|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  4 / 2 / 2014                                محمد كمال                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



الإقطاعية الدينية

محمد كمال
(موقع الناس)

«1»
رغم أنَّ الاقطاعية كنظام اقتصادي يمتد من القرن التاسع إلى القرن الخامس عشر إلّا أنَّ الاقطاعية كمفهوم عام يندرج تحتها نظامين آخرين هما الاقطاعية العسكرية، التي تعود جذورها إلى الأمبراطوريات القديمة من بابلية وفارسية وفرعونية وحتى الدولة الإسلامية «الأموية والعباسية والمماليك»، والنظام الآخر هو الاقطاعية الدينية المتمثلة أساساً في الفاتيكان «السلطة الكاثوليكية» إلى يومنا هذا، ونستذكر كذلك من التاريخ القديم سلطة الكهنة في الحضارات القديمة التي كانت شبيهة بسلطة الفاتيكان في القرون الوسطى وكانت لهذه الكهنوتية سطوتها الروحية وسلطتها الاقتصادية متمثلة في الاقطاعات الزراعية الممنوحة لها من الملك والهبات العينية التي كانت تتدفق إلى خزائنها من أثرياء الشعب وعامته.

والمؤسسة الدينية، بسطوتها الروحية وسلطتها الاقتصادية، مازالت باقية في بعض الجيوب الجغرافية في المجتمعات البشرية وبدرجات متفاوتة رغم نور التنوير الذي يسطع الاّن على أكبر رقعة من جغرافيا العالم.

إذا سلطنا الضوء على عالمنا العربي نستشعر أن هناك بعضاً من هذه المؤسسات الدينية في عباءتها الاقطاعية، وإذا ما ركزنا هذا الضوء على واقعنا السياسي والديني في البحرين فإننا نستطيع أن نرى بكل وضوح إنَّ الطائفة السنية لم تستطع أن تبني مؤسسة دينية بمكوناتها الروحية والاقتصادية بينما السلطة الروحية والسلطة الاقتصادية بآليتها الاقطاعية تتمثل عندنا بجل معانيها في بنية الطائفة الشيعية حيث أنه من المعروف أن هذه الطائفة تتكون من ثلاث مكونات متلازمة وهي :

المكون الاول والأخطر هو سلطة المؤسسة الدينية التي تتشكل من هيكل تنظيمي صلب تتحكم في جميع الشؤون الحياتية للطائفة وتتربع على كنز من موارد الخمس والزكاة والصدقات والهبات واستثمارات الأوقاف الضخمة والمتنامية، ومصدر هذه الموارد هو المكون البرجوازي والشغيلة من الطائفة التي لا خيار لديها إلّا الانصياع لتلبية الأوامر الدينية من ممثلي المؤسسة المنتشرين في جسم الطائفة تحت مسمى مقلد.

«2»
مع ملاحظة أنَّ الشغيلة هم أكثر الفئتين عرضة للاستغلال والمعاناة، بينما البرجوازية هي في موقع التحالف الطبقي مع السلطة المذهبية، أن قدرتها المالية لا تضعها تحت طائلة المعاناة،

المكون الثاني هو الطبقة البرجوازية من ملاك الاراضي والتجار والوكلاء الذين يستغلون عموم الشعب وعندهم من المال الكثير للسيطرة والعبث وتتملكهم أطماع سياسية لمشاركة السلطة القائمة في تبوء المناصب السيادية على أسس دستورية، هذا كمرحلة أولية على أمل الانقضاض على السلطة السياسية بالمطلق في مراحل لاحقة يتم الأعداد لها في ظروف تيسرها المشاركة الدستورية في السلطة،

المكون الثالث وهو الأكثرية الساحقة من العمال والموظفين المساكين الذين يرزحون تحت وصاية السلطة الدينية وتحت إستغلال الطبقة البرجوازية، وهذه الطبقة المغلوب على أمرها تعيش في علاقة إقطاعية نموذجية في المؤسسة الطائفية، كونها تملك نسبياً حياتها ولكنها بالمطلق لا تملك حرية القرار في شؤون حياتها وهذا هو أساس العلاقة الإقطاعية التي تربط بين الطبقة العاملة والمؤسسة الدينية، فهي مضطرة موضوعياً وذاتياً أن تستمد التعليمات والتوجيهات التي تنظم حياتها من المقلد الذي تتبعه، وهذه العلاقة لاتحيد عمّا قاله الملك الفريد الإنجليزي في القرن التاسع : «خلق الله العالم على مثلث، ضلع يحكم وضلع يصلي وضلع يخدم الضلعين».

السلطة الدينية هي الوصي على الأكثرية المسكينة من القوة المنتجة وتفرض عليها الخمس والزكاة والصدقات والتبرعات وتستغلها في استثمارات الأوقاف والتي تُكَوِّنْ القوة الاقتصادية للسلطة الدينية ومن لا يدفع فهو كافر وهكذا تسيطر السلطة الدينية على القاعدة الشعبية للمؤمنين في الطائفة، من جهة اخرى هناك تحالف بين السلطة الدينية والطبقة البرجوازية في مواجهة السلطة القائمة باستغلال الأغلبية المسكينة من القوى المنتجة التي لا حول لها ولا قوة وتزج بها في أتون المواجهة مع عسكر السلطة.

«3»
فهذه الطبقة المغلوب على أمرها هي التي تقدم الضحايا وتعاني الآلام بمختلف صنوفها من أجل أن يتربع التحالف البرجوازي مع السلطة المذهبية على عرش السلطة، والهدف من هذا التحالف الديني الطبقي مع زج الطبقة العاملة في أتون المواجهة مع السلطة هو إرغام السلطة على تقديم تنازلات من أجل إشراك الطبقة البرجوازية الشيعية في السلطة على أسس دستورية وليس حسب خيار وقرار السلطة القائمة، وهذه الطبقة البرجوازية تحمي نفسها وتعيش بعيدة عن المواجهات مع عسكر السلطة وجل رموزها خارج البلد أو في منأى من التواجد الميداني والمواجهة الصريحة في أتون المواجهة.

ومن أجل وضع هذه الطموحات موضع التنفيذ فلا بد من آلية عمل تعتمد التحريض الشعبوي بخطاب عاطفي وفكر سطحي والذي لا يمكن أن يتحقق إلّا من خلال أداة سياسية منظمة على أسس حزبية متكاملة ومتقنة، وهكذا كان الصوت الإعلامي القوي الذي كان يصرخ ويجلجل ويحرض، ولكن بذكاء يتوارى وراء مساندة السلطة ضد كتلة الشعب في البرلمان في حينه، بدءاً من السبعينيات بريادة عبدالله المدني من خلال منبره الصحفي في مجلة المواقف، وقد امتد هذا النشاط الإعلامي ليرتقي إلى تأسيس الحزب المرتقب المتمثل حالياً في جمعية الوفاق الاسلامية، وقد حصلت هذه الجمعية على قاعدة جماهيرية جاهزة بالتزكية من السلطة المذهبية القاهرة والتي لا يُرَدُّ لها أمر، ومن الطبيعي أن لا يلتفت هذا الحزب الوظيفي إلى حاجيات الطبقة العاملة أبداً لأن وظيفته محددة مسبقاً من قبل التحالف البرجوازي مع السلطة المذهبية لاستغلال الطبقة العاملة في أتون المواجهة خدمة لصعود هذا التحالف إلى مواقع السلطة، وهكذا فإنه ليس من الغريب أن تكون مطالب الوفاق سياسية بحتة ولا تتضمن أية مطالب أجتماعية أو معيشية لصالح القاعدة الشيعية، لان هذه المطالب تتناقض مع المصالح الطبقية للبرجوازية الشيعية وسلطة الاقطاع المذهبي.

«4»
وبالنسبة للسلطة الدينية لابد للطبقة الفقيرة أن تبقى فقيرة وجاهلة حتى يسهل السيطرة عليها ووضعها تحت الوصاية الدينية بشكل دائم وتكون مصدراً لتأمين المورد المالي وجيش التحريض والمواجهة عندما تستدعي المستجدات ذلك.

الوفاق هو الممثل السياسي لهذا التحالف، المبيت منذ زمن، وهو الأداة الميدانية لدفع القاعدة الشيعية في المواجهة إما بالخداع المذهبي أو الترغيب أو الترهيب، وهذا التحالف يسعى في المرحلة الراهنة إلى مشاركة السلطة في الوزارات السيادية مع ضمانة التربع على كرسي رآسة الوزارة على المدى المنظور.

إنَّ مؤسسة دينية تعيش وتتحرك بآلية إقطاعية لا يمكن أبداً أن تقبل بمفهوم المواطنة، وأنها لا تستطيع أن تتنفس إلّا في أجواء الطائفية مما يمثل تحدياً قاسياً أمام الذين يريدون تأسيس المواطنة وتثبيت دعائمها من أجل بناء دولة الديمقراطية والقانون تتساوى فيها الحقوق والواجبات دون تمييز، فإنَّ هذا التحدي حاضر وبقوة ونحن على أبواب حوار وطني وعلى مستوى تمثيل أعلى من الحوارات السابقة، وهناك هاجس يشغل بال المواطن خاصة وأنَّ ساحة الحوار من المتوقع أنها ستشهد تجاذبات بين تحالف تقوده الطائفية الشيعية وائتلاف تقوده الطائفية السنية، بينما القوى الوطنية الديمقراطية غائبة لانها مازالت مريضة تتلوى من الحسرة والألم في غرف العناية القصوى، وهذا يترك ساحة الحوار لتجاذبات مذهبية قد تؤدي إلى توافقات في المحاصصة على غرار لبنان، وهناك من تحدث بالثلث المغيب استعداداً للحوار، وإذا ما أخذت الأمور هذا المنحى فان الوطن سيصبح حبيس الطائفية الى دهر من الزمان يصعب قياسه، ولإنقاذ الوطن من عباءة الطائفية فهناك مسؤولية تاريخية تقع على جميع المتحاورين بمن فيهم السلطة لتجنب المحاصصة الطائفية، وسوف تكون مخرجات الحوار هي الحكم على المصداقية الوطنية للمتحاورين ومدى اتسامهم بالمسؤولية الوطنية، ويجب أن يضعوا في اعتبارهم أن الوطن ليس مشاعة مباحة لأهواء فئوية أو طائفية وأن المسؤولية الوطنية تتخطى الدوائر الضيقة للفئة أو الطائفة، وعلى المتحاورين أن يدخلوا قاعة الحوار تحت شعار «حلول وطنية لا محاصصة طائفية».

 

الأيام
العدد 9066 الثلاثاء 4 فبراير 2014


 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter