكام والمسؤولين في هذا الوقت، فهذا الرجل لا يملك سوى سيارة " فولكس فاكن قديمة ذات باب واحد " وكذلك منزل تقول عنه وسائل الإعلام بأنه منزل يشارف على الانهيار كما رفض خوسيه موخيكا التمتع بالقصور المخصصة لرئيس الجمهورية وكذلك السيارات الغالية الفارهة وقد كان رئيساً متقشفاً لا يحب البروتوكولات حتى انه كان متواضعاً في ثيابه كما أكد المقربون منه إضافة لوسائل الإعلام بأنه " لم يرتد ربطة عنق في حياته " والمعروف عنه سجن حوالي ( 15 ) بسبب مناهضته للنظام الدكتاتوري وبمجرد أن أصبح رئيساً للجمهورية فقد اخذ يوزع 90% من راتبه للأعمال الخيرية مؤكداً عدم الحاجة له، هذا هو الرئيس الذي يتصف بسمة التواضع والتفاني لخير مواطنيه.

- نعم شكراً وألف شكر لك يا سيد خوسيه موخيكا، المعروف باسم "بيبيه" وأنت تبلغ الثمانينات من العمر فلقد قدمت المثال الحقيقي لقيمة الرئيس والإنسان المتواضع الذي يجب أن يسلكه كل حاكم ومسؤول يؤمن أن الموقع السياسي والمسؤول في الأعلى لن يبقى إلى الأبد في الأعلى وهناك طريقين للهبوط   :

الأول : أما الاحتقار والازدراء والبصق من قبل الناس على تاريخ كل طاغية ومستبد وعندنا أمثلة نستطيع بكل سهولة أن نذكرها ونذكر أصحابها وهي معروفة بدون شك لملايين من البشر.

الثاني : أو المحبة والاحترام والذكرى الطيبة والمثال الحسن والقيمة العالية الأخلاقية الرائعة ليس عند الشعب الخاص بهم بل عند أكثرية الشعوب في العالم.

يجب أن تبقى صفة التواضع عند الحاكم أو المسؤول سمة أخلاقية تشعر صاحبه الالتزام بالموقف المبدئي في الامتثال لمطالب المواطنين والوقوف مع مصالحهم المشروعة وتجعله يحمل سمات الوطنية التي تساهم بكل تضحية وإخلاص بالدفاع عن الوطن وعدم السماح بالهيمنة عليه أو التدخل في شؤونه الداخلية مهما كانت الادعاءات بالقومية والدين والطائفية لان الوطن وطن الجميع .



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter